غيب الموت، أمس، في أبوظبي، الباحث والشاعر أحمد راشد ثاني عن عمر ناهز الخمسين عاماً، إثر صراع طويل مع المرض، ويشكل الشاعر أحمد راشد ثاني أحد الشعراء المجددين في القصيدة الإماراتية، كما له العديد من البحوث في التراث المحلي والنصوص المسرحية. وقد نعاه اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، باعتباره أحد مؤسسي اتحاد الكتاب، كما نعاه مفكرون وكتاب التقت بهم (البيان) فعبروا عن مصاب الساحة الثقافية في رحيله.

 

شمعة مجددة

الشاعر والكاتب عادل خزام، قال في الراحل أحمد راشد: بكل حزن أستقبل خبر رحيل الصديق والشاعر والأديب أحمد راشد ثاني، وهو في ذروة عطائه وقمة نضجه، وهذا ما يؤلم فعلاً، خصوصاً وأن احمد يمتلك تجربة خصبة أثرت في كثيرين، كما أنه أحد المحاور الأساسية التي ارتكزت عليها تجربة الحداثة في الإمارات، لقد أسهم بقلمه في عدة أدبية، خاض في الشعر الحديث، وطور من أدواته، وصبغها بلونه الخاص وبعذوبة رائعة، كما كتب الأغنية، ومنحها بعداً في اللفظ المحلي وفي الحساسية والذائقة وجعل لها طعماً خاصاً، ثم ذهب إلى المسرح بكل ما يحمله المسرح من تعرية للواقع وكتب مسرحياته ملامساً هموم الأرض وهموم الفرد فيها، وهموم السؤال الكبير للوجود.

 

مسؤولية ثقافية

ولم يكتف بذلك، حيث ذهب ليخوض التراث جمعاً وتحقيقاً ونبشاً، وتسجيلاً لكل ما هو شفاهي، وهذا نبع من حرص ومن مسؤولية ثقافية كان يستشعرها حينما لمس التهديد الكبير الذي كانت تعانيه الثقافة المحلية، وهو ايضاً احد أعمدة ورواد الصحافة في الامارات. فقد امتهن الصحافة مبكرا جدا، وبقيت معه حتى آخر لحظاته.. بالنسبة لي شاركت معه في عدد من الامسيات الشعرية، وكنت ألمس التقاطه للجوانب التي تحدث فيها المفارقات حتى المستويات البسيط، كانت يلتقط المفارقات ويرفع سوط السخرية والتهكم على ما يراه نقيضاً أو فعلاً مركباً بطريقة عبطية.. احمد باختصار ناقد حقيقي ظهر من هذه التربة واشتعل مثل الشمعة التي ذابت وغرقت في مصيرها الجميل.

 

متمرد على المألوف

الكاتب والمؤلف ورئيس جمعية المسرحيين اسماعيل عبدالله، قال بنبرة يغالبها الحزن والاندهاش على رحيل الشاعر احمد راشد ثاني: من الصعب علي أن اتحدث عنه، وأنا كنت الأقرب إليه في طفولتي، وخلال المدرسة، إنه إنسان متمرد على النمط، أحب القراءة، أحب المسرح والشعر، فأحمد هو التمرد على كل أشكال التقليدية حتى في الكتابة المسرحية وهو في الثالث اعدادي حينما كتب «جزر الواقواق»، ولم يستوعبه احد في ذلك الوقت، وفي الجامعة كانت أصرّ على استلهام كوميديا ديلارتي من خلال الممثلين، وهذه سابقة في المسرح الاماراتي، ثم فاجأنا بثنائيته الخطيرة، «قفص مدغشر».

و«العب وقول الستر»، وقمت بإخراج قفص مدغشر، بمخرجين مختلفين، وكانت ايضاً تجربة مختلفة، وله مشروع مهم في حفظ الادب الشفاهي واصدر اهم الكتب فيه. من الصعب الحديث عن قامة عملاقة، فأنا شخصيا تعلمت القراءة على يديه، تجرأنا على الكتابة من خلال «نشرة الحق» التي كنا نكتبها في مدرسة الخليل بن احمد، وكون لها هيئة تحرير. وكنا نصدرها بشكل اسبوعي، وكان وراء إصدار مجلة «أوراق»، ثم استعضنا باسم اخر هو «خورفكان»، ولم تسعفنا الإمكانيات لاستمرارها.

