دعا إدوارد متي رائد الأعمال والشريك الإداري في شركة «سي سي ام للاستشارات» والمحاضر في مجلس أعمال سيدات دبي، إلى بناء رواد الأعمال لنماذج أعمال قابلة للتوسيع والتكرار، وتحقّق منفعة مباشرة للمستثمرين في كل مكان، مؤكداً أن فرصة نجاح الشركات في منطقتنا أكبر بكثير قياساً مع مناطق أخرى، وطالب بإطلاق برامج تعاونية بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة والمدارس بهدف تعريف الشباب على قيمة ريادة الأعمال.
واعتبر متي في تصريحات لـ«البيان الاقتصادي»، أنه لم يسبق أن كانت هناك فترة أفضل للشركات الصغيرة والمتوسطة من هذه المرحلة كي تزاول أعمالها، «فهي تحظى بإمكانيات للولوج إلى المنصات والكفاءات العالمية، وتتفوّق على الشركات الكبيرة من حيث مرونتها وقدرتها على دخول السوق والتعامل مع المخاطر والمنافسة مع الشركات الكبيرة».
نصائح
ووجه متي عدة نصائح للرواد والجهات الداعمة لهم من أبرزها:
أن أهم نصيحة أوجهها إلى رواد الأعمال هي التأكيد على ضرورة أن يتحلّوا بالمرونة الكافية للتعاطي مع الظروف المحيطة؛ ففي حين يميل الكثيرون إلى الاستهانة بالمهام التي يتعاملون معها، فإن ريادة الأعمال في الواقع تنطوي على الكثير من التحديات من نجاحات وإخفاقات ورفض وشكّ بالذات، والكثير من المعوقات التي تحرف انتباه المرء عن أهدافه الرئيسية. وبالتالي يعتبر التمتّع بالمرونة أمراً لا غنى عنه من أجل الحفاظ على التركيز وامتلاك القوة اللازمة للنجاح.
بالنسبة للمؤسسات الداعمة للرواد، فإن نصيحتي لها هي أن تتحلّى بذهنية منفتحة دائماً، ففي كثير من الأحيان قد تمتنع عن الدعم أو تنزلق في دوامة التساؤل المفرط حول الأهداف والغايات النهائية لروّاد الأعمال، بينما قد يكون أفضل ما يمكنها القيام به هو فهم طبيعة الأعمال بشكل أفضل، والإصغاء بذهن منفتح، وتقديم برامج تساعد الروّاد على تجاوز ما يواجهونه من تحديات.
يجدر بالمستثمرين المبتدئين ألّا يكتفوا فقط بالنظر إلى إيجابيات المجال الذي يعتزمون الاستثمار فيه، وإنما يجب أيضاً أن يقيّموا المخاطر والجوانب السلبية، فغالباً ما تعمينا توقعات الإيرادات والأرباح المحتملة عن رؤية الواقع بشكل سليم، لذا من الأهمية بمكان الحفاظ على التوازن المطلوب ومعاينة جانبي الصورة. وعند الاستثمار في مجال معيّن، أنصح بالحصول على المشورة ليس فقط ممن يفهمون مجال العمل هذا بشكل جيّد، بل أيضاً من الشركات الناشئة وأي جهات أخرى قادرة على توفير آراء احترافية وموضوعية.
جذب
هناك الكثير من الشركات الرائعة في الإمارات والشرق الأوسط، وإذا ما أرادت هذه الشركات اجتذاب المستثمرين العالميين، عليها أن توسّع آفاق تفكيرها وتنظر إلى الأمور من منطلق عالمي، مع بناء نموذج أعمال قابل للتوسيع والتكرار، ويحقّق منفعة مباشرة للمستثمرين في كل مكان؛ حيث إن المستثمرين المحليين والعالميين يسألون أنفسهم قبل أي شيء، ما الفائدة التي أجنيها من ذلك؟
فرص
وعن الفرص المتاحة للشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي والتي تعمل على تنمية اقتصادها بالاستناد إلى العلوم والمعارف والتنويع للحد من الاعتماد على النفط بشكل حصري، وكيف يمكن لمالكيها الاستفادة من هذا التوجّه المستدام، يقول متي: في ظل الإجماع العام على ضرورة عدم الاعتماد على الإيرادات النفطية بشكل حصري في هذه المنطقة التي أصبحت مدركة للإمكانيات البديلة، أعتقد بأنّه لم يسبق أن كانت هناك فترة أفضل للشركات الصغيرة والمتوسطة من هذه المرحلة كي تزاول أعمالها، فهي تحظى بإمكانيات غير مسبوقة للولوج إلى المنصات والكفاءات العالمية، وتتفوّق على الشركات الكبيرة من حيث مرونتها وقدرتها على دخول السوق.
وتابع: تكمن الفرص في قدرة الشركات الصغيرة على التعامل مع المخاطر والمنافسة مع الشركات الكبيرة، ولا سيما أنها تتمتع بقدرة أكبر على المنافسة في أجواء أكثر توازناً، على العكس من نظيرتها الكبيرة التي تراقب نتائجها المالية باستمرار مع السعي دوماً لتقليص الميزانيات. كما أن الشركات بشكل عام تبحث عن الخدمات الجيّدة وسوية رفيعة من العناية، وهو ما تتيحه الشركات الصغيرة والمتوسطة بمزيد من السهولة قياساً بنظيرتها الكبيرة.
