لا أحد ينكر دور الآثاري الإنجليزي وليام بتري بعد الإعلان عن تنقيباته الشاسعة والمعروفة في أراضي مصر وجنوبها في بدايات القرن العشرين، فقد كان سباقًا في استخراجه لآثار مهمة كانت غائبة ومنسية طوال التاريخ الممتد لمصر الذي يصل إلى العشرات من القرون، والتي أدت إلى دراسات أكاديمية عديدة غيرت المفاهيم الثابتة في علم المصريات وتاريخه. لترسخ الأطلال المصرية القديمة نفسها بعد انحسارها أمام الرأي العام العالمي آنذاك.

بلا شك، أن وليام بتري كان جبارًا في صبره أثناء عملياته الحفرية الصعبة، فقد نال بسببها شهرة واسعة، ليصبح له الفضل الكبير في اكتشافات لا حصر لها، خاصة بعد دعوة تلقاها من الروائية والصحفية الإنجليزية اميلي إدواردز إلى مصر، هذه الأديبة التي اشتهرت أكثر كعالمة لآثار مصرية التخصص، عبرت عن رحلاتها تلك في كتابها «ألف ميل فوق النيل» بعد أن سافرت مع أصدقائها إلى مصر لتكتشف سحر الأرض وثقافتها القديمة، مما دعاها للتخلي عن الأدب والرواية، ولتصبح داعية لحفظ الآثار المصرية من خطر التنمية، وانطلاقًا من أهداف نبيلة وإنسانية أبدت اهتماماً خاصًا وتركيزًا عميقًا على هذا العلم.

متحف في جامعة

ولعل الجميع يعلم أن أهم الآثار المصرية الآن وبكمياتها الوافرة تملأ أغلبها المتاحف العالمية التالية: المتحف المصري بالقاهرة، المتحف المصري ببرلين، متحف اللوفر بباريس، المتحف البريطاني في لندن. لكننا نغفل عن آثار مصرية تصل في أعدادها إلى الـ 80 ألف قطعة قابعة كلها بين جدران متحف بتري في لندن، ويعود الفضل في أغلبها لوليام بتري الآثاري المزود الأول للمتحف، وبأهم القطع التاريخية التي حصل عليها بعد مغامراته المدروسة في مصر، وكذلك من قبله، اميلي ادواردز التي وضعت ما لديها في هذا المتحف التابع لجامعة كلية لندن كمورد تعليمي، ليقوم طلابها بدراسة الآثار عن قرب، وقد سمي فيما بعد: متحف بتري تقديرًا لجهوده.

تنقيبات مدروسة

اشتغل وليام بتري في التنقيب بمصر بعد أن وضع منهجيته الخاصة للانطلاق، والقائمة على أساليب أكاديمية متقدمة، حيث هو من ابتدعها وتحديدًا في عام 1880م خلال إحدى الفترات الصعبة للافتقار إلى العديد من الوسائل والأدوات اللازمة للحفر، ليرسم بدوره هندسة الأمكنة بعد مسحها بدقة، ويجري تحقيقًا حول البناء، وتحليلاً للهندسة المعمارية للقبور الملكية المصرية المكتشفة وللمعابد الكبرى. قاوم الظروف المناخية الصعبة، ولم يبق متوهمًا كما شكك به البعض، لتتبلور المخرجات من الآثار، ويصبح له الفضل في اكتشاف واستخراج الكنوز بعد حفريات واسعة، لشعوره الشديد بالمسؤولية للحفاظ على كل ما يُكتشف من الآثار خوفًا عليها من الاندثار.