 

محب للتفاصيل

وقال الشاعر أحمد العسم، لقد كان ارتباطي بأحمد راشد ثاني ارتباطاً عائلياً، لقد آلمني صوت ابنته «وهج» وهي تكلمني عن رحيل والدها يوم أمس، لقد فقدنا باحثاً ومتتبعاً تعلمنا منه توثيق المكان شعراً، فهو محب للتفاصيل، ولم يأل جهداً في الدفاع عن قصيدة النثر، حيث طالبنا على الدوام بضرورة استكمال مشروعنا الشعري، وكانت له مواقف انسانية لا أنساها، حيث كان يواسيني في مرضي ويشد من أزري، في حين كان هو المريض ويستحق المؤازرة.

 

زهرة الأدب

الشاعر حبيب الصايغ، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أكد قائلاً: لقد أوجع القلب خبر وفاة الأخ أحمد راشد ثاني، رحمه الله وغفر له، وأسكنه فسيح جناته، وإنها لخسارة كبيرة للأدب وللشعر وللقصة وللمسرحية في الإمارات في آن، فقد كان رحمه الله متميزاً في كل هذه المجالات التي أخلص لها، ولكني أظنها لم تخلص له. وأضاف: كان إنساناً جمعت ملامحه أجمل ما في تلك المجالات من ملامح، فالأدب الجم من الأدب الرفيع الذي كان ينتجه، والرقة والعذوبة من الشعر العذب الذي يقرضه، والسلاسة والدهشة من الرواية التي كان يتمتع بسردها قبل أن يمتعنا بسردها، والفرجة والحكمة من المسرحية التي ظل صاحبها المخلص الوفي. وأشار الصايغ: لئن كانت حياة الإنسان قصيرة بطبيعتها مهما طالت، فعزاؤنا أن زهرة الأدب طويلة العمر، لا تبلى ولا تفنى، وتبقى رائحتها تعطر ذكرى صاحبها كلما ذكر.

 

قفص الأمواج

بعنوان «قفص الأمواج» كان أحمد راشد ثاني يكتب في الملحق الثقافي الصادر كل خميس مع صحيفة «الاتحاد» عن علاقته بالصحيفة، وعن ذلك قال عادل علي مسؤول القسم الثقافي بـ«الاتحاد»، كان ثاني يكتب في الصحفات الثقافية منذ زمن طويل، وعندما بدأت الإشرف على ملحق «الاتحاد الثقافي» طلبنا منه الكتابة وفي السنة الأولى اعتذر بلباقة، لأسباب تتعلق بظروفه الوظيفية والصحية. وأضاف: بعد سنة قابلته وطلب أن نخصص له صفحة وكان هذا الطلب محل ترحيب، فهو من أعلام الشعر في الإمارات، وباحث في التراث من الدرجة ولهذا كانت ثرية على صعيد الكلمة الحرة، والرأي الصادق.

وبالنسبة للأشهر الأخيرة في حياته قال علي: قبل ثلاثة شهور دخل ثاني المستشفى، إثر معانته مع «مرض القلب» وبقي نحو الشهر، ليخرج من بعدها من دون أن يطمئن بشكل كامل على حالته الصحية، وخرج من بعدها بمجموعة نثرية حول الإنسان، وحول سؤاله عن الحياة، واستذكر الكثيرين ممن مروا في حياته، وفي ثقافته، وأضاف: بلغ عدد تلك المقالات عشرة، استذكر فيها كل ما وجده في حديقة المستشفى، وعصافيرها، وأشجارها وزهورها، ومرة اتصل بي يسألني عن ردود الأفعال حول هذه المقالات وهل يستمر أما لا تجد استسحاناً، لكن اتفقنا على الاستمرار وفي آخر مكالمة بيننا قال لي إنه سوف يصدرها في كتاب، وجمعها مع بعض للنشر.

