لم تكد الطائرة تهبط على مدرج مطار الدار البيضاء (كازابلانكا) إلاّ وكانت مشاعر الفرح تغمرني. فرح، لم أفهم له سببا حينها، خاصة وأنها رحلتي الأولى للمملكة المغربية.

دخلنا صالات استقبال الزوار في المطار وبدأ الترحاب بشكل لافت، ومضت الإجراءات بشكل سلس لنخرج من باب المطار وإذا بعبارة «أهلاً بكم في المغرب» وهو سر هذا الشعور الذي بدأ من مقعد الطائرة. إنه الإحساس أنك في بلدك ووسط ناسك.

بدأت الرحلة وتوجهنا إلى المدينة الحمراء «مراكش» هذه المدينة التاريخية تعود تسميتها إلى ما بين عامي 1122 و1123، حين بنى علي بن يوسف جدرانا حمراء في المدينة ومباني شيدت بالحجر الرملي الأحمر حتى باتت مدينة مراكش تلقب بالمدينة الحمراء.

وهي تعتبر اليوم رابع أكبر مدينة في المملكة، بعد الدار البيضاء وفاس وطنجة، تقع شمال سفوح جبال الأطلس التي تغطيها الثلوج في الشتاء، وتبعد بحوالي 580 كم من جنوب غرب طنجة، و327 كم من الجنوب الغربي للعاصمة المغربية الرباط.

اليوم الأول: أندلس وباب الفنا

وصلنا فندق «رويال منصور» ذلك المكان الذي يفوح بعبق التراث والمعمار الأندلسي الجميل، الذي يجعلك تشعر بأنك تعيش في قصص ألف ليلة وليلة، بدءا من الزخارف التي تتزين بها زوايا الرياض إلى روعة فن الأرابيسك، مرورا بحفاوة الترحيب وأصول الضيافة المغربية التي تعتبر جزءا من نسيج هذا الشعب المضياف.

نمت مراكش بسرعة وفرضت نفسها لتكون المركز الثقافي والديني والتجاري للمغرب العربي وإفريقيا؛ بدليل أن ساحة جامع الفنا تعد أكثر الميادين ازدحاما في إفريقيا، فهي فضاء شعبي للفرجة والترفيه للسكان المحليين والسياح.

في هذه الساحة ترى المدينة بشكل آخر، فالفولكلور الشعبي والأهازيج تتوزع في هذا المكان الذي يعدّ وجهة سياحية في مراكش، تجد العربات التي تجرها الخيول منتشرة في شوارعها وتعد وسيلة نقل سياحية مبهجة، ويطلقون عليها في المغرب «كوتشي».

يرجع تاريخ هذه الساحة إلى عهد تأسيس مدينة مراكش في عهد دولة المرابطين خلال القرن الخامس الهجري كنواة للتسوق لكن أهميتها تزايدت بعد تشييد مسجد الكتبية بعد قرابة قرن كامل.

واستغل الملوك والسلاطين في ذلك الوقت الساحة كفناء كبير لاستعراض جيوشهم والوقوف على استعدادات قواتهم قبيل الانطلاق لمعارك توحيد المدن والبلاد المجاورة وحروب الاستقلال، ومنذ ذلك التاريخ وهي تعد رمزا للمدينة، يفتخر بحيويتها وجاذبيتها كل من مر منها من المسافرين.

سيتي فاطمة والقرى

توجهنا لمنطقة «سيتي فاطمة» التي تقع في نهاية طريق وادي أوريكا جنوب مراكش، على بعد مسافة 45 كيلومترا أي مسافة ساعة كاملة، مع التوقف المستمر لمشاهدة قرى أوريكا والوادي، حيث تحدها جبال أوكايمدن وبجوارها أعلى قمة جبل في شمال إفريقيا وهي تبقال.

تشهد هذه المنطقة توافداً كبيراً للسياح وهي تنقسم إلى قسمين سيتي فاطمة الأولى، وتضم قرية على يمين النهر بنيت منازلها من الطين، أما القسم الثاني فيقع في الجهة الغربية من النهر ويضم العديد من المقاهي والمطاعم التي تقدم مختلف أنواع الطواجن، فضلاً عن ممرات ضيقة ووعرة على الجبل، والتي تقودك إلى استكشاف الشلالات السبعة المبهرة.

تنتشر في (سيتي فاطمة) معامل خاصة باستخراج زيت الأرجان والتي تشتهر بها المغرب، لذا فإن السائح لا يغادر المملكة المغربية إلاّ وهو يقتني بضع زجاجات من الأرجان.

«شالة» الرباط

ودعنا مراكش في الصباح وتوجهنا إلى مدينة الرباط العاصمة الإدارية للمملكة المغربية، وقصدنا مباشرة «شالة» التي تقع على نهر أبي رقراق وهي من أقدم المواقع الأثرية في الرباط وتجاور القصر الملكي، يرجع تاريخها لزمن الفينيقيين، يستقبلك فولكلور تراثي أمام مدخل قصر شالة.

عبقُ التاريخ

توجهنا إلى «قصبة الأوداية» التي تعتبر نواة المدينة الموحدية في القرن الحادي عشر وقد شيدت في القرن الثاني عشر من طرف السلطان عبد المؤمن وسميت أولاً بالمهدية تكريماً للمهدي بن تومرت المصلح البربري المسلم مؤسس الدولة الموحدية، وحظيت القصبة باهتمام سلاطين الدولة العلوية الحاكمة حاليا، خاصة في عهد مولاي عبد الرحمن الذي شيّد بابها الكبير.