اكتشافات بلا نهاية

وقد شهد بتري من المغامرات التنقيبية الصعبة ما لا يحصى مع فريقه الأثري فيما بعد، متميزًا في خوضه الأمكنة المرتفعة، وتسلقه لسلالم حبل في جزيرة قرب أسوان بهدف تصوير آلاف النقوش المصرية في فتراتها المبكرة وعلى منحدر خطير، بالإضافة إلى حفره التلال في دلتا النيل الشرقي حيث بقايا المعابد القديمة، ليكتشف أبو الهول الملكي والذي يقع الآن في متحف الفنون الجميلة، مرورًا باكتشافه المقابر المصرية والتي تعود للأسرة المصرية الملكية في مراحلها المتأخرة أي قبل الميلاد بحوالي ثلاثين سنة، ناهيك عن ايجاده لنقوش كاملة فوق المومياوات، واستخرج لوحات وآثاراً من قرية للعمال حيث المقبرة الملكية..ومجموعة كبيرة من الاثار رحلت أغلبها إلى لندن.

حافز مبهم

أدركت انجلترا أهمية ما يقوم به وليام بتري، لتقوم السفارة الإنجليزية في القاهرة بتمويله، معززة بالتالي حركة التنقيب من جانبها لتزويد إنجلترا بفيض من آثار باقية، الأمر الذي دفع به إلى التشجع والانكباب على المزيد من الحفر لمقابر أخرى وبرفقة زوجته. وهنا يطرح السؤال نفسه، والذي لا بد من طرحه: هل أصبح حينها تيري منقبًا آثاريًا رسميًا بأمر من السلطات الإنجليزية المستعمرة لمصر في تلك الفترة، دون العودة إلى إدارات القاهرة وشؤونها الداخلية؟

رسخ بتري نفسه هذه المرة بقوة واستمر حتى عودته إلى إنجلترا، لتحرص الحكومة الإنجليزية على تكريمه، متمثلاً هذا التكريم في حصوله على لقب «السير»، بعد تاريخ من المراسلات بينهما، تلك القائمة على مبدأ السرية والشفافية الواضحة مع السلطة المستعمرة، إذ أدت إلى الحفاظ على كل تلك الآثار أثناء نقلها من مصر إلى إنجلترا. كل ذلك دفع بهم، وبعد وفاته عام 1933م، إلى إنشاء كرسي أستاذ علم الآثار وعلم اللغة المصرية في كلية لندن باسمه.

بين الاستيلاء والإضافة

لم تستسلم إنجلترا ولم تقنع بما لديها من قطع أثرية نادرة، بل دأبت على تشجيع تلامذة بتري بعد وفاته، للسفر إلى مصر والاستمرار في التنقيب، والاستيلاء على آثارها وإضافتها إلى المتحف، دائمًا بحجة المحافظة عليها، لكنها تبدو لنا كمتابعين أنها كانت وصية بتري لهم، لتزيد أعداد القطع في الجامعة، فكان له ما أراد، فمتحف تيري الآن يحتوي من عشرات الآلاف من القطع مرقمة في كتيبات ضخمة.

الحفاظ على ما نُهب

تفخر بريطانيا بوليام بتري حتى الآن، لكن يبقى الإنجليز المعاصرون منهم والإنسانيون يعترفون بهذا النهب أمام المصريين، حتى وقت قريب من الثورات العربية الأخيرة والتي سميت بثورات الربيع، وبعد دخول الفوضى ونهب الآثار وتدميرها، يعود البعض متراجعًا عن كلمته بأن الغرب قد سرق آثاره، لأنه يحافظ عليها أكثر بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط.

حجر السنوات السبع العجاف

اكتشاف تيري للوحة الحجرية التي نقشت عليها حكاية السنوات السبع العجاف، نال عليه اهتمامًا واسعًا ولافتًا، فأن يكون النص مؤرخًا للجفاف الذي أدى إلى المجاعة في عهد الملك زوسر، لهو تحول مهم في مجمل المكتشفات المصرية، لأهميته الكبرى للمؤرخين وعلماء اللغة المصرية القديمة، وغيرهم من المهتمين، بعد أن اعتقد البعض بأنها أسطورة، إلا أن الحجر أثبت ذلك، فالنص يبين تفاصيل غضب الملك وقلقه لعدم فيضان النيل، مما يدعوه إلى استدعاء وزيره إمنحوتب ليساعده عن طريق الكهنة في المعبد ليتحكموا عن طريق الآلهة بالفيضان قبل أن يثور الناس.. وإلى آخر التفاصيل.

