مسيرة المخرج الهندي الأميركي إم نايت شيامالان السينمائية قصة تستحق أن تكون فيلماً في حد ذاتها. إذ المعروف في هوليوود أن صانع الأفلام الموهوب والمبدع يرسخ نفسه بقوة كما هو حال العديد من المخرجين الأميركيين والأوروبيين وحتى العرب. لكن شيامالان سقط وهو في الذروة.
البزوغ
العالم عرف شيامالان من خلال فيلم The Sixth Sense عام 1999، وهو دراما أشباح من بطولة بروس ويليس. كان هذا الفيلم بمثابة Sleeper Hit وهو اصطلاحاً: تحقيق فيلم لنجاح كبير جداً رغم محدودية حملته التسويقية أو عدمها.
الفيلم الذي تربع على عرش شباك التذاكر الأميركية لخمسة أسابيع متتالية عن قدرة طفل على رؤية أشباح. أكثر نقطتين رسختا في الأذهان عن الفيلم آنذاك هما: الأداء الجميل للطفل هالي جويل أوسمنت والنهاية التي حملت مفاجأة وصفت بـ «الأسطورية».
كاتب ومخرج
المشاهد المتمرس سيلاحظ شيئين من خلال الفيلم: كقصة فإن شيامالان ككاتب يتلاعب بتوقعات المشاهدين ثم يخالفها وهذه في صالحه. وأيضاً شيامالان يستخدم الرموز كثيراً في أفلامه.
كمخرج فإن شيامالان يركز كثيراً على التفاصيل الفنية، فنراه يأخذ لقطاته من خلال أطر متداخلة، وكذلك من انعكاسها على أسطح زجاجية أو معدنية بوضع الكاميرا خلف الممثل، والهدف هو أخذ تفاصيل اللقطة دون فصل المشاهد عن الشخصية التي يستطيع رؤية ردة فعلها، وهذه الحركة مستعارة من المخرج الأميركي ستيفن سبيلبيرغ.
ولا يخفى على أحد أن ظهور شيامالان في أدوار ثانوية في معظم أفلامه هو تقليده لملك أفلام الرعب الكلاسيكية المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك.
النجاح الثاني
عام 2000 كانت السينما على موعد مع فيلم شيامالان الثاني Unbreakable، والذي جمع بروس ويليس وساميول جاكسون للمرة الثالثة في فيلم واحد خلال عقد. شيامالان هنا ظهر كأنه ملك الغموض، يأخذ المشاهد لسبر أغوار شخصيتين في منتهى الغرابة، الأولى رجل لا يمرض، والثانية رجل في منتهى الضعف.
الفيلم كشف أبعادا فلسفية من خلال حوارات ظهرت وكأنها مواعظ عن الحياة والقدر، وأثبت أن شيامالان صانع أفلام مقتدر وكاتب حبكات آسرة. ولم ينس الرجل وضع نهاية «أسطورية»، كانت مفاجئة لكن ليست بمستوى سابقتها.
علامات إفلاس
في فيلم Signs عام 2002، ظهرت أولى علامات إفلاس خيال شيامالان، هذه المرة ميل غيبسون أخذ البطولة في فيلم عن غزو كوني للأرض من قبل مخلوقات فضائية. هنا شيامالان أبدع في خلق أجواء الرهبة والرعب والتي كانت أقوى نقاط ارتكاز الفيلم، لكنه استخدم نفس صيغة الفيلمين السابقين، وهي حوارات على شكل مواعظ لشخصيات تعاني أزمة وجدانية وإيمانية تحاول التصالح مع ماضيها.
شيامالان ظهر هنا متأثراً بشدة بأفلام Invasion of the Body Snatchers عام 1956 وNight of the living dead عام 1968 وفيلم The Birds لألفريد هيتشكوك عام 1963.
وللمرة الأولى يتخلى شيامالان عن مفاجأته الأسطورية ويكتفي بوضع نهاية عادية، ترك للمشاهد ما يراه من تفسير مناسب لها.
فلسفة ورموز
وكأن ذلك لم يرق لشيامالان، ففي فيلمه التالي The Village عام 2004، جند مجموعة من نجوم الصف الأول آنذاك أمثال سيجورني ويفر وجون هرت وياكوين فينكس وأعطى البطولة لبرايس دالاس هوارد ابنة المخرج الأميركي رون هوارد دون استغلال اسم والدها في الحملة التسويقية للفيلم.
الفيلم عن مجموعة من الناس تعيش في قرية مع وحوش مع اتفاق بين الناس والوحوش على ألا تتعدى مجموعة منطقة المجموعة الأخرى. الفيلم جاء في وقت كانت الناس لاتزال تعاني فيه من هاجس إرهاب هجمات سبتمبر، وكذلك شيامالان بنى أجواء الخوف في فيلمه لتكون ملائمة مع الواقع من خلال رموزه المعتادة.
