لا تنحصر مزايا القراءة في عوالم الأدب في إثراء الثقافة والخبرات والمعلومات المعرفية وحدها، بل تشمل خطاً موازياً آخر يرتبط بالترفيه عن النفس.
وقبل الحديث عن ذلك الخط الموازي، علينا تحديد الاختلاف بينهما، حيث يجمع الأدب بين مضمون حبكة العمل الإنساني التي تصلح في كل زمان ومكان سواء في قصة أو رواية أو مسرحية أو قصيدة، وبين منظومة اللغة التي تغني العمل وترفع من قيمته الفنية، والبراعة في السرد ومعالجة الحبكة.
وبالحديث عن الرواية الترفيهية نجد أيضاً تبايناً في أسلوب الكتّاب بين الكتابة الرومانسية المنفصلة عن الواقع والتي تضم شخصياتها «سوبر أبطال»، والمشحونة بالمشاعر والعواطف التي تجذب في معظم الأحيان شريحة المراهقين، وأبرز مثال هو الكاتبة الأميركية دانييل ستيل «1947»، وبين الكتابة الواقعية التي تنطلق بشخصياتها من قاع المجتمع لتشكل التحديات محوراً بارزاً، بعيداً عن تقنيات السرد واللغة، ومثال على ذلك الكاتبة البريطانية أيضاً كاثرين كوكسن التي تحظى بشعبية واسعة خارج بلدها، نظراً لكون بطلاتها من النساء العاديات المكافحات اللواتي لا يتميزن بسحر الأنوثة.
ويجمع بين الأسلوبين الكاتب الأميركي نيكولاس سباركس «1965» الذي تتميز رواياته بالحبكة الإنسانية الدرامية التي تحقق معايير الأدب العالمي، واللغة البسيطة وانسيابية السرد وشحنات العاطفة، مما يجعل شعبيته كروائي عند المراهقين أكثر من غيره.
المرتبة الأولى
ونستعرض في البداية تجربة الروائية الأميركية دانييل ستيل، الأولى في قائمة الكتّاب المعاصرين الذين حققت كتبهم أعلى المبيعات، وفي المرتبة الرابعة لأعلى المبيعات في كل الأزمان إذ تجاوز عدد مبيعات رواياتها 650 مليون نسخة، وترجمت إلى 43 لغة في 60 دولة، مع تحويل 23 رواية إلى فيلم سينمائي أو تلفزيوني. وصدر لها حتى اليوم 99 رواية مع 18 كتاباً للأطفال.
وتتمحور معادلة حبكة رواياتها، حول صدمة عاطفية أو مأساة تراجيدية يواجهها أبطالها، فينكفئ الواحد منهم على نفسه ويعيش عزلة حتى يأتي الحب ويطرق بابه ليبتسم له الحظ من جديدة. وبطلاتها إما غاية في الجمال أو الثراء أو الاثنين معاً. وما يجذب القراء أيضاً لغتها البسيطة السلسلة التي لا تحتاج إلى ثقافة أكاديمية عالية المستوى.
قاع المجتمع
في المقابل تتناول الروائية كاثرين كوكسن «1906-1998» التي تحظى في بريطانيا بشهرة واسعة، في أعمالها قصة كفاح نماذج مختلفة من النساء اللواتي ينتمين إلى قاع المجتمع، واللواتي يحققن نجاحهن سواء في عالم المال والأعمال أو العلاقات الإنسانية بالجهد والتعب والمثابرة والإصرار على تحقيق الهدف.
واستلهمت كاثرين معظم مواضيع قصصها من مرحلة الحرمان التي تميزت بها طفولتها في شمال شرق انجلترا، أما تجربتها مع الكتابة فبدأت كمحاولة للخروج من حالة الاكتئاب، ولم تكن متمكنة من اللغة في البداية نظراً لضعف تعليمها الأكاديمي، وبمساعدة زوجها تمكنت من تجاوز هذه الإشكالية.
أصدرت كاثرين 100 رواية بيع منها 123 مليون نسخة، وترجمت أعمالها إلى ما لا يقل عن 20 لغة. وتعتبر كتبها الأكثر إعارة من المكتبات العامة في بريطانيا على مدى 17 سنة متواصلة وحتى بعد وفاتها بأربع سنوات. كما اقتبست السينما والإذاعة والمسرح العديد من أعمالها.
فكرة مختلفة
ونصل إلى الروائي وكاتب السيناريو والمنتج نيكولاس سباركس، الذي تُحقق رواياته أعلى المبيعات والتي تتجاوز 105 ملايين نسخة مع ترجمتها إلى أكثر من 50 لغة، من ضمنها 75 مليون نسخة في الولايات المتحدة وحدها. كما يتهافت المنتجون السينمائيون على شراء حقوق رواياته قبل نشرها.
وتكمن خصوصية أعماله كما قال في لقاء سابق له مع «البيان» خلال مشاركته في إحدى دورات مهرجان طيران الإمارات للآداب: «أحرص على أن تكون فكرة الرواية غير مألوفة و(كونية)، أي حالة إنسانية يمكن أن تحدث في أي بلد من العالم، ثم أبدأ برسم كل شخصية وتاريخها، لأنتقل بعدها إلى كيفية لقاء أبطال العمل ودوافع الانجذاب الحقيقية بينهم والتي لا يدركونها في البداية، استناداً على تاريخ كل منهم.
أنتقل بعد ذلك إلى مراحل التواصل والإشكاليات التي تباعد بينهم ضمن معطيات الواقع وماضيهم، لأبحث بعد ذلك عن الأسباب الجوهرية في داخل كل منهم، التي تدفع بهم إلى اللقاء مجدداً».
قراءة ترفيهية
تساعد القراءة الترفيهية الإنسان على الاسترخاء والانفصال عن العالم الواقعي إلى حين، واستعادة طاقته والاستسلام للنوم العميق، وحقق في هذا الإطار الكثير من الكتاب نجاحاً وشعبية واسعة، لتتجاوز مبيعاتهم ملايين النسخ. ولمعت بفضل هذا الميزة اسماء أدبية حققت العالمية وأمتعت مئات الملايين عبر العالم بمضامينها الانسانية البسيطة.