 

أسئلة وجودية

وأوضح عادل علي مفسراً طبيعة المقالات: لاحظت فيها اتجاهاً إلى طرح أسئلة وجودية ذات طبيعة فلسفية، مؤلمة، لقد كان يتفاعل مع كل طارئ في حياته الشخصية ويحوله لنص إبداعي، لقد كان أكثر اهتماماً بكتابته من وضعه الصحي. وشدد علي: أحمد راشد ثاني قيمة أدبية وإنسانية، بكل تأكيد برحيله سيترك فجوة كبيرة تنتظر من يملؤها من المبدعين الإماراتيين، فما تركه من إبداع في الشعر والبحث والأدب سوف يظل للقراء العاديين، والدارسين، نسأل الله أن يتغمده برحمته.

 

تراث وحداثة

الباحث عبد العزيز مسلم، مدير إدارة التراث في الشارقة، كشف عن علاقته بالراحل، والتي تعود إلى أيام الطفولة، وقال: رغم أني من الشارقة لكني درست المرحلة الابتدائية في «خورفكان» وكان الراحل أحمد راشد ثاني معي بذات المدرسة، وكانت علاقتنا مع بعض مفتوحة. وأضاف: في بدايات الوهج الثقافي في منطقتنا برز ثاني كشاعر وكاتب مسرحي مثير للجدل، وكان جريئاً، مع العلم أن شخصية غالبيتنا في الخليج شخصية متحفظة، لكنه كان جريئاً، وكان يثير الجدل ويجاهر بالاختلاف، ويراوح ما بين المشروع في القصيدة، وما بين المسرح وكتب حينها «الأرض بتتكلم أوردو» وأشار المسلم: في منتصف الثمانينات من القرن الماضي افتتح في الدوحة مركز الاتصال الشعبي لدول الخليج، وكنت ضابطاً للاتصال بين المركز والعديد من الجهات، وكان معنا حينها أحمد راشد ثاني الذي جمع كماً كبيراً من الحكايات الشعبية عن الإمارات.

 

صدمة

الفنان ناجي الحاي، قال إن الخبر شكل صدمة كبيرة، فأحمد راشد ثاني خسارة بالنسبة للإمارات، فمكانته كبيرة لما قدمه من أشعار، وأبحاث ذات قيمة عالية. وأضاف: بوفاته فقدت صديقاً عزيزاً، إذ ربطتنا تجربة كزملاء دراسة في الجامعة، وهو ما يشعرني بالأسى، واختتم الحاي بطلب الرحمة والمغفرة للفقيد. كما تفاجأ الكاتب جمال مطر بخبر رحيل أحمد راشد ثاني، عندما اتصلت به «البيان»، وهو ما جعله غير قادر على التفاعل مع سؤالنا عن علاقته بالراحل.

من مؤلفاته

«دم الشمعة» شعر

«يالماكل خنيزي ويا الخارف ذهب» شعر عامي

«قفص مدغشقر» نص مسرحي

«ابن ظاهر» بحث توثيقي

«خافة الغرف» شعر

«العب وقول الستر» نص مسرحي

حصاة الصبر إعداد

«دردميس» إعداد

«جلوس الصباح على البحر شعر

«إلا جمل حمدان في الظل بارك» إعداد

«يأتي الليل ويأخذني» شعر

«رحلة إلى الصير» بحث

«أرض الفجر الحائرة» مقالات

«على البحر موجة» نصوص

في سطور

 

أحمد راشد ثاني (1962ـ 2012)، ولد في مدينة خورفكان بإمارة الشارقة، وبدأ كتابة الشعر في أواخر السبعينات. ونشرت قصائده في الصحف والمجلات العربية والمحلية وترجمت إلى الفرنسية والألمانية. وشارك في العديد من الاحتفاليات والمهرجانات الشعرية في الإمارات والعالم العربي. كما عمل في السنوات العشر الأخيرة على توثيق التراث الشفاهي الإماراتي عبر مجموعة كتب أبرزها «حصاة الصبر».