يشعر الزائر لدى دخوله معرض «خطوط في الرمال» في غاليري «ليلى هيلر» بمجمع السركال في منطقة القوز بدبي، بشيء من الرهبة أمام ضخامة لوحات الفنان الصيني الأصل والمقيم في بريطانيا غوردن تشوانغ، ومضمونها الملحمي وأسلوبه وتقنيته في رسم مشاهد الطبيعة والسهول، حيث ينتابه شعور بالضآلة أمام الصخور والهضاب العملاقة في أعماله.
وما يزيد من الإحساس الدرامي الذي يتملك الزائر، الأجواء الغرائبية لبرارٍ توحي بالعزلة أو المنفى، كذلك تغريبة ألوانه الوحشية إلى جانب غموض وضبابية الرؤية بين تضاريس جغرافية كل لوحة، كما لو أنها تخفي تنيناً نائماً. ومثال على ذلك لوحته الثلاثية «ألف هضبة» التي رسمها العام الجاري بارتفاع مترين وطول أربعة أمتار ونصف.
كثافة الألوان
ويتجاوز الزائر حاجز الرهبة باقترابه من تلك الجدارية والتمعن في تفاصيلها والمؤثرات البصرية، ليدرك استخدام الفنان لعدة وسائط في بناء اللوحة، والتي تشكل خلفيتها بالمجمل أوراق صحف انجليزية محورها المال والاقتصاد والتي تشف عبر الألوان، ومن جهة أخرى استخدامه الرمل وحجر الخفاف المجوف المستخدم في الصقل، مع كثافة الألوان وبروزها في بعض الهضاب القريبة.
كما تحاكي أرضية أسفل هذه اللوحة الواقع بطبيعة الرمال وتعريجاتها لتبدو كما لو أنها فخ تجذب فيه بصر الزائر إلى عمق يصعب العودة منه إلى ما كان عليه، فلا يعرف إن كان يدخل في بعض الأركان، غابة مسحورة أو مملكة المارد أو الضباب لمتاهة لا قرار لها. ومن يبحث عن مزيد من المعلومات حول هذا الفنان، يجد مقالات كتبت عن رؤية الفنان الاقتصادية أو السياسية عبر لوحاته.
والتي بالغوا في تفاصيلها ما بين الرأسمالية والامبريالية وغيرها، مما يقتل جوهرها الفني. وربما الوصف الأقرب لدراما مواضيعها هو المدينة الفاضلة وعكسها.
الزهور والثيران
ويتبدل الحال لدى الوصول إلى لوحتين لباقة من الزهور في مزهرية من الخزف الصيني، حيث تتوهج تلك الزهور بوميض كهالة تحيط بها، لنجد تناغم الأرضية مع خلفيات اللوحات الأخرى بخشونة أرضيتها الرملية لصحراء مترامية الأطراف.
وينتقل الزائر بمزاج مرح إلى زمن رعاة البقر وترويض الخيول، من خلال مجموعة من اللوحات استخدم فيها كثافة تقنية الألوان النارية لإبراز ديناميكية حركة الثور المتمرد على مروضه، ويتجلى فيها قدرته على التقاط قوة وعنفوان الصراع بينهما، بألوان تميل بتركيبها إلى ألوان طبيعة الغرب والتي يغيب عنها اللون الترابي.
ولادة الفكرة
ولدى قراءة الزائر لنبذة عن تشوانغ في نهاية جولته يدرك أن النقاد لم يبالغوا حينما وصفوه بأنه من ضمن أبرز الفنانين في بريطانيا وأكثرهم براعة وطموحاً.
ويصف تقنية أسلوبه في إحدى المقابلات قائلاً: «أبدأ من فكرة ضبابية في عقلي والتي استلهمتها إما من فيلم أو رواية أو حتى حوار، أو نبض لحدث ما. ومن ثم أبحث في الإنترنت عن صور عديدة لجبال أو أشجار وأبدأ بتصنيفها، لتشكل الوحدة البصرية للوحتي القادمة، ومن ثم أسحب هذه الصور إلى برنامج معالجتها فوتوشوب لأبدأ ببنائها ضمن سياق حكايتي».
تجربة
تخرج غوردن تشوانغ «1975» في الكلية الملكية للفنون، وبدأ عام 2001 بعرض أعماله على مستوى عالمي وكان من ضمن أكثر الفنانين طموحاً ورغبةً في التطور بالمملكة المتحدة.
كما قدم معارض فردية في نيويورك وبريطانيا أما معرضه الفردي الأول في الولايات المتحدة فكان في متحف جامعة ولاية أريزونا عام 2010، كما اقتنيت أعماله من أكبر المتاحف مثل متحف هيرشورن وويت وورث وغيرها.