إذا ساقتك قدماك للتوجه إلى كهف هانغ سن دونغ في أدغال فيتنام فتذكر أنك في أكبر كهف في العالم تم اكتشافه عام 2009. بهذه الكلمات بدأت الأخوات الثلاث ريم ونورة ومهرة الملا، حديثهن بعد رحلة قضينها في الكهف وأصبحن ضمن 500 شخصية على مستوى العالم وطئت قدماها أرض الكهف.
تقول ريم التي تخرجت أخيراً في جامعة جورج مايسون في العاصمة الأميركية واشنطن، وتحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وريادة الأعمال: رتبنا الرحلة بأنفسنا، ولم نجر التجهيزات اللوجستية فحسب، بل هيأنا أنفسنا أيضاً من الناحيتين الذهنية والجسدية، نظراً لصعوبة الرحلة. وتضمن جدولنا اليومي ممارسة التمارين الهادفة لرفع مستويات القدرة والتحمل والقوة، مثل العدو والسباحة والتسلق وألعاب الجمباز وغيرها من التمارين.
الرحلة بدأت بمجرد وصولنا إلى «فونغ نها ني بانغ»، حيث التقينا المجموعة التي أمضينا معها الليالي الخمس التالية. وبدأنا رحلة السير على الأقدام متنزه «فونغ نها ني بانغ» الوطني، والذي حددته منظمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي، لمسافة عشرة كيلومترات، تخللها صعود الهضبات وعبور الأنهار ومشاهدة مناظر خلابة. وعبرنا من قرية اسمها «بان دوونغ»، تسكنها أقلية من السكان يقارب عددهم 30 فرداً، وكان القرويون ودودين جداً ورحبوا بنا.
وقضينا بعض الوقت باللعب مع أطفال القرية وتعلم جمال نمط الحياة البسيط.
ووصلنا بعد يوم طويل وشاق إلى كهف «هانغ إن»، حيث أمضينا ليلتنا الأولى. وكان في الكهف تجمع مائي يماثل الشاطئ، استحممنا به وحصلنا على جلسات للعناية بالأقدام قدمتها لنا الأسماك التي تعيش في الماء. وفي الليل أخذنا قسطنا من الراحة وتناولنا وجبة العشاء.
وبدأنا صباح اليوم الثاني بتناول وجبة فطور فيتنامي تقليدي، حساء «فو» مع عصائب (نودلز) البيض، وشحنا طاقتنا لمواجهة الدرب الطويل إلى كهف «سن دونغ». وتسلقن تضاريس منحدرة لنصل إلى مدخل الكهف، وهناك ازدادت رحلتنا صعوبة.
استخدمنا الحبال لنهبط هوة عميقة مسافتها ثمانين متراً، ودخلنا أعماق الكهف المظلم، واستمتعنا بقية اليوم في تسلق الصخور الضخمة دون استخدام الحبال. وفي بعض الأحيان، وجدنا أنفسنا محشورات في أنفاق صغيرة الحجم، كما سرنا في ممرات ضيقة محاطة من أحد جانبيها بهوة عميقة يسودها الظلام.
ولم نكن معتادات على عملية تسلق الصخور الكبيرة دون استخدام الحبال، ما زاد من صعوبة الأمر، ومع بعض الممارسة، أصبحنا قادرات على تخطي الصخور الكبيرة بمهارة.
تضاريس فريدة
وقضينا اليومين التاليين في استكشاف هذا الكهف المذهل وتضاريسه الفريدة، ووجدنا فيه مجموعة من المخلوقات الفريدة من نوعها، كالحشرات البيضاء، والأسماك التي لا عيون لها، إلى جانب لآلئ الكهف. وقد بدت بعض المناطق داخله وكأنها مشهد محضّر لفيلم سينمائي حول الأدغال، فيما شعرنا في أجزاء أخرى من الكهف بأننا على كوكب آخر. وكان الظلام دامساً داخل الكهف، وبالتالي كانت الأضواء المثبتة على رؤوسنا المصادر الوحيدة للإضاءة، واستمتعنا في التخييم تحت فتحتين في سقف المغارة، كانتا تسمحان بمرور القليل من الإضاءة.
وفي اليوم الأخير، كنّا متحمسين للعودة إلى أشعة الشمس وأن نأخذ حماماً لائقاً ونرتدي الملابس النظيفة. ولا شك في أن اليوم الأخير كان أكثر الأيام مشقةً، وتوجب علينا تسلق هضبة شديدة الانحدار في درجات حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة مدة ساعتين قبل أن نصل إلى خط النهاية، ولا يسعني أن أصف الفرحة العارمة التي اعترتنا عندما وصلنا إلى هناك، وشعرنا أن تمكنا من تحقيق أعجوبة.
تحد
نورة الملا خريجة إدارة المبيعات من طيران الاتحاد في كوالالمبور بماليزيا، قالت إن تأثير الرحلة كان عظيماً عليهن، فقد تعلمن أموراً لم يتوقعنها، إذ اعتقدنا أن هذه الرحلة ستشكل نوعاً من التحدي لقوانا الجسدية فحسب، إلا أن هذه التجربة علمتنا أن نواصل المضي قدماً على الرغم من ازدياد الصعوبات والمشاق، كما تعلمنا أشياء جديدة عن أنفسنا وعن بعضنا الآخر، وأدركنا أنه بوسعنا بلوغ أماكن قد تبدو مستحيلة للوهلة الأولى.
وكان لهذه الرحلة فائدة أخرى بحسب الشقيقة الصغرى مهرة 21 عاماً، وهي الابتعاد عن الأشياء التي تلهينا في حياتنا اليومية، مثل الأجهزة الإلكترونية والتقنيات. ولا شك في أن مكوثنا أسبوعاً في وسط الأدغال وداخل الكهف من دون أي اتصال بالعالم الخارجي، ساعدنا على التركيز على الأجواء والبيئة التي أحاطتنا، والتأمل في خلق الل،؛ لقد استمتعنا في كل لحظة وحظينا بفرصة لممارسة التأمل في أجواء يسودها السكون والإضاءة الخافتة.
اجتياح
يسمح بدخول الزائرين الكهف في الفترة بين يناير وأغسطس ويغلق في الشهور الأخرى بسبب خطر اجتياح الفيضانات للمنطقة. ويبلغ طول الكهف نحو 9 كيلومترات.