برزَ التنين الصيني على مدى العقود الستة الماضية كقوة اقتصادية عملاقة، مدفوعاً بنمو سنوي غير مسبوق تُرجِم في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي 160 مرة وتضاعف حجم التجارة 2300 مرة ليستحوذ على نحو 10% من حركة التجارة العالمية و11% من الناتج الإجمالي العالمي.

وخطت الصين في السنوات الأخيرة خطوات سبّاقة جعلتها الأقرب للوصول إلى قمة هرم الاقتصاد العالمي، ما عزز التوقعات بأن يبلغ حجم الاقتصاد الصيني 13,760 تريليون دولار أميركي بحلول العام 2018 على أن يتخطى الاقتصاد الأميركي بعد أن يشكل 40% من الناتج الإجمالي العالمي بحلول العام 2040 اذا استمر النمو بهذه الوتيرة.

وحافظت الصين على موقع متقدم باعتبارها محركاً رئيساً لعجلة نمو الاقتصاد العالمي، إلى أن جاء منتصف العام 2015 الذي وضع حداً للحقبة الذهبية التي شهدها ثاني أكبر اقتصادات العالم، وذلك بعد انهيار الأسهم المالية الصينية والذي تسبب بخسائر فادحة للمستثمرين قاربت أكثر من 3 تريليونات دولار.

وبالطبع، جاء وَقعُ سقوط أسهم التنين الصيني مدوياً على البورصات العالمية، وبالأخص الأوروبية والأميركية، والتي تكبدت خسائر بقيمة 10 تريليونات دولار في العام 2015 في الوقت الذي تأرجحت فيه بين تقلبات أسعار النفط التي رفعت حدة المخاوف من حدوث انكماش اقتصادي.

الصين وانقلاب القوى

لعلّ التساؤل الأبرز الذي تبادر إلى الأذهان مع بداية أزمة الأسهم الصينية تمحور حول القدرة على الحفاظ على موازين القوى الاقتصادية في العالم كما كانت عليه، وطبيعة الدور الذي قد تلعبه الصين في رسم خارطة النمو الاقتصادي في العام 2016 والسنوات اللاحقة.

وتعذرت الإجابة على التساؤلات الناشئة مع ظهور بوادر سلبية ضمن الاقتصاديات الآسيوية والأوروبية والأميركية، وذلك بالتزامن مع تأثر أسعار النفط والغاز والمعادن بأزمة الصين التي تشكل 11% من الطلب العالمي على النفط، فضلاً عن بروز علامات الركود التي بدت جليةً على القطاع الصناعي الصيني الذي لطالما شكل العمود الفقري لنمو أسواق السلع العالمية.

وبالنظر إلى أهمية الصين كشريك تجاري هو الأبرز لكبرى الأسواق النامية والمتقدمة في العالم بتجارة بينية بحجم يفوق 2 تريليون دولار، تسببت أزمة الأسواق المالية الصينية بتراجع حجم الصادرات العالمية تاركةً الاقتصادات الآسيوية، مثل هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية، أمام مرحلة من النمو المتباطئ الذي يتوقع أن يكون أقل من المعدل الأساسي بنحو 3%.

الخليج العربي وحصانة الدولار

لا يمكن أن ننكر بأنّ ما مر ويمر به الاقتصاد الصيني من ركود اقتصادي ألقى بظلاله على الخارطة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بحدة بتراجع البورصات وتدني أسعار النفط، الأمر الذي يُنبئ بتحديات لا يُستهان بها على صعيد حجم الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الدولية والإقليمية، بما فيها الخليجية باعتبارها من أبرز مصدري النفط إلى الصين.

وفي الوقت الذي تتخوف فيه الاقتصادات العالمية من الركود الاقتصادي المتوقع نتيجة تقلص حجم الواردات الصينية والاستثمارات المباشرة وانخفاض قيمة «اليوان» الصيني، نجد بأنّ منطقة الخليج العربي محصنة نسبياً نظراً إلى عوامل عدة أبرز الاحتياطات الخليجية الهائلة التي من شأنها الحد من الضغوط المترتبة عن انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن الارتباط الوثيق بين العملات الخليجية والدولار الأميركي الذي يتمتع حالياً بالحصانة المطلقة.

ويبقى التأثير الأبرز متمركزاً بالدرجة الأولى في الميزان التجاري، الذي سيتباطأ بصورة طفيفة مع التراجع المحتمل في قيمة إيرادات النفط والبتروكيماويات المُصَدّرة من الدول الخليجية إلى الصين التي تعتبر من أهم الأسواق المستوردة لها.

وعلى الرغم من أنّ انخفاض سعر صرف «اليوان» قد يعود بفوائد ملموسة على صعيد تقليل فاتورة الواردات الصينية والحد من التضخم، إلاّ أنّ المخاوف تتزايد فيما يتعلق بحجم وجودة المنتجات الصينية التي ستجتاح الأسواق الإقليمية لتنافس بذلك الصناعات المحلية، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى تبني إجراءات صارمة لتنظيم حركة تدفق السلع الصينية إلى الأسواق الخليجية والعربية، ليكون المستهلك ربما هو المستفيد الأول مما يحدث عالمياً.

وعلى الرغم مما يشهده العالم من تغيرات اقتصادية ملموسة نتيجة أزمة الأسهم الصينية وتداعياتها التي باتت واضحة في العام 2016، إلاّ أنه لا يزال باكراً الحديث عن انقلاب القوى أو ملامح خارطة جديدة للقوى الاقتصادية في العالم، لا سيّما مع المحاولات الحثيثة التي تبذلها الحكومة الصينية لإعادة إحياء التنين الذي في حال تهاوى سيجر معه الاقتصاد العالمي إلى متاهة معقدة قد لا يسهل الخروج منها.

 ولكن مع الإعلان الرسمي الأخير بأنّ الاقتصاد الصيني بدأ مرحلة جديدة للتحول من وتيرة نمو عالية إلى وتيرة متوسطة استناداً إلى قاعدة أعمال صلبة ومستقرة، هنالك ثمة أمل ولو ضعيف يلوح في الأفق لتقويض الأزمة الصينية وإتاحة المجال أمام الاقتصادات العالمية لتحقيق النمو المرجو خلال السنوات القليلة المقبلة.

مدير عام «مجموعة أورينت بلانيت»