التوقف عند الطفولة يسترعي من الكبار الانتباه كثيراً، لا سيما بعد أن قطعوا تلك المرحلة ونسوا تفاصيلها، لذلك لدى مطالعتهم لأي عمل يتناول حياة طفل ما، تجدهم يتذكرون ما غاب عنهم، أو يسترقون لحظات بريئة بحتة، وما زالوا يدفعون ثمن غيابها عنهم غالياً.

في روسيا الاتحادية تبني المؤسسات التربوية، الأنشطة المسرحية في مدنها وقراها، والتي تستهدف فئة الأطفال الصغار، حيث إن أغلب عروض هذه الأنشطة تجمع بين المتعة والفائدة، والتسلية والتهذيب الأخلاقي من دون إغفال المقصد الأساسي من المسرح الطفولي والمتمثل في التربية والتعليم وتكوين النشء.

ليتميز مسرح الطفل في روسيا الاتحادية عن غيره من وسائل الترفيه المعرفية «التربوية» بقدرته على رفع كفاءة الطفل الروسي ذهنياً ونفسياً، من خلال التماثل بأنه يشكل علاقة إدراكية ما بين الشخصية على المسرح وذات الطفل، فضلاً عن أن القائمين على شؤون المسرح، يتلقون تكوينهم بهذا الميدان منذ نعومة أظفارهم على أيدي آبائهم وأجدادهم.

أولويات وطنية

تلعب اللعب والدمى دوراً كبيراً في تكوين شخصية أطفال روسيا الاتحادية، ولذلك تدخل لعب الأطفال في كثير من مدنها وقراها، حيث تعد من الأولويات الوطنية، وفي هذا السياق، وضع مسرح الطفل منذ تأسيسه في روسيا الاتحادية هدفاً له، ليصبح بمثابة مختبر يدفع قدماً إلى الأمام عملية تطوير فن مسرح الدمى الروسي.

ومن المسارح المعروفة هناك، مسرح أوبرازتسوف المركزي للدمى الذي يعد من أكبر مسارح الدمى بالعالم، وهو فريد من نوعه، وأُدرج في الموسوعات المعروفة، بما فيها كتاب غينيس للأرقام القياسية.

بعرض «حفلة فنية عجيبة» الذي لا يفارق خشبة المسرح منذ عام 1964، افتتح مسرح الدمى المركزي، أخيراً موسمه، حين قدم مؤسس المسرح الفنان والممثل والمخرج سيرغي أوبرازتسوف أول عروضه الخاصة بالأطفال.

ذاع صيت الدمى التي ابتكرها خياله في جميع الدول، كما فتحت فروع للمسرح في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وأصبحت فيما بعد مسارح مستقلة، واستخدمت فيها التكنولوجيا ذاتها في صنع الدمى وأساليب الإخراج.

ونتيجة العمل الجبار الذي أنجزه أوبرازتسوف، انبثقت في عالم المسرح الحديث ظاهرة مسرح الدمى الذي يرتاده الأطفال والكبار على حد سواء، إذ يقدم الحكايات من أجل الأطفال بينما يقدم للكبار المسرحيات الساخرة التي تحمل توقيع كبار الكتاب المسرحيين الروس والعالميين.

تاريخ المسرح

تتألف فرقة المسرح من 12 شخصاً بقيادة أوبرازتسوف، وإبان الاتحاد السوفييتي السابق وبسبب نقص الموارد المالية وعدم وجود خشبة مسرح خاصة بهم آنذاك، كانت الفرقة تقدم سنوياً عرضين أو ثلاثة عروض جديدة من على شاحنة تجوب بهم مختلف المناطق ليشاهدها الجمهور، وكان من أشهرها عرض «علاء الدين والمصباح السحري» و«جيم والدولار» و«قطر الندى» و«حفلة فنية عجيبة». تأسس مسرح أوبرازتسوف المركزي الأكاديمي للدمى في 1931.

وترأسه منذ اليوم الأول له سيرغي فلاديميروفيتش أوبرازتسوف، وانتقل في 1970 إلى وسط موسكو، حيث يعتبر نموذجاً لكل مسارح الدمى الثابتة في العالم، وتزين واجهته ساعة حائط موسيقية، تتحرك فيها على رأس كل ساعة هياكل لحيوانات مختلفة، وأصبحت ساعة الحائط رمزاً للمسرح.

يعمل المشاركون في هذا المسرح 6 أيام بالأسبوع، ويتقاضون نصف أجر، فيعادل متوسط رواتبهم أقل من 430 دولاراً، وهو مبلغ ضئيل في المدينة الأغلى في العالم، ورغم ذلك، يبذلون قصارى جهدهم ليُنجحوا العرض، ويعتبرون أنفسهم ممثلين، وتقول أليكساندرا غوربونوفا، 60 عاماً: «ما زلت أؤدي دور فتيات صغيرات ولا يراني أحد مسنة أو جدة. هذا مذهل حقاً».

في متحف المسرح تم جمع باقة من الدمى الفريدة، تمثل حقباً تاريخية مختلفة في العالم، ويضم ريبرتوار المسرح، ومسرحيات للأطفال وللكبار، وقد زاره خلال العقود الماضية ملايين الأطفال والكبار والعشرات من رؤساء الدول والمشاهير. في هذا المسرح الذي يرجع إلى 77 عاماً مضت، يبدو المشاهدون الأكبر عمراً وكأنهم يبحثون عن جزء من شيء لا يزالون يتذكرونه.

فعندما تدخل أروقته، يطالعك ضوء أبيض دافئ يتهاوى على صالة مسرح يكتظ بالمشاهدين، يستمتعون بعالم من الألوان الزاهية والخيال النابض الذي تلفه الأصوات العالية.