في نظرة على المشهد العام السينمائي نجد أنه لا يخلو أي موسم من مواسم العرض من مثل هذه النوعيات من أفلام الـ«بوب كورن»؛ الخالية من أي دسامة فكرية قد تحرك عقل المشاهدين أو تعالج وتسلط الضوء على قضاياهم، قد غزت دور العرض بأغانيها الهابطة وقصصها المهلهلة الخالية من أي فكرة ناضجة.

فلم يعد الإعلان عن طرح فيلم جديد بالسينما يقتصر فقط على تعليق الأفيشات في الشوارع، وبث مقاطع من الفيلم عبر شاشات التلفزيون، بل أصبح يعتمد، وبشكل أساسي على مجموعة أغانٍ هابطة يقدمها بعض الممثلين والمغنين الشعبيين، الذين يصدمون بها الجمهور لما تحتويه من كلمات غير مفهومة وألحان تهبط بالذوق العام، مع الاستعانة براقصة تتمايل على إيقاعات تلك الأغاني.

إقحام مفتعل

الأعمال السينمائية للمنتج السبكي غالباً ما تحوي أغاني مقحمة داخل أحداث الفيلم، حتى أصبحت العدوى منتشرة في معظم الأفلام فيما بعد، فالأغنية الشعبية هي العمود الأساسي الذي يبنى عليه العمل، بغض النظر عن الصوت الذي يقدمه، فتجد الفنان محمد رمضان يقدم الأغاني في معظم أعماله رغم عدم تمتعه بصوت جيد، وكلمات الأغنية في الغالب يتم الاستعانة بها من قاموس شعبي غير مفهوم عند الكثيرين، بالإضافة إلى الألحان التي تعتمد بشكل أساسي على الرقص.

بين الأمس واليوم

في جولة سريعة حول الأفلام القديمة وأغانيها، وما هو موجود حالياً، نرى أن الأفلام القديمة كانت تحوي استعراضات وأغاني مميزة تحمل بين طياتها معاني جميلة وألحاناً أخاذة، فلا يمكن نسيان أغنيات فيلم «معبودة الجماهير» مثلاً، أو «شارع الحب»، فبسهولة عند سماعك هذه الأغاني تتذكر الحدث الدرامي الذي استلزم غناءها داخل الفيلم، ومن دون أن يؤثر ذلك في نجاح الأغنيات الأخرى.

وجهة نظر

يقول حسن الرداد: «هذه النوعية موجودة منذ 10 سنوات تقريباً، والجمهور العربي يحمل العديد من الثقافات والطبقات المختلفة، لذلك من الطبيعي أن تجد جمهوراً لهذه النوعية، وللعلم أنا لا أدافع عنها، فأنا لست من جمهور هذه النوعية، ولكني أنقل وجهه نظر السوق».

وأضاف: «الناس اليوم تعاني كبتاً، لذلك تبحث عن الترفيه والأفلام الخفيفة نوعاً ما، واعتبر فيلم «زنقة ستات» عملاً كوميدياً وقد حقق نجاحاً كبيراً منذ عرضه في دور السينما». أما هند صبري فتؤكد أن الأعمال الهادفة ينتظر الجمهور عرضها والدليل على ذلك الإيرادات الكبيرة التي حققها فيلم «الجزيرة2»، مشيرة إلى أنها متفائلة الفترة القادمة من وجود أفلام تحمل قصص عميقة.

فلسفة الأفلام

أما الفنان خالد أبو النجا، فقال: الأفلام ليست فقط للتسلية، ولكنها لابد أن تحمل عمقاً وفلسفة، فلا أستطيع أن أقدم عملاً سينمائياً لمدة ساعتين ولا يخرج منه المشاهد وهو يحمل فكراً أو مضموناً، أو معنى مهماً يجسد الحالة التي نعيشها، ففي فيلم «فيلا 69» تجد الرجل المسن الذي ينتظر الموت، ولديه آراؤه التي يغلق عليها الباب، وليست قابلة للنقاش، ولكنه لا يشعر بالسعادة إلا بعدما يعطي ويفتح قلبه لحفيده.

وهذه هي الرسالة الواضحة في كيفية تحول هذا الرجل من رجل إقصائي إلى حد كبير، ويرفض الاستماع للآخرين إلى رجل معطاء ويتقبل الآراء الأخرى، والإنسان لا يشعر بوجوده وفائدته في الحياة إلا بالعطاء والحب، فهو لم يشعر بأهمية حياته إلا بعدما دخل حفيده في حياته.

أفلام الكبار

تفضل نجلاء بدر تقديم نوعية هذه الأفلام التي تحوي قصصاً عميقة مثل فيلم «قدرات عادية» التي قامت ببطولته قائلة: أنا على علم تام بأن أفلام المخرج داوود عبد السيد، ويسري نصر الله ويوسف شاهين لها جمهورها الخاص بهم، وكنت أتابع هذه الأعمال وتستفزني كوني ممثلة، فهذه النوعية هي التي تبقى وتضع بصمة في تاريخ السينما، فهي غير مرتبطة بثقافة أو تعليم معين، فالسينما في النهاية تراث، فأنا كنت أعتبر فيلم «الأرض» كئيباً ولم أكن مستوعبة أحداثه، وعندما كبرت ونضجت أصبحت من عشاقه.

شهد الأبيض والأسود

تعشق شهد الياسين متابعة أفلام الأبيض والأسود، لما تحمله من قيمة فنية وبساطة، فلا تشعر بالملل من متابعة هذه الأفلام، بل تشاهدها مراراً وتكراراً، فتذكر أن رشدي أباظة كان فارس أحلامها وهي صغيرة، مشيرة إلى أن العملاق لن يتكرر مرة أخرى، والأغاني التي صاحبت هذه الأفلام حملت إيقاعاً راقياً.