في ركن من أركان غرفة كبيرة بجدران أرجوانية، تجلس حوالي 20 امرأة، على طاولة الطعام المليئة بأطباق الأرز والسمك والدجاج الشهي، بعضهن تحمل أطفالها في أحضانها وأخريات تجلسهم على طاولات مرتفعة خاصة بالأطفال لإطعامهم. هذه الغرقة ليست قاعة لمطعم فخم ولا بهو فندق راق، إنها عنبر سجن المفرق في أبوظبي، وهؤلاء النسوة لسن ضيوفاً بل سجينات حظين على فرصة نادرة هي التواجد مع أطفالهن في مكان يحصلون فيه على الرعاية الفائقة.
في هذا المكان الذي يشبه فيلا سكنية يتوفر ملعب لكرة القدم وعيادة ومصلى ومدرسة صغيرة، كما أنك لا تجد الزي الرسمي للمساجين، إذ ترتدي السجينات جلابيات ملونة تختارها وفقاً لذوقها، و تحظين معاملة صاحب البيت لضيوفه، كما يحظى أطفالهن على رعاية فائقة من جميع النواحي.
في حين أن مفهوم الحضانة في السجون ليس بجديد – إذ تم افتتاح أول حضانة في سجن النساء بنيويورك عام 1901 – ولكن يعتقد أن سجن المفرق في أبوظبي هو الوحيد في العالم الذي يسمح للمرأة بالاحتفاظ بأطفالها الذين لا تربطهم بها علاقة بيولوجية.
هذا المرفق ليس مجهز للأمهات والحوامل فحسب بل حتى للسيدات اللاتي تتبنى أطفالا ليس لهم مكاناً يذهبون إليه أو أشخاص يرعونهم، وفقاً لما نقله موقع "ذا ناشيونال" عن الكابتن نورا راشد، رئيس الشؤون أحداث الإناث.
تقع حضانة السجن تحت إدارة سجن الوثبة، ويتم نقل السجينات الحوامل إلى مركز المفرق عند اقتراب موعد ولادتهن. وذلك لتوفر المرافق الملائمة والمريحة للنساء والأطفال.
تقيم في المركز 29 أماً، و21 بنت و14 ولد دون سن 13، النساء من جنسيات مختلفة، تم القبض عليهن لارتكابهن جنحا مثل التسكع والسرقة. وسيتم ترحيل الوافدات منهن إلى بلدانهم بعد انتهاء مدة العقوبة. وعادة ما تكون الأحكام قصيرة جدا"، تتراوح ما بين شهر إلى أربع سنوات، ولكن طالما أن السيدة في المركز، سيبقى أطفالها معها ما لم يأتي أحد من أفراد الأسرة لطلب رعايتهم وفقاً للكابتن نورا.
خلال فترة وجودهم في المركز تغطي الإدارة جميع احتياجات الأطفال من ملابس وحفاضات كما تقدم للأمهات دروسا عن كيفية رعاية أطفالهن، ودروسا في الطبخ والدين.
كما يتم نقل الأطفال إلى العيادات للحصول على اللقاحات والفحوصات الدورية. حتى أن الإدارة تنظم رحلات وأنشطة للترفيه عن الأطفال.
إلى ذلك خصص المركز حاضنات متخصصات تعملن على رعاية الأطفال خلال غياب أمهاتهم بسبب حضورهن لجلسات المحاكمة أو للمستشفى.
وعن قصص بعض النزيلات في مركز المفرق، كانت السجينة (س ج) وهي أردنية تبلغ من العمر 24 عاماً برفقة أربعة أطفال عندما ألقي القبض عليها في فبراير الماضي لدخولها الدولة بشكل غير قانوني. اثنان من الأطفال هم ابناءها البيولوجيين (2 و 5 سنوات) واثنين منهم هم أبناء زوجها السابق (11 و13 سنة) وسمحت لها إدارة السجن بالبقاء مع أطفالها الأربعة. وستنهي (س ج) مدة محكوميتها بعد أربع أشهر، وسيتم بعدها ترحيلها مع أطفالها إلى الأردن.
وعن قصتها تقول (س ج) أنها يومها تشاجرت مع زوجها بعدما أخبرها بأنه قرر الرجوع إلى زوجته الأولى وأخذ طفليها للعيش معها، وفي لحظة غضب غادرت (س ج) الأردن في منتصف الليل مع الأطفال الأربعة.
"دخلت أبوظبي من خلال سلطنة عمان عبر عدة سيارات أجرة، لا عائلة لي هنا ولا اصدقاء. استأجرت منزلا في بنياس ولكني اعتقلت بعد أسبوع بعدما أبلغ أحدهم عني. لقد ربيت هؤلاء الأطفال كما لو كانوا من صلبي، لا يعرفون أي أم سواي، كيف فكر زوجي أخذهم مني وإعطائهم لزوجته السابقة، لا أمانع لدي في أن يزوروا أمهم التي ولدتهم ولكني لا أتحمل أن يأخذهم أحد مني."
(س ت) هي سجينة أخرى من أفغانستان تبلغ من العمر 24 عاما، اعتقلت في المطار مع زوجها وطفلها البالغ من العمر عامين عندما حاولا دخول الدولة بوثائق غير قانونية. وحكم عليها بالسجن ثلاثة أشهر.
وتقول (س ت) أن الحياة في السجن هنا أفضل بكثير من الحياة في أفغانستان، إذ أن أطفالها لا يتلقون الرعاية التي تحصل عليها هنا مجاناً، وأضافت أن الجميع هنا يعاملها وكأنها فرد من العائلة ولكنها مع ذلك تفتقد ديرتها وعائلتها خاصة والدتها التي لم تكف عن البكاء منذ رحيلها.
وأوضحت (س ت) أن زوجها أيضا في السجن ولكنه يزورها كل أسبوع إذ تسمح إدارة السجن بتبادل الزيارات بين المساجين الأزواج. وتقول أنها وزوجها سيعملان المستحيل للعودة والعيش في دولة الإمارات لأن الحياة فيها جيدة والوظائف تسمع لك بتأسيس مستقبل واعد.