من آثار السيل الهادر لوسائل التواصل الاجتماعي وسطوتها على حياتنا اليومية، اطلاعنا على آلاف الملفات البصرية التي تصلنا من هنا وهناك والتي يشدّ بعضها انتباهنا فنقوم بالاطلاع عليه بتركيز ثم نتجاوزه، أو ربما نحفظه للعودة له مرة أخرى، أو نقوم بمشاركته مع بعض الأصدقاء بنية المرح والترفيه أو تعميم الفائدة أو غيرها.

«شاهد» من أكثر الكلمات التي تتزاحم أمامنا في المواقع المختلفة والرسائل الترويجية وحتى مراسلات الأصدقاء، وبالتأمّل قليلاً في نوعية «المشاهدات» التي تسوقنا لها هذه المواقع سوقاً، نجد النسبة العظمى هي الأحداث المثيرة، وليت المعنى كان «المشوّقة أو المرحة أو الطريفة» فهذا النوع من المشاهدات يشهد تراجعاً ملحوظاً أمام نوعٍ آخر من المشاهدات الذي اكتسح المواقع العربية المنوعة وللأسف الشديد بعض المواقع المحلية التي لها اسمها وجمهورها أيضاً.

المشاهد العنيفة القاسية والتي تعرض أحداثاً واقعية، تنتقي من الأحداث المشهد الأشد عنفاً وقسوة ودموية وتعرضه للجمهور بحثاً عن انتشارٍ أوسع ونسبة مشاهدةٍ أعلى ! ضاربة عرض الحائط بالقيم الأخلاقية والتربوية لوسائل الإعلام، ومتجاهلة العواقب الوخيمة لانتشار هذه المشاهد، والطامة الكبرى هي عواقب الاعتياد عليها.

بالنسبة للجمهور من البالغين يسبّب التعوّد على مشاهدة اللقطات العنيفة قسوة في القلب وغلظة في السلوك وشرخاً عميقاً في الذوق البصري الانتقائي، بصراحة لم أفلح في وضع عنوانٍ لاستيراد مشاهد القتل والدمار والدم من كل أنحاء العالم لمواقعنا وعرضها أمام مجتمعاتنا سوى «ترويج القبح»! لا أعتقد أني أبالغ حينما أصف نوعية الأثر السيء الذي يتضاد شكلاً ومضموناً مع قيم الجمال البصري.

أما بالنسبة للأطفال والمراهقين فالتعوّد على هذا النوع من المشاهد يرقى لمرتبة «الكارثة»، فمن الأفكار التي انتشرت بسبب هذا الوباء أن مشاهدة العنف بهدوء واعتياد هي من أنواع «الرجولة»، والنفور منها من علامات الضعف التي تجلب السخرية لصاحبها! كم من الحوادث المنزلية المريعة التي تحصل بسبب رغبتهم بتقليد أحد المشاهد العنيفة! وكم من المشاكل الأسرية من خلال سلوكياتٍ مشينة غريبة على ديننا وعاداتنا وقيمنا! ألا تعي المواقع المحلية ذات الشعبية أثر ترويج المشاهد العنيفة والقاسية ؟ هل يُعقل أن صناّع القرار فيها يجهلون الرسالة التربوية والتوعوية لوسائل الإعلام؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة مقنعة.

فلاش

ترويج الصورة هو ترويج لفكرة، وترويج الفكرة مسؤولية كبرى

سحر الزارعي

الأمين العام المساعد للجائزة

@SaharAlzarei