عندما أعلن المخرج الياباني هاياو ميازاكي قبل 3 سنوات اعتزاله، لم يمر الخبر مرور الكرام، فقد هز الكثير من صناع السينما، وأسال دموع محبي الانيمي، الذين شعروا من بعده بفقدانهم لسحر الأعمال التي طالما أبدعها ميازاكي، الذي أطلق البعض عليه لقب «والت ديزني الياباني»، ذاك اللقب الذي لم يعجبه أبداً..

وذلك لاختلاف الفكرة وطريقة العمل بينه وبين ديزني، فضلاً عن كونه عمل طوال الوقت على تقديم أفلام غنية بأحداثها وأفكارها، التي لم تستهدف الطفل فقط، وإنما الكبار ايضاً. فلم يكن مهتماً بتقديم أفلام يفهمها الأطفال على الفور، بقدر ما تحفزهم على الشعور بها وفهمها مع مرور الوقت.

ورغم الصيت الذائع الذي يحتفظ به «جنرال الانيمشن المتقاعد» حول العالم، إلا أن اللافت هو امتلاكه لـ 11 فيلماً فقط في قائمته التي تضمنت ايضاً مسلسلات درامية على رأسها ما عرف عربياً باسم «عدنان ولينا»، ورغم قلتها إلا أن أفلامه ظلت على الدوام مصدر الهام للجميع، كونها تحمل بين طياتها أفكاراً تختلف تماماً عن تلك التي اعتادت ديزني على تقديمها.

حرب كونية

المطلع على أفلام ميازاكي يشعر أن معظمها يعكس شغفه بالطيران، كما تعكس قصصه شيئاً من الكارثة التي تعرضت لها اليابان عام 1945 والمتمثلة في مأساة هيروشيما وناكازاكي، ولعل الرابط بينهما أن المخرج ميازاكي كان بعمر الرابعة عندما وقعت الكارثة التي أخذت حيزاً كبيراً من عقله، لذا لم يكن غريباً أن يسيطر «شبح» الكارثة على أفلام ميازاكي، الذي احترف منذ البداية فن المانغا (القصص المصورة اليابانية) .

وكذلك الانيمي (الرسوم المتحركة اليابانية)، ففي كل مرة كان يأخذنا ميازاكي إلى عوالم ما بعد الكارثة، كما في فيلمه «ناوشيكا أميرة وادي الرياح» (Nausicaa of the Valley of the Wind) الذي صدر عام 1984، وأحداثه تدور بعد مرور 1000 عام على حرب كونية دمرت الحضارة الإنسانية ..

ولم تترك سوى بعض الناجين الذين يهيمون في مساحات شاسعة من الأدغال الملأى بالمخلوقات المشوهة. كان هذا الفيلم انعكاساً واضحاً لطبيعة السنوات المظلمة التي عاشها ميازاكي خلال طفولته، ليعود ميازاكي إلى ترجمتها على الشاشة، ليبعث من خلالها رسالة بأن كل تلك السنوات لم تخلع مشاهد الكارثة من عقله.

بداية مسيرة ميازاكي مع فن الانيمي أو المانغا، بدأت عام 1961 بعد انضمامه لاستوديو «توي انيمشن» الذي عمل فيه كرسام متخصص في إنهاء التفاصيل، ثم انتقل للعمل مع استوديو نيبون انيمشن، والذي خرج منه مسلسل (Future Boy Conan) المعروف عربياً باسم «عدنان ولينا».

وكان ذلك عام 1978، ليقوم في العام التالي بتقديم باكورة أفلامه الذي حمل عنوان (Lupin III: The Castle of Cagliostro) ثم قدم في 1984 فيلم (Nausicaä of the Valley of the Wind)، واستمر على ذلك المنوال حتى اعلن مع مجموعة من رفاقه عام 1985 عن تأسيس استوديو «جيبلي»، وهو الاستوديو الذي مكنه من دخول العالمية، بما قدمه من أعمال ظلت على الدوام غير معروفة غربياً رغم شهرتها الواسعة في اليابان.

ولع الطيران

المتابع لأعمال ميازاكي وتحديداً تلك التي ظهرت بعد عام 1985 يشعر بمدى ولعه بالطائرات، والذي يبدو أنه ورثه عن والده الذي كان يعمل في مجال تصميم الطائرات..

فمثلاً في فيلمه «قلعة في السماء» (Castle in the Sky) الذي قدمه عام 1986، تدور الأحداث في عالم خيالي تصل فيه الحضارة الإنسانية إلى درجة عالية من الرقي يقومون معها بتشييد مدن طائرة في السماء، لتظل كذلك حتى تعرضت الحضارة الإنسانية لكارثة تدمر كل انجازاتهم، لتظل «لابوتا» القلعة الوحيدة الصامدة في وجه الكارثة، لتتحول فيما بعد إلى أسطورة لدى أهل الأرض جميعاً.

