في عام 1985، كتب الألماني باتريك زوسكيند رواية «العطر» المحملة بعطور وروائح عوالم باريس السفلية، وقد دفع سير أحداثها البطل غرونوي المفطور على حاسة شم عجائبية، ليقتبس أكبر قدر من الروائح الموجودة ويستخلص عبقاً خاص. ولعل الدافع البحثي لم يكن هم البطل يومها أكثر، بل رغبةً لإرضاء الذات، غير أن ما توصل إليه باحثون في جامعة ليون أخيراً، بالمكان ذاته الذي دارت فيه أحداث رواية العطر، في فرنسا، يلقي بظلال من الواقعية على منبع العطر، وأصل الرائحة الأزلية، من خلال اكتشافهم (الجين) الذي يساهم جزئياً في منح الوردة عبيرها، بعد أكثر من عقد من الأبحاث.

رائحة كلاسيكية

ويطرح الاكتشاف مسألة استعادة الرائحة الكلاسيكية للورود التي فقدت رائحتها، حيث إن معظم أسواق بيع الزهور التجارية تستهدف بيع الورود لغرض جمالي بحت، ولقدرتها على العيش طويلاً. وتغفل تلك الأسواق عن مسألة الصفات التي قد تفقدها الوردة بعد الزرع، كالرائحة. ومن هنا يأمل الباحثون بمساعدة أصحاب المشاتل والقائمين على زراعة الورود في استعادة أريج الزهور، وتنشئة ورود عطرية أكثر. وذكرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أن الفريق البحثي بقيادة سيلفي بودينو عمل على مقارنة جينات نوعين من الورود المختلفة تماماً، وهما نوع من ورد الجوري قوي الرائحة، والنوع الآخر برائحة قليلة. وينتج النوع الأول مستويات عالية من المركبات العضوية التي تدعى «مونوتربرينس»، وهي جزيئات عطرية توجد العديد من الروائح الطبيعية المعروفة، كالنعناع.

إنزيم

وأظهرت بتلات النوع الأول تعبيراً لجين واحد على وجه الخصوص، يدعى «RhNUDX1»، معروف في الكائنات الحية الأخرى بإنتاجه الإنزيم الذي يساعد الخلايا على التعامل مع الإجهاد. وتساءل الباحثون حينها عن إمكانية مسؤولية ذلك الانزيم عن انبعاث «مونوتربرينس» في الورود.

واستمرت التجارب بسحب الفريق الفرنسي إنزيم « RhNUDX» من مجموعة من الورود، ليجدوا أن الرائحة بالكاد انبعثت من الزهور الجديدة. وبعد عدة تجارب خلص الباحثون إلى أن الزهور التي تنتج الإنزيم السابق تفوح منها رائحة عطرة، في حين أن تلك التي لا تزخر به ينقصها الأريج المميز.