المصورون الفوتوغرافيون أشخاصٌ يتميّزون بحدة ذهنهم ودقة ملاحظتهم التي تلازمهم طوال الليل والنهار، إنّ عقولهم تعيش في يقظة واستعداد دائمين، وكأن مهمة «معالجة الأحداث والمشاهد والأفكار» لا تتوقّف داخلها أبداً. إن الوقود الذهني الرئيس للمبدعين، هو محرّضات الإلهام، أياً كان نوعها ومصدرها، وبدون هذا الوقود، يقع المبدع في فخ الإنتاج الباهت أو المكرّر، أو المتشابه، على أحسن الأحوال، وقد يُصاب بحالة من الكسل أو الإحباط وزعزعة الثقة بالنفس.

إن المبدع هو الأدرى والأعلم بما يشحذ طاقته، ويلهمه بأفكار مشاريعه القادمة ومخطّطاته المستقبلية، وإذا شعر أحد المبدعين بغياب هذه الصفة فيه، ففي الغالب أنه يعيش في حالة متوهّجة من الإلهام والطاقة دون أن يدرك، لكنه مُعرّضٌ لانتهاء هذه الحالة فجأة، وبالتالي، ستكون قدرته على استعادتها معدومةٌ تقريباً.

على مرّ التاريخ، برزت العديد من «مصادر الإلهام»، التي غيّرت حياة المبدعين، وساهمت في تخليد ذكراهم وإثراء تجاربهم، التي قدّمت قيماً معرفية ثمينة للبشرية، لكن من يدقّق في سير هؤلاء، يجد عاملاً مشتركاً، يشمل الجميع تقريباً، ألا وهو التجوّل بقصد الاستكشاف، فلطالما شكّلت قارات العالم حافزاً قوياً، بما تحويه من تنوّع فكري وثقافي وحضاري وتاريخي، وأيضاً من حيث الطبيعة والتضاريس والعجائب، وغيرها من العناصر التي تستهوي المبدعين وخاصة أولئك الذين يعتبرون الكاميرا سلاحهم الرئيس، حيث يجدون في السفر والترحال، واكتشاف عوالم جديدة، وقوداً حقيقياً لإبداعهم، ومصدراً لإلهامهم ومخزونهم المعرفي ورصيدهم الثقافي، وتجارب بصرية تضيف لهم الكثير.

أصحاب العدسات المسافرة، غير متشابهين من حيث الاستهدافات البصرية خلال رحلاتهم، فهناك العديد من المصورين العرب، وبخاصة من الخليج العربي، تميّزوا بالصورة السياحية التثقيفية، ونعني بذلك، الصور الساحرة الجمال لبعض المناطق السياحية البديعة، والتي تلعب دوراً تشويقياً كبيراً للمشاهد، ومعها معلومات دقيقة وهامة عن المنطقة الملتقطة منها الصورة، تتحدّث عن طبيعتها وطقسها وسكّانها، وأفضل الأماكن فيها للسكن، وطرق التنقّل وطرق الوصول لها، وغير ذلك.

نوع آخر من المصورين، يبدع في الغوص عميقاً في الثقافات البشرية لبعض المناطق، من حيث عاداتهم وتقاليدهم في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، والطقوس الدينية والاجتماعية والمهنية، من حيث علاقتهم بالأرض والنباتات والحيوانات ومعتقداتهم حيال ذلك أيضاً.

المصور الحقيقي تتضاعف حواسه عدة مرات، عندما يزور مكاناً جديداً، كي يضمن أنه يقوم بملاحظة كل شيء وفهم كل شيء، وربط جميع تلك العناصر بعضها ببعض، كي يُنتج أعمالاً فوتوغرافية ترضيه وتبهره، حتى قبل أن تصل للمشاهدين.

 

فلاش

السفر انتعاشٌ استثنائيّ لتجربة المصور الفوتوغرافي

جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي

www.hipa.ae