دعت الدكتورة عائشة بالخير، مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني للوثائق والبحوث، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، جميع الإماراتيين، إلى المساهمة في كتابة تاريخهم الشفاهي، من خلال التحدث عن ذكرياتهم القديمة، أو عبر الكشف عن مقتنياتهم النادرة، حتى يكون لدينا أرشيفا وطنيا موحدا للتاريخ الشفاهي، وذلك في حوار مع "البيان" عن اهتمامها بهذا التراث الذي أنجزت عنه أبحاثاً عدة وثقت ملامح وممارسات أهل الإمارات قديماً.
قدمت العديد من ورش العمل، كيف تقيّمين تفاعل المشاركين في هذه الورش؟
يتميز سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للوثائق والبحوث، بأنه شخص دقيق في بحثه، وواحدة من توجيهاته تغيير في مناهج الدولة، وبالفعل وقعنا اتفاقية بين المركز الوطني للوثائق، وبين وزارة التربية والتعليم، بحكم أن المركز لديه وثائق وخبرات، من الممكن أن يسهم فيها.
ومن هذا المنطلق وبتوجيهات القيادة الرشيدة بدأنا تفعيل هذه الاتفاقية مع التربية، كما أخذنا على عاتقنا في إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني، أن نفعل هذا الدور مع جامعة زايد، وبدأنا بتدريب الطالبات للاهتمام بالأسرة، وهي النواة الأولى، لتأهيل وإيجاد البنات والشباب الذين يجسدون البوتقة التي تصب فيها كل المعارف.
وقد توصلنا إلى نتائج إيجابية مهمة. ففي مطلع سنة 2011 كان لدينا نحو خمسين طالبة ضمن حقل عملنا التوثيقي التراثي الممنهج. وفي العام 2012 شاركنا 300 طالب وطالبة في مشروعات عدة، مثل مشروع خاص عن كيفية تطوير الخور في دبي.
التاريخ الشفاهي
كيف تجمع مادة التاريخ الشفاهي، وما آليات تعاملكم معها؟
نحن مثل الإسفنجة لا نترك شيئاً للمصادفة، ونسير إلى كل مكان إذا عثرنا على شيء. فالمهم أن نحصل على هذه المادة، لأننا أحياناً نجمع الأشياء ولا نعرف ماهيتها، لكن من الممكن أنها تخص دقائق وحيثيات ما لجيل ما.. وبذا فإنها تعرفنا إليه من أحد الجوانب.
ويمكن أن تكون هناك معلومة استقيناها، ولا نعرف أن كل أحد يفهمها، فنسأل كبار السن عنها. وبالتالي فهم (من نلتقيهم في هذا الصدد)، يشرحون الأشياء البديهية، وكيف تفاعلوا معها وكيف اكتشفوها. ويصل ذلك، حتى إلى أبسط الأمور، مثل طريقة ربط الحبال ووضع الثقل للصيد، إلى جانب كيفية تعرفهم إلى أماكن مغاصات اللؤلؤ.
هل اقتصر بحثكم على إمارة معينة في الدولة؟
جاءت التوجيهات من قبل قادة الدولة والجهات المعنية، أن نجمع مادتنا الثقافية العلمية في شأن تاريخنا الشفاهي، من كل الإمارات، وأن نسير من رأس الخيمة إلى السلع، أي إلى كل مكان في الدولة.
أنجزت أبحاثاً عن الموسيقى «الأفروخليجية»، ما الذي توصلت إليه من نتائج على هذا الصعيد؟
الإمارات دولة تمثل واحة انسجام وسلام وأمن، وكذا لديها تجربة تاريخية. فهذا البحر جمع الناس من كل مكان. وفي البحر كان هناك شقاء ومعاناة وكذلك بأس وإصرار بشريان. ورغم قسوة الحياة فيه بحكم ظروف الطبيعة سابقاً، أوجد الناس أرضية للعيش فيه بوئام وانسجام، متحدين شظف العيش، وجاعلين من البحر مصدر الرزق لكل الناس، ومن خلاله تواصلوا مع الشعوب والثقافات الأخرى، وتأثروا وأثروا بها. وهكذا، ومثل ما أثر فينا الهنود بالتوابل والمأكولات، تركت إفريقيا لدينا طبولها وإيقاعاتها.
الأرشيف الوطني
هل لديكم خطة في المركز الوطني لإصدار معجم خاص بالألفاظ المحلية ومعناها؟
هناك معجم الألفاظ الذي سيصدر إلكترونياً وورقياً، وعندنا الكتب التي سنصدرها على أجزاء، لكن من أجل أن نشجع الناس ونريهم أن كل بلد حضاري لديه أرشيف وطني، فيه الصوتي والوثائق والصور والمكتوب. ونحن لسنا بمختلفين عنهم.. طرقنا باباً مؤداه أن تتوسع البوابة، وسيصب هذا في مصلحة البلد، ومن ثم يعزز دورنا كأمة عندها حضارة، وإذا شارك أهلها في كتابة موسوعتهم. فهذا هو الهدف من التاريخ الشفاهي، وذلك بحيث يكون لهم الدور في كتابة التاريخ.
موسوعة وطنية
ما المجال الذي تسهمين فيه في الموسوعة الوطنية التي تعد إحدى مشروعات المركز؟
عندنا موسوعة للإدارة فيها التاريخ الشفاهي وآليات جمعه، سواء من خلال تفاصيل الأشخاص وحياتهم، أو من خلال شاهد على العصر، حيث نطرح عليهم العديد من الأسئلة في كل المجالات، الاقتصادية والثقافية. وممن كان في القضاء والتنقل والكهرباء وفترة ظهور النفط وما بعد ظهور النفط، وكيف كانت الحياة حينها. وكذا في خلال سنة سقوط الغوص بحثاً عن اللؤلؤ.
والوقت الذي بدأ فيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مهامه كحاكم لإمارة أبوظبي. أي أننا نسأل حول مختلف جوانب مسيرة الشخص، متزامنة مع التغيرات التي طرأت على المنطقة. وهذا التاريخ الشفاهي، نجمع داخله الحياة الاجتماعية. أما المشروع الآخر الذي تقوم به الإدارة، فهو الموسوعة، أي جمع المعلومات عن كل الشخصيات المهمة في الدولة، كما سننشر ببلوغرافيا عن 500 اسم في كتاب شامل. ونأمل أن يكون هذا في معرض أبوظبي الدولي للكتاب المقبل.
إضاءة
حصلت عائشة بالخير، على دكتوراه في دراسات الخليج العربي من جامعة إكستر، في بريطانيا، وعملت محاضرة وباحثة زائرة في جامعة هارفرد- قسم دراسات الشرق الأوسط، بين عامي 2005 و2006. وتشغل مهام مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني للوثائق. وهي خبيرة معتمدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، لتنظيم ورش عمل تخص تطبيق اتفاقية صون التراث الثقافي المعنوي لدول العالم. ورئيس المجلس الاستشاري لمعهد زنجبار لدراسات المحيط الهندي في جمهورية تنزانيا. كما أصدرت العديد من الكتب، منها: التأثير الإفريقي على الموسيقى والتراث في دبي.