مالت التحركات الواسعة والتصريحات والمواقف المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الى حالة من الاتزان والتعقل في محاولة لاستيعاب حالة الغموض التي قد تكتنف أسواق المال العالمية والتبعات الاقتصادية على العالم باسره. الى ذلك، قال تشو مين نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي أمس، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يثير ضبابية سياسية هائلة وسيفرض ضغوطا علي النمو العالمي.

وجاء تصريح تشو أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة تيانجين بشمال الصين.

وفيما صدرت دعوات لإبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي يتطلع حي المال في لندن للنموذج النرويجي لإنقاذ صلاته بأوروبا، في حين غابت رئيسة مجلس الاحتياط الأميركي عن منتدى البنك المركزي الأوروبي.

وبدأت معظم وسائل الإعلام ودور الخبرة تركز على حالة الغموض التي قد تكتنف أسواق المال العالمية والتبعات الاقتصادية عقب نتيجة التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويعزو العديد إلى أنه نظراً لعدم وجود سوابق مثيلة لها، فإن التبعات الاقتصادية والسياسية تحيطها ضبابية وحالة مقلقة من عدم التأكد! مع العلم بأن كل دورة اقتصادية تحمل ضمن طياتها تجارب جديدة، إلا أن مسبباتها ودوافعها في معظم الأحيان مشتركة. كما أن ثقة المستثمر وسلوك الإنفاق لدى المستهلك تحكمها عوامل نفسية وتأخذ عادةً مسارات متشابهة تزامناً مع التغيرات المرحلية في الدورات الاقتصادية.

حي المال

ويجري حي المال في لندن مباحثات مع مسؤولي الحكومة في إطار سعيه للتوصل إلى اتفاق يمنحه وضعا مماثلا لوضع النرويج يتيح للمؤسسات المالية استمرار صلاتها بأوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويؤكد هذا المسعى الشكوك التي أحاطت بإمكانية بقاء الوضع الحالي فيما يتعلق بالتعاملات مع أوروبا دون ثمن على الإطلاق أو دون ثمن يذكر، وهو الأمر الذي تعهد به بعض من نادوا بخروج بريطانيا من الاتحاد.

غير أنه رغم تنامي الرغبة في مركز صناعة المال في لندن في نموذج للتعاملات على غرار نموذج النرويج التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولكن تربطها صلات وثيقة به فإن من طالبوا بخروج بريطانيا من الاتحاد سيجدون صعوبة في تقبل ذلك.

فهذا سيعني أن بريطانيا ستضطر لدفع أموال للاتحاد الأوروبي وتبني قوانينه من دون أن يكون لها رأي في تلك القوانين وذلك مقابل رخصة لبيع منتجات مثل الخدمات المالية في مختلف أنحاء السوق المشتركة لدول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة. ويشمل الاتفاق النرويجي حرية انتقال الناس.

عوائق

وقال مارك بوليت رئيس قسم السياسات بحي المال مشيرا إلى الحق في العمل بدون أي عوائق في مختلف أنحاء السوق المشتركة «الكثير من مؤسسات الحي يريد استمرار الصلات مع السوق المشتركة».

وقال «من الواضح أن أحد الخيارات هو النموذج النرويجي لكن مدى تقبل الناس الذين أرادوا خروج بريطانيا (من الاتحاد الاوروبي) مسألة أخرى»، مضيفا أن مؤسسات تجارية وغيرها تعقد لقاءات متواصلة منذ إعلان نتيجة الاستفتاء البريطاني يوم الجمعة.

وتابع ستجري مباحثات مع المسؤولين. لن ننتظر حتى الخريف. فالمطلوب إنجاز قدر هائل من العمل.

وقال كريس كامينجز الرئيس التنفيذي لشركة ذا سيتي يو كيه التي تروج صناعة المال البريطانية، إن مؤسسات عاملة في القطاع تحاول وضع إطار عمل.

وأضاف: لا يصلح أي من النماذج القائمة لبريطانيا لأن الاقتصاد ضخم جدا. نحن نتطلع لحل حسب الطلب لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

غير أن مسؤولين ومراقبين أوروبيين يقولون إن من المستبعد أن يمنح الاتحاد الاوروبي بريطانيا تسهيل النفاذ إلى السوق الموحدة دون أن تقبل لندن حرية حركة العاملين من الاتحاد الأوروبي.

ويعد تأمين انفتاح حي المال في لندن على السوق الأوروبية أحد الأركان الرئيسية للاقتصاد.

تجارة حرة

قال نيجل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة إنه ثمة حاجة لأسلوب ناضج ومتعقل للتفاوض حول علاقة جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تقوم على أساس وصول المنتجات البريطانية بدون تعريفة جمركية إلى السوق الأوروبية الموحدة.

وقال فاراج وهو نائب بالبرلمان الأوروبي لنظرائه النواب الأوروبيين: إذا قررتم أن تلحقوا الأذى بأنفسكم لمجرد أن تعاقبوا بريطانيا لخروجها من الاتحاد، وترفضوا أية فكرة لاتفاقية تجارية متزنة، فستكون العواقب أكثر سوءا بالنسبة لكم مقارنة بما سيحدث لنا.

وأضاف: دعونا نتوصل فيما بيننا إلى اتفاقية تجارية متعقلة خالية من التعريفة الجمركية، وبعد ذلك ستدركون أن بريطانيا ستكون صديقا لكم، وسنجري مبادلات تجارية معكم، وسنتعاون معكم، وسنكون أفضل صديق لكم في العالم.

مساعدات

تدرس الحكومة الإيطالية تقديم مساعدات لقطاعها المصرفي في ظل الاضطرابات التي تشدها الأسواق بسبب القرار البريطاني.

وتجدر الإشارة إلى أن البنوك في إيطاليا تعاني بالفعل، فهي مثقلة بكميات كبيرة من الديون المعدومة، فضلا عن ديونها للحكومة الوطنية. وخسرت أسهمها أكثر من 20% من قيمتها في اليوم التالي لاستفتاء الخروج واستمرت في التراجع يوم أمس.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي في مؤتمر صحفي أول من أمس: كل ما هو ضروري لتهدئة وطمأنة مواطنينا سيكون محل اهتمام خاص من المؤسسات الأوروبية والحكومات الوطنية، بداية من الإيطالية.