يواجه الاقتصاد الصيني مخاطر متزايدة بما يهدد بتفاقم الأزمات رغم الجهود الحكومية الرامية إلى حفز النمو، حيث يرى الخبراء أن المعجزة الاقتصادية للتنين الصيني أصبحت تواجه تهديداً حقيقياً يهدد بإنهاء المعجزة الاقتصادية.

ورصد تقرير إخباري العديد من مقومات الفشل والعديد من التحديات التي تواجه اقتصاد التنين بسبب إصرار القيادة السياسية على الالتزام بأهداف النمو المرتفعة والبالغة 7% في العام الحالي، فيما تعاني العديد من القطاعات من الركود وخاصة القطاع العقاري، موضحة أن التمويل يعاني من المشكلات حيث يركز على القطاعات الأقل كفاءة والمثقلة بالديون.

واعتبر التقرير أن خفض قيمة اليوان لن يكفي لتحريك الأسواق وإنعاش الاقتصاد خاصة مع تفاقم الركود في سوق العقارات ومعاناة المستثمرين في أسواق الأسهم من ضعف الثقة.

واعتبر تقرير اقتصادي أن أفضل مثال يشير إلى التحديات التي تواجه الصين في الوقت الحالي يظهر في التحفة المعمارية التي ستكون مقر شبكة التلفزيون الرسمي في البلاد «سي سي تي في».

وقال تقرير نشره موقع «بروجكت سينديكت» قبل اكتمال المبنى التاريخي للشبكة التلفزيونية ببضعة أشهر في عام 2009 أجرى المسؤولون في الشبكة عرضاً بالألعاب النارية غير المصرح بها، مما أدى لوقوع حريق أتى على مبنى أصغر في المجمع الذي يطلق عليه «عش النمل الأبيض».

هيكل السلامة

وأدى الحريق إلى تأخر الانتهاء من مقر شبكة «سي سي تي في» حتى عام 2012، ليظل مبنى «عش النمل الأبيض» غير مأهول وغير مكتمل بسبب تدمير هيكل السلامة، كما أنه لا يمكن هدمه لخطورة ذلك على المباني المجاورة، وهو ما يمثل جزءاً جيداً من هيكل لا يمكن إصلاحه خوفاً من أمور سيئة قد تقع نتيجة ذلك.

وتكشف قصة المبنى الصيني أزمة اقتصاد الصين المتمثلة في مسارين مختلفين، أحدهما قائم على الخدمات والاستهلاك لكنه مثقل بآخر قديم يظهر في اتجاه متباطئ من الصناعات مثل الصلب والتعدين والذي يعاني من عدم الفعالية والطاقة الفائضة.

أزمة الديون

وامتد كلا المسارين في سوق العقارات في البلاد، والذي يتميز بالحجم الكبير في المدن متوسطة وصغيرة الحجم والطلب القوي في المدن الكبيرة.

أهداف النمو

وأشار التقرير إلى أن المشكلة الاقتصادية في الصين تتفاقم بسبب إصرار القيادة السياسية على الالتزام بأهداف النمو المرتفعة والبالغة 7% في العام الحالي، والاعتماد على الائتمان لإنتاج المستهدف.

ويعاني التمويل الصيني من سوء التوزيع، حيث يتركز على القطاعات الأقل كفاءة في الاقتصاد، والمثقلة بالديون، ونتيجة ذلك تتآكل أسس المعجزة الاقتصادية الصينية بسبب عبء الديون التي لا تظهر تراجعاً ملحوظاً.

فقدان السيطرة

ويرى تقرير «بروجكت سينديكت» أن فقدان الحكومة الصينية لسيطرتها على الاقتصاد يعتبر مثالاً متزايداً على الأزمة الحالية، وهو ما ظهر جلياً في التراجع الحاد الذي عانى منه سوق الأسهم في البلاد، والذي زاد من قلق المستثمرين.

وتتمثل الدعوة الحقيقية للإصلاح في الصين في جهود الحكومة المتأخرة والحقيقية في تحديد حجم الاقتراض الحكومي المحلي، والتبديد للتمويل.

وقام مكتب التدقيق الوطني في الصين بأولى محاولاته لتقييم حجم الدين الحكومي في عام 2010 والذي بلغ آنذاك 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ في منتصف عام 2013 حوالي 32%، في حين أشارت آخر إحصائية للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لارتفاع الدين بشكل حاد ليصل إلى 47.5% من الناتج المحلي في نهاية العام الماضي.

