يناقش أسبوع أبوظبي للاستدامة، الذي تمتد فعالياته من 16 إلى 23 يناير الجاري، الحلول اللازمة لمواجهة تحديات المياه. وتم وضع كفاءة طاقة التحلية على جدول أعمال القمة العالمية للمياه، التي تقام تحت مظلة أسبوع أبوظبي للاستدامة، حيث يتم التركيز على آليات تسريع العمل في تطوير الاستراتيجيات والتقنيات المستدامة في قطاع المياه.
ويتوقع أن تتضاعف قيمة قطاع تحلية المياه عالمياً أربع مرات، لتصل إلى 52.5 مليار دولار بحلول عام 2020، بالمقارنة مع 12.5 مليار دولار عام 2010، تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على حصة الأسد منها، بواقع 63 %.
ويمثل أمن المياه أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات بالعالم في الوقت الحالي، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار، أن نسبة المياه الصالحة للشرب لا تتعدى 3 % من إجمالي المياه المتوفرة حالياً، مع توقعات تشير بوصول عدد سكان الأرض إلى قرابة 9.1 مليارات نسمة بحلول عام 2050.
مبادرات استباقية
وفي خطوة تدل على قراءة متأنية ودقيقة لتحديات المستقبل، اتخذت القيادة الرشيدة للدولة، عدة مبادرات استباقية للتعامل مع مسائل ندرة المياه العذبة. وجاءت هذه الخطوات تماشياً مع رؤية المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة، الذي كان حريصاً ومهتماً بالبيئة ومواردها الطبيعية..
حيث كان يؤكد دائماً بالقول «إننا نولي بيئتنا جل اهتمامنا، لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف، الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط، ويتركوا فيها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً للخير ونبعاً للعطاء».
طلب متنامٍ
وتواجه أبوظبي طلباً متنامياً على المياه العذبة بواقع 5-6 % سنوياً، الأمر الذي يعني إنتاج 900 مليون غالون من المياه الصالحة للشرب يومياً، من خلال عمليات تحلية المياه باستخدام الوقود الأحفوري. وقامت العديد من المؤسسات الحكومية ذات الصلة، بتنفيذ استراتيجيات هادفة للتعامل مع ندرة المياه الصالحة للشرب، للوفاء باحتياجات العديد من القطاعات الرئيسة.
فعلى سبيل المثال، أطلقت هيئة البيئة - أبوظبي، نظام مراقبة ذكياً لأكثر من 228 ألف هكتار من الغابات الخاضعة لإدارة الهيئة، بهدف تقليل استهلاك المياه الجوفية بنسبة 30 % بحلول عام 2030.
تحلية المياه والتحديات
تمثل تحلية المياه، الطريقة الرئيسة لتأمين احتياجات الإمارات من المياه العذبة طوال العقود الماضية. وتواجه جدوى هذا الحل، الكثير من التساؤلات على المدى البعيد بسبب ارتفاع مستوى الطاقة التي يتم استهلاكها في عملية إنتاج المياه الصالحة للشرب، والتي تعادل عشرة أضعاف، بالمقارنة مع عملية إنتاج المياه العذبة السطحية، على الرغم من التطورات الكبيرة التي شهدها قطاع تكنولوجيا تحلية المياه.
انبعاثات
كما تتسبب عملية تحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية، بنسبة تقارب 30 % من انبعاثات غازات الدفيئة في أبوظبي، ولتكون بذلك ثاني أكبر مسهم في هذه الانبعاثات بعد التصنيع والبناء. وعلى الصعيد البيئي، تفرض عملية تحلية المياه تحديات كبيرة، حيث تتسرب المحاليل الملحية والمياه المستخدمة في عمليات التبريد صوب البحر، لتزيد بدورها من نسبة ملوحته، ما يهدد تنوع الأحياء البحرية..
إضافة إلى تغيير درجة حرارة النظام البيئي المحيط بها. ومن جانب آخر، تفرض تحلية المياه تحديات اقتصادية، مع توقعات تشير إلى ارتفاع التكلفة بواقع 300 %، على الرغم من انخفاض سعر الوقود الأحفوري.
مصدر
واستثمرت حكومة أبوظبي، من خلال «مصدر»، مبادرة أبوظبي متعددة الأوجه للطاقة المتجددة، في أحدث التقنيات لتحسين كفاءة إنتاج المياه، وتقليل التأثيرات البيئية الناجمة عن عمليات تحلية المياه في المشاريع المزمع تنفيذها في دولة الإمارات وخارجها. وأبرمت «مصدر»، شراكات مع أبرز مطوري تكنولوجيا تحلية المياه عالمياً، مثل «أبينجوا» و«ديجريمون»، و«سيديم فيوليا» و«تريفي سيستمز»، لإطلاق مشروع تجريبي لاختبار وتجربة تقنيات تحلية مياه البحر، تتميز بكفاءة عالية في استخدام الطاقة. ويهدف هذا المشروع التجريبي، إلى تطوير محطات تحلية مياه البحر في دولة الإمارات، تعمل بالطاقة المتجددة، على أن يتم تسويقها تجارياً بحلول عام 2020.
ويتضمن المشروع التجريبي، 4 محطات، جرى تركيبها بمنطقة غنتوت في أبوظبي، تعمل لمدة 18 شهراً. وتهدف كل محطة إلى تخفيض استهلاك الطاقة بشكل كبير، من خلال الربط بين تقنيات تحلية المياه الواعدة، التي يجري تطويرها في الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية والتطبيقات الصناعية واسعة النطاق، التي تعمل من خلال الطاقة المتجددة.
ويوفر مشروع غنتوت لتحلية مياه البحر، عندما يعمل بالكامل، 1500 متر مكعب من المياه الصالحة للشرب يومياً، إلى بنية المياه التحتية في أبوظبي..
حيث تلبي هذه الكمية متطلبات 500 منزل تقريباً. ويتوقع لمشروع محطات غنتوت لتحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة، أن يسهم بتخفيض كبير في استهلاك الطاقة، عندما يتم تشغيل المحطات بالكامل. وفي حال تلبية 15 % من احتياجات أبوظبي لمحطات التحلية الجديدة مستقبلاً، من خلال تقنيات تحلية المياه بالطاقة المستدامة، فإنها ستسهم في التوفير السنوي بما يقارب 94 مليون دولار أميركي، بدءاً من عام 2020.
منهجية
وأكد الدكتور أحمد عبد الله بالهول، الرئيس التنفيذي لـ «مصدر»، أن المنهجية بعيدة الأمد التي تعتمدها «مصدر» في مشروع غنتوت لتحلية مياه البحر، تلقي الضوء على التزام الشركة بتحقيق رؤية أبوظبي 2030.
وأشار إلى أن «مصدر» تتطلع من خلال المشروع التجريبي، هذا إلى جسر الهوة ما بين البحوث والتقنيات المتقدمة، لتقديم حلول ذات جدوى تجارية، يمكن تنفيذها عالمياً، ويعقب قائلاً «تسهم هذه الشراكات بين مختلف الجهات المشاركة في المشروع، في تعزيز نقل وتبادل المعرفة. ومن جانب آخر، تعمل مشاريع البحوث والتطوير في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، على تعزيز التفاعل المباشر ما بين طلبة المعهد والشركاء الدوليين في مشروع غنتوت لتحلية مياه البحر».