يشهد تاريخ الإمارات على الكثير من المعالم المعمارية التي توثّق تاريخ المنطقة وتروي سيرتها القديمة بالقلاع، والحصون، والقصور التي لازالت حتى اليوم صامدة رغم مضي مئات السنين على تشييدها، فلا يمكن المرور على واحدة من الإمارات السبع إلا وكان الزائر على موعد مع معلم تاريخي قديم، يحفظ ذاكرة المكان ويسرد سيرته.

واحد من هذه الشواهد المعمارية الراسخة قلعة المريجب الشهيرة، التي تعد واحدة من أقدم القلاع الست في مدينة العين، إذ توثّق لمرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة، وتكشف عن التحولات الاجتماعية، والسياسية التي مرت بها المنطقة خلال القرنين الفائتين.

تعود تسمية القلعة بـ»مريجب« أو »مريجيب« إلى اللهجة المحلية الدارجة التي تقلب القاف إلى الجيم، فالأصل فيها هي المريقب، أي المراقب، وهو اسم يحمل الدلالة الوظيفية للقلعة، إذ شيدت بالأصل للمراقبة.

معلم تراثي

تختلف المصادر والمراجع حول تاريخ بناء القلعة، فترد بعض الدراسات التي تؤكد أنها بنيت في العام 1813، فيما يذكر عدد من الباحثين أنها بنيت عام 1816..

وتذكر مصادر أخرى أنها بُنيت في العام 1830، فلا يتفق الباحثون على تاريخ محدد لبناء القلعة، إلا أنهم يتفقون على أن الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان شيدها في بدايات القرن 19 لتكون حصنا للدفاع عن المنطقة، ومكاناً لإقامته، واستضافة أصحاب المقامات الرفيعة، وحماية موارد المياه المحلية.

لا تشكل القلعة معلماً سياحياً تراثياً يكشف جانباً من تاريخ المنطقة المعماري وحسب، وإنما تتعدى ذلك لتصبح سيرة موجزة لتاريخ المنطقة الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، والحربي، فالقلعة مرت بمراحل عديدة منذ تشييدها، وتنوعت مهامها، ووظائفها، حتى بات الحديث عنها حديثاً عن تاريخ مدينة العين بأكملها.

ليس ذلك وحسب فالمعاين للشكل المعماري الذي قامت فيه القلعة، يجد الكثير من العلامات التي يمكن من خلالها الوقوف على ثقافة البناء والعمارة التي عرفتها المنطقة قبل أكثر من مئتي عام، فالقلعة بنيت على مساحة 170 متراً مربعاً وبارتفاع أكثر من أحد عشر متراً، وتقع بين منطقتي المسعودي، والقطار.

ويكشف تصميمها الداخلي والخارجي، والخامات المستخدمة في معمارها الكثير من الدلالات المتعلقة في شكل الحماية المطلوب، وعدد سكان المنطقة في تلك الفترة، إلى جانب الموقع الاستراتيجي الذي تحتله، فالقلعة مزودة ببرجين منفصلين أحدهما يقع إلى جهة الشمال الغربي وهو مربع القاعدة ويستخدم للمراقبة، والآخر يقع في الناحية الجنوبية الشرقية من المبنى الرئيسي.

وتشترك القلعة في مواد بنائها، وتصميمها مع الكثير من القلاع والحصون التي شيدت في الإمارات، خلال القرن التاسع عشر، إذ استفاد المعماري المحلي من المواد المتوفرة في بيئته، فاستخدم الطين، وسعف النخيل، وجذوعه، وظل شكل المعمار الحربي المحلي قائماً على الأبراج وشكل القلاع والحصون التي تتيح الرصد والمراقبة لتوفير الحماية.

ترميم

تنوعت وظيفة القلعة مع مرور الزمن، فلم تعد قلعة بما تشتمل عليه من الجانب الحربي والعسكري وحسب، وإنما تنقلت في دورها على مهام عديدة، فهي إلى جانب شكلها المحصن، والبرجين اللذين يشكلان مركز حمايتها، تشتمل على ست وستين غرفة للإقامة. وشهد بنيان القلعة طوال تلك السنوات العديد التصدعات، والتآكل في الجدران، فعملت الجهود الرسمية على ترميمها مع بداية السبعينات، وأنشأت بلدية العين حديقة في محيط القلعة، لتصبح اليوم معلماً سياحياً يوثق تاريخ المكان وساكنيه.