استقبلت الغاليريهات في مجمع السركال بمنطقة القوز في دبي، أول من أمس، جمهورها من عشاق الفنون، الذين توافدوا بالمئات من دون توقف حتى وقت متأخر، بافتتاح معارضها التي تشكل بتنوع تياراتها الفنية وثقافة بلدان فنانيها، بانوراما للفن المعاصر في الشرق والغرب، ابتداء بالفن التشكيلي الكلاسيكي إلى المفاهيمي والتركيبي، ووسائط الفنون البصرية الحديثة كالتصوير الفوتوغرافي والفيديو وغيرها، وليكتسب الزوار إلى جانب استمتاعهم بالمشهد الفني، معرفة بثقافات وبيئة بلدان، ربما لا يخطر على بالهم زيارتها في يوم ما.

منصة الفنون
تنطلق الجولة بين المعارض من منصة «إيه 4» التي تعتبر إحدى مبادرات المجمع وهي بمثابة محطة للقاء الفنانين والحوار أو عرض أعمالهم أو قضاء وقت بمفردهم في المكتبة العليا. وجمعت المنصة في هذه الأمسية بين معرضين أحدهما للملصقات الفنية، وآخر للتشكل إلى جانب الموسيقى والغناء، ما أضفى جواً من الألفة العائلية بين الحضور.

«ما بعد الطوفان»
وبالخروج من المنصة يتجه الزائر إلى الغاليري الأقرب «غرين آرت»، التي تقيم معرض «ما بعد الطوفان» للفنان المخضرم السوري إلياس زيات «1935»، الذي يعتبر من رواد حركة الفن الحديث في سوريا. ويتملك الزائر من خلال معايشته لأجواء اللوحات في جولته الأولى، أنه يحلق في عالم التاريخ والأسطورة، ليتوقف في جولته الثاني، ويمعن النظر في رموز وتفاصيل كل لوحة، التي تروي كل منها فصلاً من قصص الحضارات، التي تعاقبت على سوريا، وتحديداً من مدينة تدمر، التي صمدت في وجه حضارة الرومان.

ويعود الزيات في معرضه إلى حضارات أخرى قديمة، وإلى قصة الطوفان المذكورة في كتب الأديان السماوية، لإعادة بناء العالم، والأمل بمفرداته الفنية وأسلوبه الانطباعي القريب من الانطباعية السحرية بين الطير، وغصن الزيتون ولباس المحارب والنسيج، الذي يتحول بشفافيته ورقته إلى خفة تفوق الجاذبية وبألوان تحمل إحساس خامة الحجر وخطوط فحم تشكل عمقاً درامياً، له وقعه في النفس.

نبض الشباب
وينتقل الزائر من عمق بحور التاريخ وثمرة الإبداع الفني، إلى محيط معرض الفنانة المقيمة الشابة السورية أيضاً نور بهجت في غاليري «أيام»، ليلمس نبض الشباب في أعمال نور، التي تدفع أعمالها إلى طرح العديد من تساؤلات الحياة المعاصرة، التي ارتبطت في السنوات الأخيرة بهاجس الموت والفقدان وغياب إيقاع الزمن، وشخوص لوحات نور تربك المشاهد بجرأة نظرتها الصريحة، التي توازي جرأة الفنانة في الرسم، وعلاقتها بالألوان ومعالجتها.

