تشكل الأيام الأخيرة من كل عام، محطة تأمل للمبدعين الذين يتميزون أكثر من غيرهم بوعيهم العالي تجاه قيمة الوقت، ودوره المحوري في مسيرة حياتهم. وفي تلك المحطة، يسترجعون مسيرة العام وتقييم إنجازاتهم، لوضعها في كفة، مقابل طموحاتهم وأمانيهم في الكفة الثانية، والبحث عن أبرز المؤثرات التي شكلت إضافة إلى مسيرتهم، أو نقلة نوعية أو إلهاماً لمشروع أو عمل فني أو أدبي جديد لهم.

ويستحضرنا في هذه المحطة، بعد القيمة الفعلية لها، والمتمثلة في الاقتراب من جوهر الحياة والإبداع، والتي تتجلى في مقولة الأديب الفرنسي مرسيل بروست «1871-1922»، الذي ارتبط اسمه عبر العصور بعامل الزمن لدى المفكرين والفلاسفة والأدباء «الحكمة لا تأتينا، علينا اكتشافها بأنفسنا، بعد رحلة لا يمكن لأحد غيرنا القيام بها».

محطة مفصلية

في هذه المحطة المفصلية، استطلعت «البيان» انطباعات عدد من المبدعين في الساحة المحلية، حول أبرز نشاط فني أو أدبي محلي أثار إعجابهم، والإنجاز الإبداعي الذي حققوه خلال العام ويعتزون به، والشخصية أو العمل الفني أو الكتاب أو الفيلم الذي ترك أثره العميق في نفوسهم، ما شكل نقلة نوعية أو مفصلية في مسيرتهم الفنية.

مركز للفن

نستهل استطلاعنا مع المبدع علي خليفة بن ثالث، المصور الفوتوغرافي وأمين عام جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، الذي يقول حول المحور الأول الخاص بأبرز الأنشطة: «الفعاليات الفنية المحلية كثيرة وكثيفة في تأثيرها الثقافي والفكري، وأخشى إن ذكرتُ بعضها أن أظلم البعض الآخر، لكن الإمارات بشكل عام، ودبي على وجه الخصوص، أصبحت مركزاً ثقافياً وفنياً عالمياً، وأصبحت أجواؤها الفنية تضع الزائر والمقيم في زخم استثنائي قلّ نظيره على المستوى الدولي. أنا فرد من فريق كبير، يعمل بكل ما أوتي من رؤية ليستمر الحراك الفني والثقافي ويتعاظم ويرتقي بعون الله».

رؤية عالمية

ويقول عن إنجازه الأبرز للعام: «على مستوى الجائزة، أُثمّن الإعلان عن معرض «رؤية عالمية حول التصوير الفوتوغرافي»، وهذا إنجاز لفريق الجائزة كاملاً، ويأتي في مقدّمه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، راعي الجائزة. وعلى المستوى الشخصي، أنجزتُ بفضل الله وكرمه، كتابي الأول «حقيقي، جنوني، عميق TRULY, MADLY DEEPLY»، عن التصوير تحت الماء، إلى جانب معرض الصور المرافق له، وكانت الأصداء وردود الفعل غاية في الإيجابية، ولله الحمد».

بالانتقال إلى المحور الثالث، يقول بن ثالث: «أنا قارئ نهم، والكتاب على تنوّع محتواه، جزءٌ من برنامجي اليومي، أما الشخصية، فيصعب أن يتغلّب تأثير إحدى الشخصيات على تأثير سمو الشيخ حمدان بن محمد على نفسي وعقلي ورؤيتي، حفظه الله، فهو مدرسة في التفكير المستقبلي، ورسم ألوان الغد، أستلهم منه دائماً طريقة التعامل المتبادل مع الحاضر للوصول إلى مستقبل أجمل».

درب النحت

ونبقى مع المبدعين في عالم الفنون البصرية، لنتعرف إلى حصاد العام لدى النحات مطر بن لاحج، الذي يقول: «أبرز ما في 2015 على الصعيد المحلي، ذلك الحراك الفني الحيوي، واتساع عدد الأنشطة النوعية، والأهم، التفاعل الجماهيري معه، وحرصه على الوجود في تلك الفعاليات، ما يعكس تقلص الفجوة التي كانت قائمة بين ساحة الفنون البصرية والجمهور بمختلف أطيافه».

تبلورت رؤيتي

وينتقل إلى الحديث عن أبرز إنجازاته للعام قائلاً: «في هذا العام تبلورت رؤيتي للدرب الذي وجدت فيه نفسي كفنان، من خلال تجربتي في النحت والمجسمات المعدنية، التي ربطت فيها بين ثقافتنا وهويتنا وتراثنا والتكوين الإبداعي، الذي لاقى تفاعلاً من مختلف شرائح المجتمع، ما شكل حافزاً جديداً لي للتفوق على نفسي في كل عمل أقدمه. أما على صعيد الإلهام، يمكنني القول إن قراءتي لكتاب «كيف يفكر الفلاسفة»، لعلي أحمد الديري، ساهمت في إعادة صياغة أفكاري، لأدرك أنه لا بد للفنان من امتلاك منهج فلسفي، يتناول من خلال رؤيته الفنية وأسلوب تواصله وتفاعله مع المحيط».