وأعرب عن ثقته بقدرتنا على اجتذاب أصحاب الكفاءات التكنولوجية من الشباب نظراً لمكانة الخليج الهامّة عالمياً كمركز للابتكار والريادة، فضلاً عن كونه حاضنة لتحويل الأفكار المبدعة إلى واقع ملموس وتنفيذها على أفضل وجه ممكن، مما يجعل المنطقة بيئة تضمن لهذه المواهب الشابّة إمكانية تحقيق طموحاتها وتطلعاتها مهما بدت هذه الطموحات جامحة.
الدعم المالي
وقال: أعتقد بأننا محظوظون للغاية في دولة الإمارات بالمقارنة مع بقية دول المنطقة من حيث إمكانيات الدعم المالي المتاحة؛ إذ لطالما كانت الدولة داعماً كبيراً للشركات الصغيرة والمتوسطة ووفرت بيئة مواتية لهذا النوع من الأعمال. لذا أرى أننا متفوقون بشكل واضح على العديد من جيراننا، وهو ما سمح لنا باجتذاب الكثير من رواد الأعمال وتنمية المشاريع في الدولة. وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى أن الإمارات بإمكانها فعل المزيد لتحسين هذا الدعم المالي بما يساعد هذه الشركات على تحقيق مزيد من النمو والتطوّر.
مخاوف
وبشأن تردد شركات رأس المال في تمويل روّاد الأعمال الراغبين في إطلاق مشاريع لهم في المنطقة، مع العلم بأن بعضهم يحصلون على تمويلهم من أميركا وأوروبا، أوضح متي أن الأمر برمته يتعلّق بالمخاطر، إذ إن الثقافة السائدة في الإمارات تميل إلى تجنّب المخاطر (ولا سيما في الشؤون المالية) رغم إدراك ضرورة التعامل معها. وفي أحيانٍ كثيرة قد لا تكون شركات رأس المال راغبة في الإقبال على المخاطر الضرورية والمحسوبة لتمويل الشركات الناشئة، وإنما تفضّل الشركات ذات الأسس الراسخة بدلاً من ذلك. ولهذا السبب وجدت الشركات الصغيرة الإقليمية أنّه من الأسهل أحياناً الحصول على التمويل من مناطق أخرى.
منصات خاصة
وتابع من أجل تغيير هذا الواقع علينا بناء منصاتنا الخاصّة التي تجمع بين أصحاب رؤوس الأموال وروّاد الأعمال كي يتحاوروا بكل حرية ويتفهموا احتياجات بعضهم بعضاً. كما ينبغي الإقبال على المخاطر بشكل أكبر ومنح روّاد الأعمال فرصة.
وقد شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية ظهور العديد من هذه المنصات، ولو أنها ما زالت صغيرة الحجم، غير أنها نجحت في الربط بين رواد الأعمال الشباب وشركات التمويل بالاعتماد على مجموعة مسابقات، ومن المذهل رؤية التأثير الذي يمكن لهؤلاء الرواد إحداثه عند حصولهم على التمويل المطلوب للانتقال إلى مستوى جديد. كما أن هذه التجربة عادت بالنفع على الممولين أيضاً بطبيعة الحال، والآن أصبحنا بحاجة إلى توسيع نطاقها ومدى تكرارها.
وأشار إلى أن تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في أوساط شباب الإمارات ودول التعاون الخليجي، يتوقف على التعليم والتوعية، حيث إن أنظمتنا المدرسية لا تنسجم مع الثقافة المطلوبة، وإنما ما زالت تركّز على توجيه الجيل الصاعد نحو مهن مثل الطب والهندسة، ونحن بالتأكيد لا ننكر أهمية الأطباء والمهندسين، ولكن بإمكان هؤلاء أن يكونوا رواد أعمال في الوقت ذاته، غير أنّ الشباب لن يدركوا ذلك إذا لم نعرّفهم على ريادة الأعمال وما تتسم به من شعور بالقيمة والمساهمة الإيجابية.
وأضاف: يجدر بنا إطلاق برامج تعاونية بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة والمدارس بهدف تعريف الشباب على قيمة ريادة الأعمال، وذلك بالتوازي مع تقديم برامج تدريب ورعاية وإتاحة فرص تسمح للجيل الجديد بالتعرّف عن كثب على الفرص التي ينطوي عليها عالم الأعمال.
فرص النجاح
وعن مدى فرص نجاح الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط والمنطقة عموماً، قال: بصفتي رائد أعمال/ مالك شركات أمضي سنين عديدة في أمريكا الشمالية وأقيم في الإمارات منذ 6 سنوات، فإنّه بمقدوري القول وبكل ثقة إن فرصة نجاح هذه الشركات في منطقتنا أكبر منها بكثير قياساً بمناطق أخرى.