ولأن المغرب زخر بالكثير من الآثار، لذا لا بد من كسب الوقت وزيارة أغلبها، لذا توجهنا إلى المسجد العتيق الذي يعد أول مسجد في الرباط يقع على قمة القصبة الموحدية، بناه السلطان عبد المؤمن بن علي سنة 544 هجرية، وقد كان الملوك العلويون حتى بداية القرن العشرين يؤدون صلاة الجمعة في هذا المسجد كلما طال بهم المقام في الرباط.

الصومعة ودار الدباغ من معالم مراكش

صومعة الكتبية في مراكش وهي أقدم صومعة لمسجد المنصور الذهبي الباني أيضا لصومعة حسّان التي كانوا يسمونها الصومعة التي نصفها ذهب.

الصومعة هي واحدة من أشهر المآذن في عمارة المغرب الإسلامي، وتعد أبرز معالم مدينة مراكش -درة المدن الإسلامية في إفريقيا- وتكمل هذه الصومعة بارتفاعها الشاهق وهيئتها المهيبة، روعة البانوراما الطبيعية الخلابة لهذه المدينة التاريخية.

لم أشأ ترك مراكش قبل استكشاف جزء آخر من تاريخها، فقصدت دار الدباغ أي مكان مدابغ الجلود تلك الصناعة التي أنعشت السياحة، ولا تزال إلى يومنا هذا تتبع الطريقة التقليدية واليدوية..

وتستخدم مواد طبيعية مائة بالمائة، تنتشر معظم المدابغ في فاس ومراكش التي اشتهرت بهذه المهنة منذ 3 قرون.

عمل العمال تحت أشعة الشمس على معالجة الجلود عبر غمسها في المياه مع إضافة الليمون ويستخدمون لتلوينها أصباغا طبيعية، حيث تبدأ معالجة الجلود التي تصل إلى المدبغة في عربات تجرها الحمير، عبر فرزها ثم توضع في «الجفنة» أو «القصرية» (على شكل إناء كبير) حسب النوع واللون ليتم نقعها في محلول من الجير والماء، حتى يصبح الجلد ناعماً، يتم نقع الجلد في المحلول لعدة أيام وأسابيع .

وإذا لزم الأمر يعاد نقعها عدة مرات. بعد النقع تأتي عملية التنظيف، إذ يتم إخراج الجلود من «القصرية» لتنظيفها يدوياً من الصوف العلق. وبعدها يتم غسل الجلد في ماء نظيف ويترك تحت أشعة الشمس ليجف.

الخطوة التالية هي صبغ الجلد، إذ يتم وضعه مرة أخرى في «قصرية» من الماء الملون بصبغة طبيعية ويترك لعدة أسابيع، ويتم تحريك الجلد عبر جميع الاتجاهات باستمرار حتى تتوزع الصبغة على جميع أنحائه، هذه الصبغات هي مواد طبيعية مصنوعة من خليط الزعفران الأصفر والأحمر والفلفل، وفي المرحلة الأخيرة، تذهب الجلود المصنعة إلى ورش العمل..

حيث تتم صناعة الحقائب والأحذية التقليدية والرياضية.

كازابلانكا وروعة المعمار

 

توجهنا لمدينة الدار البيضاء أو كما يطلق عليها (كازابلانكا) لنحظى بزيارة التحفة المعمارية (مسجد الحسن الثاني) والذي يقع في ساحل المدينة وهو أكبر مسجد في المغرب وإفريقيا والـ13 عالمياً، مئذنته أندلسية الطابع وترتفع 210 أمتار.

بدأ بناؤه في 1987م واكتمل في أغسطس 1993 أبّان حكم الحسن الثاني، يتسع هذا المسجد من 20.000 إلى 25.000 مُصل، إضافة إلى 80,000 مصل في الباحة الخارجية، ويتميز المسجد بتقنيات حديثة كالسطح التلقائي (يفتح ويغلق آلياً) وأشعة الليزر يصل مداها لـ 30 كلم باتجاه مكة المكرمة، صمم المسجد المهندس المعماري الفرنسي ميشال بينسو.

مدن الشمال ذات الطبيعة الخلابة

لأن الرحلة لن تكتمل إلاّ بزيارة الشمال، حيث المدن الرائعة والطبيعة الأخاذة فقد انطلقنا فجرا إلى مدن الشمال بدءا من تطوان، العرائش، أصيلة ومن ثم توقفنا في طنجة وزرنا المدينة العتيقة فيها، حيث عبق التاريخ يفوح في كل ركن منها.

وتعد مدينة طنجة أكبر مراكز الصناعة والتجارة والمال في المغرب، وبها أكبر المؤسسات الحكومية الخاصة. وتعد طنجة من أكبر المراكز الثقافية في إفريقيا، حيث يوجد بها العديد من قاعات الفنون والمسارح والموسيقى والمتاحف والجمعيات الثقافية الشهيرة.

وقبل أن تنتهي الرحلة عرجنا عبر الغابات الخضراء الجميلة والبساتين لنصل إلى مدينتي فاس ومكناس الأثريتين، قابلنا خلال الطريق الكثير من الكتل البيضاء المتحركة التي ما كانت إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي المنبسطة.

زرنا السوق العتيق ولفت نظري انتشار محلات الحلويات التقليدية والتي اشتهرت المدينة بها وهي حلوى (مولاي إدريس) والتي تجسد الأصالة الفاسية المشهورة.