وعلى قدر الإحساس الذي يتملك قصة «قلعة في السماء» جاءت بقية أفلام ميازاكي المدعومة بتأثيرات الموسيقى التصويرية الأخاذة، التي تعبر عن ولع ميازاكي بالطيران..

والذي ترجمه بشكل واضح في آخر أفلامه «مهب الريح» (The Wind Rises) الذي اختتم فيه مسيرته عام 2013، وفيه قدم سيرة مفترضة لـ «جيرو هوريكوشي» مصمم المقاتلة اليابانية ميتسوبيشي زيرو التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية، الفيلم استطاع أن يحقق ضجة في العالم وبين عشاق الانيمشن، كون الغالبية العظمى من مشاهده لم تستخدم فيها تقنيات الديجيتال..

ومعروف عن ميازاكي أنه لم يكن يسمح للتكنولوجيا بأن تتدخل في الفيلم بأكثر من 10% من الحجم الكلي للمشاهد، وكان هذا الفيلم قد حصد 8 ملايين دولار في العرض الافتتاحي الأول له في اليابان.

اعتماد ميازاكي على ابتكار القصص الخرافية الخاصة به، والتي لم يتعود عليها الجمهور، شكل الفرق الجوهري بينه وبين ما تنتجه ديزني التي اعتادت على تقديم حكايات شعبية متوارثة، فميازاكي كان حريصاً على تقديم ما لا يألفه الجمهور..

كما في فيلمه «جاري توتورو» (My Neighbour Totoro) (1988) والذي يحكي قصة طفلتين تنتقلان مع أبيهما إلى منزل جديد ليكونوا أكثر قرباً من المستشفى الذي تعالج فيه أمهما المريضة، ويستكشفان المنزل الجديد والغابة حوله بمخلوقاتها المسحورة.

وكذلك فيلم «كيكي لخدمة التوصيل» (Kiki›s Delivery Service) (1988) والذي يدور حول فتاة تدرس السحر وتضطر إلى العمل بمقشتها المسحورة كعاملة توصيل للمنازل، وايضاً فيلم «بوركو روسو» (Porco Rosso) الذي يدور حول طيار متقاعد تصيبه لعنة غريبة تجعل شكله أقرب إلى الخنزير.

ملحمة رائعة

ورغم أهمية ما قدمه ميازاكي طوال تلك السنوات، إلا أن شهرته الحقيقية كانت مع ملحمته الرائعة «الأميرة مونونوكي» (Princess Mononoke) الذي قدمه عام 1997، ويحكي فيه عن العلاقة بين الطبيعة والإنسان، وحاز عنه انذاك على جائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الاوسكار اليابانية، وتبع ذلك فيلمه «المخطوفة» (Spirited Away) الصادر في عام 2001 .

والذي حقق نجاحا مدوياً في اليابان إلى درجة أنه صار أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات في تاريخ شباك التذاكر الياباني، ونال حينها جائزة أوسكار أفضل فيلم متحرك طويل.

ولا يمكن إغفال رائعته «قلعة هاول المتحركة» (Howl›s Moving Castle) (2004) الذي قدم فيه ذروة ابداعه، تبعه بعد ذلك وتحديداً عام 2008 بتقديم فيلمه «بونيو» (Ponyo)، لتكون خاتمته مع «مهب الريح» الذي عرضه الكثير من مهرجانات السينما العالمية.

اعتزال ميازاكي لصناعة الانيمي، جاءت من دون أي تفاصيل يمكن لها أن تشبع شغف محبي الانيمي لأعماله التي طالما جاءت محملة برسائل ورؤى مختلفة..

كما لم تشبع ايضاً شغف مجموعة المخرجين الذين تأثروا كثيراً بأعمال ميازاكي الكرتونية، ومن بينهم بيت دوكتر، وغلين كين من استوديوهات ديزني، وهيرونوبو ساكاجوتشي مبدع سلسلة ألعاب الفيديو المعروفة «فاينل فانتسي»، ومخرجون عدة في عالم الأنيمي على رأسهم المخرج الشاب ماكوتو شينكاي. اعتزال ميازاكي لم يكن عادياً وإنما ترجل عن حصان الانيمي وهو في قمة إبداعه وعطائه.

1997 نال «الأميرة مونونوكي» جائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار اليابانية.

30.4 مليار ين إيرادات

فيلم Spirited Away على شباك التذاكر الياباني.

2002

حاز فيلم Spirited Away على جائزة الأوسكار الأميركية للمرة الأولى في تاريخها.

11

فيلماً مجموع ما قدمه ميازاكي خلال مسيرته الفنية.

1999

لم يكن «جنرال الانيمشن» معروفاً لدى الغرب قبل 1999 الذي شهد عرض فيلمه الأميرة مونونوكي.

1985

شهد تأسيس ميازاكي ورفاقه استوديو جيبلي وآخر أفلامه كان مهب الريح.

DVD