يتابع العالم حالياً بترقب ما ستؤول إليه أزمة اليونان المالية، خصوصاً مع تخلف البلاد عن سداد دين استحق يوم الثلاثاء الماضي. ووضع المراقبون الاقتصاديون عدة احتمالات لما ستؤول إليه الأمور في اليونان وأوروبا والعالم بأسره، أسوأها إعلان إفلاس اليونان وخروجها من الاتحاد الأوروبي، وبداية أزمة اقتصادية أوروبية وربما عالمية جديدة.
الجميع يعرف أن العام 2010 شهد بداية أزمة الدين الحكومي اليوناني حينما طلبت الحكومة اليونانية خلال شهر أبريل في ذاك العام من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضاً لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد، حيث كان الهدف من هذه الخطة إعادة هيكلة ديون اليونان الخارجية التي تناهز 350 مليار يورو، وتقليصها من 160% من ناتجها المحلي الإجمالي إلى 120.5% في 2020.. لكن السؤال هنا هو كيف وصلت اليونان إلى مرحلة تطلب فيها خطة إنقاذ من الإفلاس؟
1984
بدأت أزمة اليونان قبل أكثر من 30 عاماً وتحديداً في العام 1984، حيث قررت الحكومة آنذاك زيادة الإنفاق بالضعف لتحسين المعيشة وتطوير البنية التحتية، وهو ما تقوم به كل الدول عادة، لكن الاستثناء اليوناني أن الحكومة التي كان يقودها أندرياس باباندريو، قررت الحصول على أموال هذه الزيادة عن طريق الاقتراض وليس على الطريقة التقليدية التي تتمثل في رفع الضرائب والرسوم.
طلبت اليونان آنذاك من دول أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص قروضاً بفوائد عالية، واستمرت في هذه الخطة، لمدة 20 عاماً اقترضت خلالها مليارات الدولارات، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي، حتى إن اليونان بدأت منذ العام 2000 الاقتراض من أجل سداد الديون المستحقة. وذلك طبعاً بفوائد مضاعفة (فوائد الديون السابقة والجديدة).
تزامنت هذه الفترة مع ارتفاع كبير في معدلات التضخم، حيث بدأت الأسعار في الارتفاع مع انخفاض كبير في قيمة العملة اليونانية آنذاك (دراخما)، حتى إن بعض المحال التجارية في أواخر الثمانينات (تحديداً 1988 – 1992)، بدأت في تقديم تخفيضات كبيرة في حال الدفع نقداً وآنياً لعلمها بأن العملة ستستمر في الانخفاض.
1993
لم يسهم انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي في العام 1981 كثيراً في تغيير الوضع، حيث استمرت الدولة في الاقتراض واستمر التضخم في الارتفاع مقابل انخفاض العملة، خصوصاً وأنها أقدمت أكثر من مرة على رفع سقف الأجور لإرضاء سكانها.
وذلك طبعاً عن طريق الحصول على قروض جديدة، حتى تأسيس المفوضية الأوروبية في العام 1993، والذي شكل بالنسبة لليونان منفذاً جديداً للحصول على أموال جديدة وبفوائد مخفضة (سياسة المفوضية الأوروبية تتمثل في دعم الدول الأعضاء بقروض مخفضة الفوائد)، فبدأت اليونان بالحصول على قروض من المفوضية الأوروبية لتسديد ديونها.
واستمرت هذه العملية سنوات طوال، حتى إن اليونان اقترضت مليارات جديدة من أجل تطوير البنية التحتية لاستضافة أولمبياد 2004. حيث قامت اليونان باقتراض 15 مليار دولار من أجل الأولمبياد، وطبعاً لم تحقق الدولة أية فوائد، وانضافت القروض الجديدة إلى قائمة طويلة من القروض على اليونان سدادها. إضافة إلى منشآت رياضية غير مستخدمة يقدر عددها بـ21 منشأة.
2007
وبدأت اليونان في العام 2007 الشعور بخطر الديون المباشرة (من دولة إلى دولة أو من كيان مالي إقليمي إلى دولة)، ما دفعها لتجربة طرق جديدة، حيث أجبرت الحكومة آنذاك الصناديق الاستثمارية الخاصة المحلية على شراء السندات الحكومية، كما وضعت العديد من أعضاء الحزب الحاكم على رأس البنوك المحلية، وطلبت منهم الحصول على قروض من البنوك الألمانية والأوروبية بشكل عام، لتصبح العملية كالتالي: البنك الألماني يقرض البنك اليوناني، والأخير يقرض الحكومة.. لتستمر عملية الاقتراض.
وشهدت نفس الفترة سن الحكومة والبرلمان اليوناني لقانون جديد يتيح لموظفي الحكومة والقطاع العام الحصول على تقاعد مبكر ما بين 26 إلى 50 عاماً، وهو ما يعني أن خزينة الدولة ستتكلف دفع رواتب الموظفين المتقاعدين ورواتب الموظفين الجديد الذين سيحلون محلهم، وقد أكدت دراسة قام بها صندوق النقد الدولي أن 75% من موظفي القطاع العام باليونان حصلوا على تقاعد مبكر (أي قبل الوصول إلى السن الأقصى وهو 61 عاماً.