الإصلاح مقابل النمو

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد طرح خطة إصلاحية في نوفمبر 2013 لدعم دور متزايد للسوق في الاقتصاد، وهو ما كان يأمل من خلاله في حل مشكلة سوء توزيع رأس المال، والذي كان يبدو في طريقه لزيادة غير مستدامة للديون. كما شكلت ديون الحكومات المحلية في الصين حالة اختبار ضخمة، حيث أعلنت الحكومة المركزية في بداية العام الحالي خطة لتحويل الديون قصيرة الأجل، والقروض عالية الفائدة للحكومات المحلية إلى سندات طويلة الأجل.

قيود التمويل

وتسعى الحكومة المركزية في الصين من خلال زيادة أجل سداد الديون إلى تخفيف قيود التمويل على الحكومات المحلية، والسماح لها بمواصلة التحفيز المالي. ولكن مع رفض البنوك الصينية قبول العوائد المنخفضة على السندات الجديدة، فشلت جهود الصين لزيادة دور السوق في الاقتصاد، لتقوم الحكومة بإجبار البنوك على تنفيذ صفقة مبادلة الديون، ما أدى إلى ارتفاع المخاطر المصرفية في البلاد، لتكتشف الحكومات المحلية أنه بالرغم من تحسن وضع السيولة فإن المصارف ما زالت مترددة لمنح قروض جديدة. وفي الوقت نفسه، تسبب التراجع في العقارات الصينية في حرمان الحكومات المحلية من عائد رئيسي لها يتمثل في بيع الأراضي.

تحفيز الاقتصاد

وأظهر ذلك واحداً من أكثر التطورات المروعة في السياسة الاقتصادية الحديثة في الصين، وهو تجاهل دعوة الحكومة للتحفيز الاقتصاد. وتبدو الصين في طريقها للوقوع في مصيدة كانت تسعى لتجنبها، حيث إن مشكلة الديون في البلاد تزداد سوءاً مع إهمال الحكومة رغبتها الإصلاحية من أجل تحقيق أهداف النمو على المدى القصير.

مخاطر عالمية

ويرى التقرير أن الأعباء سوف تتزايد على الاقتصاد الصيني مع استمرار تحويل الموارد نحو الحفاظ على الشركات غير الفعّالة، واستمرار تعرض المصارف للمخاطر الأكبر على الإطلاق، مع سعيها لإخفاء الديون السيئة (المعدومة)، وتجنب عمليات شطب للأصول.

وسعت الحكومة الصينية لزيادة السيولة من خلال إسقاط ضوابط على حركة رؤوس الأموال، وهي الخطوة التي لم تؤد سوى لخفض سيطرة الدولة على الاقتصاد، كما أنها تسببت في مخاطر تهدد بأزمة مالية شاملة يمكنها أن تمتد إلى دول مجاور وغيرها من الأسواق الناشئة. وشكل ارتفاع قيمة الدولار الأميركي إضافة للصعوبات التي تواجه الصين في الوقت الحالي، مع ارتفاع اليوان أمام نظرائه في المنطقة، ما دعا الحكومة الصينية لخفض قيمة عملتها في الأسبوع الماضي.

الركود العقاري

ويعتقد تقرير موقع «بروجكت سينديكت» أن قرار الصين بخفض قيمة العملة المحلية لن يكون كافياً، حيث إن قطاع العقارات يشهد ركوداً واضحاً كما يعاني سوق الأسهم من شكوك المستثمرين، بالإضافة إلى التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد.

ونتيجة لذلك، فإن الحجم الشاسع للمدخرات المحلية الصينية يتطلع بشكل متزايد للانتقال إلى الخارج، وبالنسبة لحجم ديون الصين الخارجية، والأموال الضخمة التي يمكن أن تتحول للخارج، فإن قيمة الاحتياطات النقدية التي تمتلكها الصين والبالغة 3.7 تريليونات دولار تبدو ضئيلة للغاية. ويبدو حل أزمة الديون في الصين في التركيز على خفض قيمة الديون، وإصلاح آلية تخصيص رؤوس الأموال، وتأخير إلغاء ضوابط رأس المال.