جيليان تيت
غالباً ما اعتبر العاملون في القطاع المالي أيام الجمعة من شهر يونيو فرصة مثالية للعمل من المنزل، على مدى في السنوات الأخيرة. لكن ليس في هذه الأيام بكل تأكيد. فمع انتشار أنباء الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران سارع المتداولون في وول ستريت ولندن - ناهيك عن آسيا - إلى مكاتبهم استعداداً للعاصفة الحتمية.
وتحققت هذه العاصفة بسرعة: فقد ارتفعت أسعار النفط (في البداية بنحو 13%)، وانخفضت أسعار الأسهم (في البداية بنسبة 1% في الولايات المتحدة)، وعكس الدولار مساره الهبوطي الأخير، وبينما تراجعت هذه التحركات جزئياً لاحقاً؛ فإنه من المرجح بدرجة كبيرة أن تظل التقلبات مرتفعة، لا سيما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حذر من أنه بدون التوصل إلى اتفاق ستكون «الهجمات الإسرائيلية التالية والمخطط لها مسبقاً أكثر وحشية».
فما الذي ينبغي أن يفكر فيه المستثمرون؟ هناك أخبار جيدة (أو سيئة نوعاً ما)، وتتعلق هذه الأخبار الجيدة (أو السيئة) بقضية النفط. للوهلة الأولى يبدو من المنطقي افتراض أن ارتفاع أسعار النفط سيوجه ضربة موجعة للنمو العالمي، فبينما تنتج إيران حوالي 1.7 مليون برميل من النفط يومياً - أي حوالي 2% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي - فإن التهديد الحقيقي يكمن في أنه في حال أدى مزيد من الصراع إلى إغلاق مضيق هرمز فسيؤدي ذلك إلى تقويض حركة الشحن، وفي الواقع تتوقع شركة آي إن جي بارينجز أنه في أسوأ السيناريوهات - أي إغلاق المضيق لفترة طويلة - فقد تتضاعف أسعار النفط إلى مستوى قياسي يبلغ 150 دولاراً في وقت لاحق من هذا العام.
وأظهرت تجارب القرن العشرين مدى الضرر الذي يمكن أن تُسببه قفزات أسعار النفط. ومع قيام البنك الدولي بخفض توقعاته للنمو العالمي بنحو نصف نقطة مئوية إلى 2.3%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2008، فإن الوقت الحالي هو وقت سيئ تماماً لصدمة أخرى.
وفي حين اعتبر ترامب، الجمعة، أن الضربات ستكون في النهاية «أعظم شيء على الإطلاق للسوق»، فإن التداعيات تخلق ضغوطاً قصيرة المدى، كما ستقوض أسعار النفط المرتفعة خطة فريق ترامب لخفض التضخم، وستجعل من الصعب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، نظراً لمخاطر الركود التضخمي، أما بالنسبة لأوروبا فالوضع أسوأ.
لكن إليكم خبر سار، أو على الأقل مسألة أقل إحباطاً: من أبرز التطورات التي غالباً ما تم تجاهلها في العقود الأخيرة انخفاض ما يُسمى «كثافة النفط» في الاقتصادات العالمية - أي كمية البراميل اللازمة لتغذية كل وحدة نمو، ففي عام 1975، على سبيل المثال، قدّر البنك الدولي أن إنتاج 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي كان يتطلب 0.12 طن من مكافئ النفط، لكن بحلول عام 2022 انخفض هذا الرقم إلى 0.05 فقط، وذلك بفضل انتشار مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية، وارتفاع الكفاءة الصناعية.
وهكذا لا نواجه اقتصاداً مثل اقتصاد أجدادنا - أو آبائنا، ويعني ذلك أن الصدمات كالهجوم الإسرائيلي يجب ألا تكون مدمرة كما كانت من قبل؛ إذا كان النفط هو القناة الرئيسية لنقل هذه الصدمة، لكن الخبر السيئ هو أن النفط ليس القناة الوحيدة لنقل هذه الصدمة في الوقت الحالي؛ بل أعتقد أن أهم قناة هي نفسية المستثمر، فما فعلته الضربات الإسرائيلية هو ترسيخ الشعور بأننا لا نعاني فقط من تزايد عدم الاستقرار الجيوسياسي، بل من تحول في روح العصر أيضاً، ويبدو أن التنافس الشرس على النفوذ المهيمن يطيح حتى بغطاء المعايير والقوانين الدولية التعاونية.
وإذا استشهدنا بترامب فإنه لا يحرك الأحداث شعور بالقانون العالمي، بل مسألة من يملك «أوراق» القوة (أو لا يملكها)؛ وبالتالي تشعر إسرائيل بحرية قصف إيران باستخدام «أوراقها» العسكرية، بغض النظر عن أي معايير للأمم المتحدة.
وهذا مُربك - إن لم يكن مرعباً - للمستثمرين، الذين نشأوا على التنبؤ بالمستقبل استناداً إلى نماذج اقتصادية مُحكمة، ففي نهاية المطاف، في العصر النيوليبرالي، استبعدت هذه النماذج عادة السياسة الفوضوية - وافترضت أن سيادة القانون كانت متسقة، على الصعيدين المحلي والدولي، وكما أخبرت شركة بيمكو عملاءها منذ أيام، «فقد انقلب النظام العالمي التقليدي - الذي شكل فيه الاقتصاد السياسة - رأساً على عقب، ليصبح الأمر على ما يلي: السياسة هي الآن التي تُحرك الاقتصاد».
فما الذي ينبغي على المستثمرين فعله إذن؟ إحدى الخطوات الأساسية هي إدراك أنه على الرغم من أن النماذج الاقتصادية القديمة غالباً ما تكون مفيدة، إلا أنها الآن أيضاً غير مكتملة بشكل خطير. والخطوة الثانية هي قراءة المزيد من التاريخ المالي وعلم الاجتماع وعلم النفس.
وأجد شخصياً أن من الطرق المفيدة لتأطير أحداث اليوم كتابات علماء السياسة، أمثال ألبرت هيرشمان وكارل شميدت، أو الاقتصاديين جون ماينارد كينز وتشارلز كيندلبرغر. كما يمكن أن يُسهم علماء الأنثروبولوجيا أمثال ديفيد غرايبر وأرجون أبادوراي وجيمس سكوت في هذا السياق.
ويجب أن نُدرك أنه في عالم «يُصبح فيه تفكك التحالفات التجارية والأمنية مصدراً قوياً للتقلبات»، على حد تعبير بيمكو مجدداً، فمن الضروري تنويع محافظ الاستثمار، والنظر إلى الأحداث على المدى البعيد، وأخذ نفس عميق. الخلاصة إذن: إذا كنت تعمل في المجال المالي فيجب ألا تخطط لقضاء أيام جمعة كثيرة في عطلة هذا الصيف، وهذا ليس فقط بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط؛ فهناك ارتفاع الديون، واضطراب العملات، واضطراب التجارة، ورئيس أمريكي مصمم على إعادة تشكيل النظام العالمي، كلها مخاطر يجب وضعها في الحسبان أيضاً. لقد أصبح التقلب الآن سمة واضحة.