الفيلم عانى من مشاكل في قصته التي لم تكن جاذبة ولا قوية وتنفصل عن المنطق كلما تقدم الفيلم. في النهاية وضع شيامالان للجمهور مفاجأة مبتذلة وصفها بعض النقاد آنذاك بالسخيفة والمقحمة. بالرغم من ذلك حقق الفيلم إيرادات عالية.
الفشل الأول
نأتي عند فيلمه التالي Lady in the Water عام 2006، الذي رفضت شركة تاتش ستون تمويله لعدم اقتناعها بالنص. القصة عن حارس بناية يجد فتاة في حوض السباحة يكتشف لاحقاً أنها شخصية من كتاب قصص الساحرات ويحاول مساعدتها في العودة لعالمها.
فشل الفيلم فشلاً ذريعاً لضعف قصته والغرور الذي أصاب شيامالان نتيجة ثقته الزائدة وانصرف الجمهور عنه. من هذه التجربة تبين أن شيامالان بارع في الإخراج أكثر من الكتابة، إلا أنه لم يكن مقتنعاً بتلك الحقيقة.
إخفاق
ومن فشل لآخر، حيث جاء شيامالان بفيلم The Happening في 2008، والذي رفضت عدة شركات تمويله وابتعدت عنه. فأعاد كتابة نصه وغير عنوانه. الفيلم غبي بقدر ما يظن شيامالان أنه ذكي، حيث يدور حول فكرة انتقام الطبيعة من الإنسان عن طريق قيام النباتات بإطلاق «فيروس» يجمد حركة البشر ويدفعهم إلى الانتحار.
تناقض صارخ
شيامالان في الفيلم يقع في تناقض بارز، حيث يصور مناظر للأشجار والعشب وهي تتراقص نتيجة هبوب الهواء عليها، وهو منظر باعث للارتياح في النفس، ثم يجعل شخصياته تركض رعباً، ظناً أن الهواء يحمل «الفيروس» إليها، وهذه أكثر نقطة غير مقنعة ومثيرة للسخرية في هذا الفيلم.
الأسوأ
المشروع التالي لشيامالان كان الأسوأ إطلاقاً، وهو فيلم The Last Airbender عام 2010. فيلم خيال علمي غاية في الرداءة من كل النواحي. بالرغم من ذلك حقق الفيلم نجاحاً ماليا في الأسواق العالمية.
في عام 2013 أصر ويل سميث على سوني بيكتشرز أن يكون شيامالان هو مخرج فيلم After Earth، وأن يشارك في كتابته. وافقت الشركة شرط أن لا يظهر اسمه في الحملة التسويقية في الفيلم، وأن يتم التركيز على سميث وابنه، لكن ذلك لم يشفع للفيلم الذي أخفق بشدة، وكسابقه عوض الخسارة داخلياً من الأسواق الخارجية.
يبدو أن حل شيامالان هو التوقف عن الكتابة والانصراف للإخراج، وهو من نقاط قوته، لكن إلى أن يقتنع بذلك سيظل يراوح مكانه، وكما يقال فإن الجاهل عدو نفسه.
أبرز 4 علامات تميز أفلامه
01
Ⅶ المفاجأة «الأسطورية» في المشهد الأخير
Ⅶ أشهر فيلم لهذه العلامة: The Sixth Sense
02
Ⅶ ظهور شيامالان في لقطات Cameo في معظم أفلامه حيث اعتاد أخذ أدوار بسيطة
Ⅶ أكبر دور مثله شيامالان بنفسه كان في فيلم Lady in the Water وهو من أسوأ أفلامه.
03
Ⅶ انعكاس الشخصيات من خلال أسطح شفافة كالزجاج أو معدنية
Ⅶ أشهر فيلم لهذه العلامة:
The Sixth Sense ، Unbreakable ، Signs
04
Ⅶ ولاية بينسالفينيا مسقط رأس شياملان غالبا ما تكون مسرحا لأحداث أفلامه
Ⅶ أشهر فيلم لهذه العلامة:
Unbreakable، Signs، The Happening
تصحيح المسار
بعد سلسلة من الإخفاقات اختفى شيامالان من الساحة السينمائية وظهر في التلفزيون حيث أخرج مسلسلاً أميركياً حاز على إعجاب البعض. لكنه لم يستطع مقاومة حنينه للسينما التي قرر العودة إليها من خلال فيلم رعب جديد بعنوان The Visit من كتابته وإنتاجه وإخراجه.
شيامالان الذي وضع 5 ملايين دولار من أمواله لصالح ميزانية الفيلم، اعترف بأخطائه لصحيفة نيويورك تايمز وقال إن شيئاً ما أعمى بصيرته ما جعله يفقد رؤيته في آخر 10 سنوات. لاقى فيلم The Visit إعجاباً من الجماهير والنقاد في عروضه التجريبية وهو يحوي مفاجأة في نهايته كسائر أفلام شيامالان الناجحة. الفيلم سيطرح في الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر.