تشكل الكتابة بلغة ثانية غير اللغة الأم بالنسبة للكتّاب تحدياً كبيراً، خصوصاً أن الشريحة التي يتوجهون إليها هي لغتهم الأم، ما يهدد بفقدان الكاتب جزءاً من رصيده لدى هؤلاء القراء على عكس تقبلهم لنصه المترجم.
وقبل استعراض تجربة عدد من هؤلاء الكتّاب الذين قدّموا أعمالاً اعتبرت من روائع الأدب العالمي، سنتناول بعض العوامل التي مكنتهم وتمكننا من الكتابة بلغة غير لغتنا الأم، وفي الوقت نفسه تساعد شريحة واسعة ممن أتقنوا لغة ثانية غير لغتهم الأم كما هي الحال في العديد من بلدان العالم العربي التي أضحت - لعوامل عديدة يطول شرحها، العودة إلى لغتهم العربي في كتابتهم الإبداعية.
عوامل الإتقان
أبرز العوامل التي تساعد الكاتب على إتقانه الكتابة بلغة ثانية، الإصغاء إليها أكثر من التحدث بها، وقراءة أدبها بشكل مكثف كي يستقر في العقل الباطن، والحرص على التواصل والحوار مع أهل تلك اللغة، وتعلم أسلوبهم في التعبير عن الفكرة كتابة، مثل اللغة الإنجليزية التي تعتمد أسلوباً معاكساً في التعبير. وبالتالي يتطلب من الكاتب جهداً ومرونة في إعادة صياغة فكره بشأن تعامل العقل مع قراءته للفكرة ليخرج من أسلوب الترجمة الحرفية التي تضعف نصه، وبالتالي التحلي بالصبر والمثابرة حتى يتمكن الكاتب من هدفه.
أديب المهجر
وأبرز مثال على الكتّاب الذين نجحوا وأبدعوا في الكتابة بغير لغتهم الأم، أديب المهجر جبران خليل جبران «1883-1931» الذي يُعتبر أيقونة في عالم الأدب العالمي شرقاً وغرباً والذي يحتل كشاعر المرتبة الثالثة في أعلى المبيعات بعد الشاعرين الإنجليزي وليم شكسبير «1564-1616» والفيلسوف الكاتب الصيني لاوتزه من القرن السادس قبل الميلاد.
نشر جبران الذي هاجر مع عائلته إلى أميركا عام 1895 وكان عمره 12 سنة، أول عمل له كتبه باللغة الإنجليزية عام 1819 وهو بعنوان «المجنون» والذي تضمن قصصاً قصيرة رمزية تتمحور حول إشكالية الذات مع نفسها وعلاقتها بالآخرين. وليحقق شهرته العالمية من خلال كتابه الفلسفي «النبي» الذي نشر عام 1923.
قلب الظلمات
والمثال الثاني الروائي البولندي الأصل جوزيف كونراد «1857-1924» الذي تعتبر روايته «قلب الظلمات» 1899 من أعمال الأدب الخالدة، والذي استقر بعدما بلغ 29 عاماً في بريطانيا وحصل على الجنسية عام 1886. وبالتالي شكل إتقانه للغة الثانية جهداً وتحدياً لنفسه أكبر بكثير ممن اكتسبها في طفولته أسوة بالأديب جبران.
واستطاع كونراد أن يؤسس أسلوبه الخاص في السرد الذي اعتبره النقاد في البداية غريباً بعض الشيء نظراً لاختلاف طريقة استخدامه لمواقع الأفعال والفواصل والنقط، لكن متابعتهم لأعماله، بينت لهم خصوصية أسلوبه وتمكنه من اللغة وبراعته في ابتكار صياغات جديدة، يصعب على القارئ الإنجليزي التفاعل معها إلا بعد التعرف إلى تلك الخصوصية عبر قراءته لعدة أعمال له.
نابوكوف ولوليتا
أصدر الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف «1899-1977»، رواياته التسع الأولى بالروسية، لينشر بعد هجرته إلى الولايات المتحدة عام 1940 تسع روايات أيضاً إنما بالإنجليزية من ضمنها روايته الشهيرة «لوليتا» عام 1955، علماً أنه تعلم الفرنسية والإنجليزية كلغات أجنبية منذ طفولته.
كاتب معاصر
تجلت موهبة الأديب السوري الأصل رفيق شامي «1946» بعد هجرته إلى ألمانيا عام 1971 لمتابعة دراسته الجامعية وحصوله على الدكتوراه في الكيمياء العضوية المعدنية، ليتفرغ للأدب عام 1982، وحازت أعماله القصصية الروائية للكبار والأطفال والتي كتبها بالألمانية على شعبية واسعة لتتم ترجمتها إلى لغات أخرى وأبرزها «الجانب المظلم من الحب» 2009.