كلية لندن الجامعية ودورها الرائد

تمتاز كلية لندن الجامعية ومنذ تأسيسها عام 1826م بأنها حملت مفاهيم علمية فقط، مبتعدة تمامًا عن قوانين الجامعات الإنجليزية الأخرى والتي من شروط قبول الطلاب فيها في أن يكونوا من أصول وأعراق وأديان ومذاهب معينة، أو من عائلات تنحدر من طبقات مميزة، لتلغي كلية لندن الجامعية كل تلك الشروط. بعد ضم متحف بتري للآثار المصرية لها، لتأخذ شهرتها خاصة في الدراسات البحثية التاريخية، كما لهذه الجامعة الآن فروعاً خارج بريطانيا: قطر وأستراليا، ذلك لأهمية لدورها ومكانتها.

إميليا إدواردز الروائية الآثارية

من أهم أعمالها بعد عودتها من مصر، إنشاء جمعية استكشاف مصر عام 1882م التي كان اسمها صندوق الحفر المصري، وتقديرًا لها بعد... حفريات قامت بها واكتشافها لمعبد الملكة حتشبسوت ومنحوتة نفرتيتي وتمثال البقرة من دير بحري، وغيرها، ولكونها تحملت مناخ مصر ورحلتها الشاقة واكتشافاتها العظيمة، مما دعا لهذه الجمعية أن تُسجلَ وبموجب القانون الإنجليزي على أساس أنها خيرية، يمكن التبرع لها، وبالتالي إرسال المزيد من الآثاريين والمغامرين والمهتمين بتمويلهم وتشجيعهم لجلب الآثار، لكونها مستعمرة بريطانية مسموح لها بالتجريب والحفر.

من محتويات المتحف:

أقدم قطعة قماش من الكتان المصري عمرها حوالي 5 آلاف سنة.

أول حبات للحديد وأول معدن وأول تقويم.

ختم إسطواني يعود إلى 3500 قبل الميلاد.

أوراق البردي التي تُفصح أمراضًا للنساء مع طريقة التطبيب والبيطرة في مصر القديمة.

أكبر وأقدم رسم معماري لضريح يعود إلى عام 1300 قبل الميلاد.

أقدم ملابس راقص من عصر الأهرامات يعود إلى عام 2400 فبل الميلاد.

مومياوات من القرن الثاني قبل الميلاد.

قطع كثيرة تعود إلى الفترات القبطية والإسلامية.

زاهي حواس وعودة الآثار المصرية

يؤكد زاهي حواس دائمًا في لقاءاته الإعلامية عن رغبة المصريين في عودة آثارهم إلى أرض مصر لأنها مصرية، ويقوم حواس ببذل كل جهد لإعادة القطع المشهورة منها أولًا، مثل رأس نفرتيتي في برلين.. وغيره من القطع التي ازدحمت بها متاحف العواصم الأوروبية، محاولًا بدوره تنظيم عمليات التنقيب في مصر كي لا تُنهب من جديد، لأن ما استخرج من مصر زمن الاحتلال الإنجليزي، خوفًا عليها من اللصوص، كما تم الادعاء، كان الأولى وضعها في متاحف مصر، لا ترحيلها إلى بريطانيا.

1886

عمل وليام بتري جنبًا إلى جنب مع عالمة الآثار الإنجليزية إميلي إدواردز لصالح صندوق الاستكشاف المصري، ليبدأ بعدها أعماله الحفرية المستمرة وبلا توقف.

1896

اكتشف وليام بتري وفريقه الأثري في حفريات معبد بالأقصر، آثارًا تعود لبني إسرائيل، وهي لوحة حجرية، ذكر فيها انتصار امنحوتب على قبائل إسرائيل في الأقصر.

1923

حولت الحكومة البريطانية عمل وليام بتري إلى فلسطين، التي كانت مستعمرة بريطانية حينها، ليحفر مواقع جديدة، وبالتالي يستمر في خدمته لعلم الآثار البريطانية.