يقوم المركز الوطني للوثائق والأبحاث في أبوظبي، بإشراف وزارة شؤون الرئاسة، وإدارة د. عائشة بالخير عبد الله، مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية، بدور كبير في الحفاظ على الذاكرة الشعبية، عن طريق جمع التراث الشفاهي، وهو حصيلة جمع منهجي لشهادات أناس أحياء يسردون مشاهداتهم ومعايشتهم لأحداث وشخصيات تاريخية، تختلط فيها ألوان السرد الفني والمعتقدات والخرافات والأساطير والتاريخ الحقيقي في آن واحد.

ويكتسب مشروع التاريخ الشفاهي لدولة الإمارات أهمية كبيرة، في ضوء اشتراك جمعيات عالمية أخرى في هذا المشروع، مثل جمعية التاريخ الشفاهي الأميركية، والجمعية العالمية للتاريخ الشفاهي، وجمعية المؤرخين المغاربة، وجمعية المؤرخين العرب، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ولجنة الـ «يونسكو» لصون التراث المعنوي، وجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجمعية دراسات الشرق الأوسط، وجمعية دراسات الخليج وشبه الجزيرة.

ناقوس خطر

يعد تسجيل المرويات التاريخية وتخزينها بحد ذاته عملاً رائداً، حتى وإن لم تخضع للبحث والتحليل، فبتخزينها تكون مصدراً تاريخياً مهماً للباحثين في المستقبل، حيث تتكون هذه الشهادات الصوتية من ذكريات سردية للأحداث وسجلات تاريخية لها.

وفي هذا المجال، أكد عبد العزيز المسلم، مدير إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، على أن الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الشفهي والمادي في إمارة الشارقة انطلقت منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وقال: «ندق ناقوس الخطر من فقدان ذاكرة الوطن ومعارفه وعاداته و تقاليده، وكي نتذكر حملة هذه الكنوز والخبرات من الأوائل رجال و نساء، فالرواة هم قوة هذا الوطن وحماته وشبابه، لكن البعض يحاول اليوم، وبعد كل هذه السنين، تهميشهم وادعاء قصورهم في العطاء والمنفعة»، بينما قال المهندس رشاد أبو خش، مدير إدارة التراث العمراني إن: «التراث الشفاهي، المادي وغير المادي، جزء مهم في الدولة.

وقد قمنا بعقد ندوات بهذا الصدد، واستضفنا عبد العزيز المسلم، وقمنا بمبادرة جمع التراث الشفهي، وخاصة في ما يتعلق بكبار السن.

وأجرينا نحو 300 مقابلة مع كبار السن، أفادتنا كثيراً في عمليات ترميم المباني القديمة، وفي مجالات متنوعة، مثل الغوص والتجارة والزراعة، وغيرها من مناحي الحياة التي تفيد في ترسيخ تراثنا وتسجيله على أتم وجه. وهناك عمل تطوعي من المواطنين، بالإضافة إلى موظفي إدارة التراث العمراني.

وقد عملنا لائحة لكبار السن تتكون من 200 اسم، وأعمارهم تتراوح بين الـ 70 والـ 90 عاماً. والأهم من ذلك، أن تكون الذاكرة في حالة جيدة، حتى نتمكن من الإفادة من معلوماتهم.

 وأعتقد أن المعلومات التي يمتلكها هؤلاء الرجال كبار السن، هي عبارة عن كنوز ثمينة تضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل. وكل واحد من هؤلاء يمتلك مئات المعلومات، التي يجب الإسراع في تلقيها والاستفادة منها. وخسارة أي واحد من هؤلاء الرجال، هي خسارة لهذه المعلومات الهامة».

الراوي والمؤرخ

تعتمد هذه المعلومات على التاريخ الشفوي، الذي يعتمد بدوره على ذاكرة الناس، وعلى الكلمة المنطوقة بشكل رئيس، ويمكن استخدام كل الوسائل المتاحة لذلك، من أجهزة سمعية بصرية، وأجهزة إلكترونية رقمية، إضافة إلى تدوين الملاحظات والمشاهدات بخط اليد، ورسم بعض المشاهدات والأوصاف والرموز، وعمر الإنسان وزمانه، كما أن توثيق حدث تاريخي بشهادة شفوية، يتطلب العودة مراراً وتكراراً للمصدر الشفوي، إضافة للتحقق بعناية من سيرة الراوي ومصداقيته.

حيث يجب على المؤرخ أو الباحث، التحقق بشتى الوسائل قبل التسليم بالمعلومة التاريخية، وعليه استخدام حس المؤرخ، كما تؤكد د. فاطمة الصايغ، الأستاذة والباحثة في جامعة الإمارات، وتضيف: «المرويات الشفاهية تمثل حيزاً مهماً في ثقافتنا، وتكملها، وتشكل جزءاً كبيراً من تاريخنا الشفاهي، كما هو معلوم. ويمكن القول إن 80 % من تاريخ دولتنا قبل عام 1971، أخذناه من أفواه كبار السن، من المرويات الشفاهية للثقافة السائدة.

مساعٍ جادة

وهناك مساعٍ جادة في جمع هذا التراث الشفاهي في مختلف الإمارات حسب برامجها. وهناك محاولات ذاتية، بينما ترعى الدولة هذا المشروع رعاية كبيرة. وكلما أسرعنا في تنفيذ هذا المشروع، كانت الفائدة أكبر، لأن فقدان كبار السن ممن يمتلكون هذه المعلومات، يعتبر فقداناً للذاكرة.

ولكننا في الوقت ذاته، يجب ألا نأخذ هذه المعلومات بحذافيرها، بل يجب مقارنتها مع الكتب التي صدرت في الخليج، بالإضافة إلى الوثائق البريطانية، من أجل توثيقها وتوخي الدقة، وهذا ما يقوم به أغلب القائمين على هذا المشروع».

وتؤكد لنا د. عائشة بالخير عبد الله، مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني للوثائق والأبحاث في أبوظبي، على أهمية مشروع جمع التراث الشفاهي، لأنه يتطرق إلى جميع مناحي الحياة، ويقوم بتسجيلها: القبيلة، والعادات والتقاليد، والتجارة ودورها في حياة الناس، والزراعة، والحرف، والبنوك والتعليم، والطب والنشاط الفني للناس، والشعر وقصص عن المكان والأشخاص الذين عاشوا فيه أو مرّوا به، وذكريات الشخصيات المشهورة التي ارتبطت بالمكان.

مرويات التاريخ الشفاهي