بصمة الإبداع

ويتحدث التشكيلي الشاب فريد الريس، الذي اختار الدرب الصعب لتحقيق الإبداع الذي يترك بصمته، عن حصاده قائلاً: «ما أسعدني، كم المعارض والفعاليات هذه السنة، ما ترك أثراً إيجابياً لديّ ، وتقدير المجتمع الكبير للفن. وآثرت هذا العام تأجيل معرضي الفردي الثاني للتركيز على جودة وانتقائية الأعمال، كما دفعتني تضحية جنودنا إلى رَكن مشاريعي والتركيز على إنتاج لوحة ملحمية بالألوان المائية، أوثق فيها جميع سنوات استشهاد جنودنا الأبطال من أول شهيد عام 1971 إلى 2015، آملاً أن يرى العمل النور قريباً. ويصف الشخصية التي تركت أثرها في نفسه قائلاً: «بالتأكيد، لست الوحيد الذي تأثر، وأكبر وقفات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، مع جنودنا وأسر شهدائنا، والذي أظهر مدى تلاحم شعب الإمارات كعائلة واحدة».

بيئة خصبة

عودة إلى التصوير الفوتوغرافي، ليتحدث الشاب يعقوب أهلي عن حصاده، قائلاً: «الأنشطة التي تفاعلت معها كثيرة، وأقربها إلى نفسي، مهرجان قصر الحصن في أبوظبي، المكان الذي يجمع بين الفن والتراث والأصالة، ويرى المصورون فيه بيئة خصبة للتصوير».

ويتابع: «أما على صعيد الإنجاز الشخصي، فيتمثل في حصولي على الجائزة الأولى في مسابقة «فضاءات من نور مسجد الشيخ زايد»، ومشاركتي في الحفل السنوي الخامس مع شركه إنستغرام في دبي، وقيامي بعرض بعض الصور والتحدث عن تاريخ التصوير. أما الكتاب الذي ترك أثره العميق في نفسي، فهو للمصور العالمي اليا لاكوردي.

حميمية البرقع

ونتوجه إلى الفنانة كريمة الشوملي، التي تعد حالياً في بريطانيا رسالة دكتوراه في الفنون الجميلة، تحت عنوان «زينة المرأة الإماراتية من منظور فني» في بريطانيا، لتقول: «الأبرز من المعارض بالنسبة لي «آرت دبي»، ومهرجان «أبوظبي للفنون والموسيقى». وإنجازي الخاص الذي أعتز به، معرضي الفردي الذي أقمته في العاصمة البريطانية لندن، في غاليري «إيدج أوف أرابيا»، تحت عنوان «حميمية البرقع الإماراتي».

دعم الخطاطين

وللكلام نكهة أخرى مع الكاتبة والخطاطة مريم البلوشي، التي تقول بعفويتها وتلقائيتها: «تركت مشاركتي في «معرض دبي الدولي للخط العربي» عميق الأثر في نفسي، لا سيما ما وجدته من دعم سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم لنا كخطاطين إماراتيين، كذلك من الجهة المنظمة (دبي للثقافة). أما حصادي الأبرز، فهو إطلاق كتابي «لم أفشل»، الذي كان له الأثر الكبير في عودتي لعالم الكتاب والمتابعة من أجل تقديم ما يفيد الآخرين».

وتحكي مريم عن الكتاب الأبرز والشخصية الملهمة، قائلة: «حققت قراءتي لكتاب «حياة في الإدارة»، للراحل المبدع الدكتور غازي القصيبي، دافعاً لي لمراجعة حياتي وترتيبها، ومواجهة الكثير من التحديات والتغييرات. أما الشخصية الملهمة بالنسبة لي، فهي الفنان مطر بن لاحج، الذي أعمل معه منذ سنتين تقريباً كمستشارة في المرسم، والذي تعلمت منه كيفية الحرص على تحقيق التطور في كل ما أقدمه من أعمال فنية، والثقة في ما أقدم لنفسي أولاً، وللآخرين تالياً».

معرض الكتاب

في عالم الكتاب، تقول د. مريم الشناصي الكاتبة وصاحبة دار ياسمين للنشر: «معرض الشارقة الدولي للكتاب، العلامة الأبرز بالنسبة لي على صعيد الأنشطة الثقافية، أما الإنجاز الأبرز لي هذا العام، فهو صدور ونجاح كتابي «المقصف الغذائي: أين تأكل؟ ماذا تأكل؟»، والمتمثل بصدور الطبعة الرابعة منه، بواقع ألفيّ نسخة لكل طبعة، وهذا يعني انتشار الوعي بقيمة الغذاء وصحة الإنسان. أما الشخصية الأكثر تأثيراً ، فهو الأديب حبيب الصايغ، لجهوده الكبيرة في دعم الكتاب الإماراتيين، وحماية حقوقهم الفكرية».