تباين وتقارب
وفي جزيرة غاليري «موجو» يعيش الزائر في أبعاد الفن المفاهيمي مع فنانين جمعتهما تقنيات ما بعد الحداثة، وفرقهما تباين جغرافية القارتين آسيا وأفريقيا. اعتمد السنغالي تشيكو با في ترجمة رؤيته الفنية على الخامات الأساسية البسيطة المستخدمة في حياتنا اليومية كالأزرار والأسلاك وبقايا قطع معدنية، ليقدم منحوتات أشبه بدمى الأطفال تمثل مواقف حياتية بأسلوب الكوميديا السوداء. بالمقابل اعتمد العراقي سيروان باران على الريشة واللون في ترجمة إحساسه الفني، الذي أول ما يلفت انتباه الزائر إليه، الألوان الحيوية والبديعة المطلة من لوحاته ليدخل لاحقاً في تفاصيل مضمون اللوحة التي تعيد إلى الذهن العبارة الشهيرة «حملان في غابة الذئاب»، وتكمن خصوصية أسلوبه كما يتجلى في لوحاته الضخمة في جرأة علاقته مع امتداد مساحة الفراغ التي يكسرها إما بقوة اللون في الجهة المقابلة وإما في خطوط هندسية دقيقة.

عمق الرومانسية
ويعود الزائر إلى أجواء الرومانسية الحالمة مع لوحات الفنانة البيروفية ليز راموس في معرضها الفردي «العمق» بغاليري «فن ديزاين». ويتميز أسلوبها في الرسم بالواقعية السحرية التي اشتهرت بها أميركا اللاتينية، ولترسم شخوص نسائها كما الرسوم المتحركة. وتأخذ كل لوحة الزائر إلى عالم مختلف تتداخل فيها الطبيعة مع إيقاع الحياة اليومية، بتقنية عالية واهتمام بأدق تفاصيل اللوحة، ما يعكس تمكن ليز من أدواتها الفنية. ومن خصوصية أسلوبها أيضاً الرسم على ألواح خشبية، والاعتماد على الخطوط الرئيسة في اللوحة مع تقشف في استخدام الألوان، ما يزيد من حساسية المشهد الفني وجمالياته.

حدة التأثير
ويتعرف من خلال معرض المصورة الفرنسية الإيطالية ما تيلد غاتوني في غاليري «غلف فوتو بلاس»، على البيئة التي تعيش فيها النساء العاملات في أكثر من 35 بلداً من العالم الثالث والموزعة ضمن أربع قارات. وبينما تعكس بعض الصور جمالية الطبيعة والحياة، فإن البعض الآخر يروي بصمت مأساة حياة كاملة، مثل صورة التقطها في أفريقيا، ليتضمن كادر الصورة جذع امرأة تحمل بطة سوداء وبجانبها طفلة وهما تسيران في طريق ترابي. وتعكس الصورة حدة بؤس الحياة، فالبطة في حالة مزرية من الجوع كما صاحبتها التي لا يظهر وجهها كذلك القطة في الخلفية، التي تبدو كونها هيكلاً عظمياً.


بروحها ونسبها

ويتكشف للزائر خلال زيارته معرض الفنانة الأميركية أوليفيا بندرغاست، كيف يحول عشق الإنسان للمكان إلى ابن بيئته الجديدة، فالزائر لمعرضها يترك الانطباع أن الفنانة أفريقية بروحها ونسبها، لتشبع ألوانها بتربة وشمس الأرض الأفريقية كذلك أسلوب رسمها للنساء بقاماتهن الممشوقة مع المبالغة في تضخيم الجسد مقابل ضمور حجم الرأس، والأهم تلك النظرة التأملية العميقة لنسائها على الرغم من غياب رسم تفاصيل الوجه، ما يعكس روح الفنان في العمل.

المفاهيمية
وعودة إلى الفن المفاهيمي والتركيبي في المعرضين: «المسافة ما بين بين» بغاليري إيزابيل فان آيدن للفنانة الألمانية الإيرانية الأصل هالة ردجيان، التي لعبت في تشكيلاتها الهندسية على الخيوط من مثلث إلى شراع، وغير ذلك، أما المعرض الثاني فهو «روح بسواد خفيف» للفنان البلجيكي آنو بغاليري «ناسيونال»، الذي يجتاح السواد في معرضه العديد من تفاصيل حياتنا من السكاكين إلى الأكواب وعلب الطعام البلاستيكية، وصولاً إلى لوحات الجدار.