كما أن الإمارات على وجه الخصوص تتيح فرصاً كثيرة لتأسيس الشركات والعلامات التجارية، ونحن محظوظون كذلك بأن الشريحة الشابّة تمثّل نسبة كبيرة من التعداد السكاني في البلاد، ويبدو أنها مواكبة لأحدث منهجيات التسويق، ولديها النية والعزيمة لتنفيذ أفكارها على أرض الواقع.
وطالما أننا لا ندع المخاطر تشكّل عائقاً أمام هذه الروح الريادية، وطالما أن التركيز يبقى منصباً على الهدف النهائي، فإن فرص النجاح في الإمارات والمنطقة مرتفعة جداً بكل تأكيد.
وأضاف: لا شك في أن هذه النجاحات تلعب دوراً فائق الإيجابية في الاقتصاد ورفع مستوى معيشة الناس.
وبخصوص القطاعات التي تشهد معدلات النمو الأكبر، والتي يجدر بروّاد الأعمال التركيز عليها، يرى متي أن الأمر يتعلّق في المقام الأول بالأفكار المبتكرة التي يقدمها رائد الأعمال للسوق؛ حيث يمكن تحقيق النجاح في أي قطاعٍ عند التركيز على توفير منتجات/ خدمات عالية الجودة من شأنها إضفاء قيمة حقيقية على حياة العملاء/ المشترين، وذلك مع توفير خدمات مخصصة تتمحور حول العميل قبل أي شيء.
وهو أمر ينطبق على كافة القطاعات، بدءاً من القطاع المصرفي ووصولاً إلى الضيافة وحتّى الإنشاءات. وعزا متي سبب محدودية رأس المال المستثمر في الشركات التكنولوجية الصاعدة إلى الحذر في الإقبال على المخاطر حيث نريد رؤية النتائج من دون الإقدام على أي استثمار؛ حيث إننا في الإمارات نحرص على استقدام أحدث أشكال التكنولوجيا إلى المدن والطرقات والمجمعات السكنية، غير أننا لا نتعامل مع الشركات التكنولوجية على النحو ذاته.
لذا يجب أن ندرك ضرورة قبول هذه المخاطر والتركيز أكثر على الثمار التي يمكننا أن نجنيها.
من ناحية أخرى لم يبد ثقته 100% بوجود صلة بين تباطؤ النمو الاقتصادي ونمو القطاع التكنولوجي ولكن ربما يكون المقصود هو أنّه عند الركود أو تباطؤ النمو الاقتصادي نميل أكثر إلى الإبداع واستنباط منهجيات جديدة لتوفير الخدمات للمستخدم النهائي، مع ابتكار طرق مختلفة لتقديم الخدمات/ المنتجات ذاتها بتكلفة أقل وفعالية أكبر، وفي هذه الحالات تمثّل التكنولوجيا الجواب الأفضل في كثير من الأحيان.
وقال: أعتقد بأن شركات التكنولوجيا تستفيد من الركود الاقتصادي في شتى أنحاء العالم، علماً أنّه ليس بالضرورة أن يكون هناك تعارض دوماً بين النمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي. وأوضح قائلاً: شهدنا على مدى الأعوام القليلة الماضية ظهور العديد من الشركات التكنولوجية الجديدة في بلادنا وتحقيقها لنجاحات باهرة، فقد استفادت من الركود الاقتصادي بفضل حفاظها على قيمها الرئيسية، واعتمادها ذهنيات تركّز على «أهداف وآفاق كبيرة»، مع إبقاء العميل/ المستخدم النهائي محوراً لكل شيء تقوم به. وأتطلع قدماً إلى رؤية مزيد من الشركات المحلية.
حجم السوق يقود شركات إقليمية للربحية
يعتبر إدوارد متي حجم السوق أحد أهم العوامل التي ساعدت على بناء شركات إقليمية تصل قيمة أرباحها إلى مليارات الدولارات، حيث إنه ليس من المعقول أن يتوقع الكثير من رواد الأعمال تحقيق أرباح بهذا الحجم؛ ففي حين نجحت شركات عديدة في بلوغ هذه المستويات بعد أن كانت قد انطلقت من الصفر، غير أنّ هذه لا تمثّل حالة عامة، وبالتالي نميل إلى الاعتقاد بأن هذا الشيء قد غدا من الماضي (إقليمياً).
وقال: في السوق العالمي والذي يضم ما يصل إلى 7 مليارات نسمة بناتج محلي إجمالي قيمته 77 تريليون دولار، لن يكون تحقيق أرباح بقيمة مليارات الدولارات هدفاً صعب المنال لأن توسيع منظورنا وسوقنا يعني أن ساحة لعبنا ستغدو أكبر بغض النظر عن طبيعة ما نقدّمه. لذا أنصح روّاد الأعمال الذين ما زالوا في البداية أو المراحل الأولى بأن يوسعوا آفاق منظوراتهم ويلجؤوا إلى مشورة الخبراء بخصوص توسيع نطاق الأعمال والحفاظ على ما يحققونه من نمو (أو ما سيحققونه). ببساطة ابحثوا دوماً عمّا يدعم الارتقاء بأعمالكم إلى مستويات جديدة من النجاح.