2009
كانت اليونان تستمر في الاقتراض من أوروبا لتسديد مستحقاتها بشكل دوري، حتى العام 2009، عندما لم تستطع اليونان التقدم بطلب للحصول على قروض جديدة لعدم توافرها على الأصول اللازمة. وبدأت المخاوف بين المستثمرين تنتشر حول عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها نتيجة الزيادة الحادة لحجم الدين العام.
وقد أدى ذلك إلى أزمة ثقة في الأسواق المالية اتضحت بارتفاع الفائدة على السندات اليونانية وارتفاع التأمين على السندات اليونانية ضد التخلف عن السداد. ومع تزايد حجم الديون الحكومية وارتفاع عجز الموازنة واجه الاقتصاد اليوناني ضعفاً في النمو، وهو ما عقد من الوضع وصعب من قدرتها على الحصول على قروض جديدة لتسديد ديونها السابقة.
بداية التعثر واللجوء إلى خطط الإنقاذ الأوروبية
قدمت الحكومة اليونانية طلباً رسمياً في 23 يونيو 2010 إلى دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي لتفعيل خطة الإنقاذ المالي التي اتفق عليها قبل 10 أيام مع المفوضية الأوروبية، وتضمنت الخطة قروضاً من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بقيمة 45 مليار يورو تحتاج إليها الحكومة اليونانية للنفقات المالية خلال السنة الجارية، إضافة إلى حاجة اليونان لتسديد 16 مليار يورو لسندات يحل أجل سدادها مع نهاية شهر مايو وبسبب ارتفاع معدلات الفائدة إلى 8.3% فإن اليونان غير قادرة على إعادة تمويل هذه السندات.
وردت المفوضية الأوروبية على الطلب اليوناني بأنها سوف تقوم بتفعيل الآلية في أسرع وقت ممكن، فيما صرح مدير عام صندوق النقد الدولي آنذاك دومينيك شتراوس: «نحن مستعدون للتحرك سريعاً لتلبية هذا الطلب وتقديم المساعدة لليونان والبالغة قيمتها 60 مليار دولار».
في 2 مايو، وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسلة من القروض المالية بمجموع 110 مليارات يورو على مدى 3 سنوات خلال الفترة من مايو 2010 حتى يونيو 2013، منها 80 مليار يورور مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليار يورو، وتبلغ الفائدة على هذه القروض نحو 5.2% وفترة سداد 3 سنوات وقد خفضت الفائدة في قمة بروكسل لقادة الاتحاد الأوروبي في مارس 2011.
حيث تقرر تخفيض الفائدة بنحو 1% لتصبح 4.2% فيما زيدت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصف السنة، وقد اشترط على اليونان للحصول على القروض القيام بإجراءات تقشف تهدف إلى خفض الإنفاق. وبحسب الخطة يتعين على اليونان على خفض العجز في ميزانيتها إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري و7.6% في عام 2011 و6.5% في عام 2012.
2012
أقرت دول منطقة اليورو في 21 فبراير 2012 الحزمة الثانية لإنقاذ اليونان، وتضمنت جملة إجراءات خصصت لها 130 مليار يورو، فضلاً عن اتفاق لتبادل سندات ديون أثينا مع دائنيها من القطاع الخاص ينص على شطب 107 مليارات يورو، من خلال اتفاق مبادلة مع المؤسسات المالية الخاصة ينص على شطب 53.5% من قيمة سندات الدين اليوناني التي تحوزها تلك المؤسسات، أي ما يعادل 107 مليارات يورو عن طريق تبديل السندات القديمة بأخرى جديدة بتاريخ استحقاق يحل بعد ثلاثين سنة وبنسبة فائدة متغيرة، تتراوح بين 2% حتى نهاية العام الجاري 2015، و3% حتى 2020، و4.3% في السنوات الموالية، إلى أن تنتهي آجال استحقاق الديون اليونانية في 2042.
وأما القروض التي سيقدمها الدائنون الدوليون فتصل في مجموعها إلى 130 مليار يورو، تسدد تدريجياً إلى غاية 2014.
2015
طالبت اليونان في مطلع العام الجاري الدائنين من أوروبا بتمديد العمل ببرنامج الإنقاذ المالي الحالي، والذي انتهى فعلياً بنهاية يونيو، حيث رفضت الدول الأوروبية ذلك دون تقيد اليونان بتنفيذ إجراءات جدية نحو إصلاح المنظومة المالية، وعلى رأسها خفض العجز وخفض الإنفاق الحكومي.
هذه الشروط، اعتبرتها اليونان قاسية جداً و«مُذلة للشعب اليوناني»، ولا تؤمن الحد الأدنى من التمويل المطلوب، ليقرر رئيس الوزراء الحالي أليكسيس تسيبراس، إطلاق استفتاء شعبي تقدمت به الحكومة، حيث سيكون على الناخبين اليونانيين التصويت بـ«نعم» أو «لا» غداً الأحد، على حزمة الإجراءات التي قدمها الدائنون، أي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
مع العلم أن تاريخ 30 يونيو يصادف أول تاريخ تتخلف فيه اليونان رسمياً على سداد دفعة من ديونها، ما يعرضها لخطر وصفها بـ«غير قادر مالياً» وهو ما سيتبعه الخروج من الاتحاد الأوروبي.