لأكثر من قرن من الزمن وهم يحكمون عالم الإجرام الياباني بقبضة من حديد، ويكسبون المليارات من أعمال السلب والابتزاز والمقامرة غير الشرعية. إلا أن زعامة «ياماغوتشي-غومي»، منظمة «الياكوزا» الإجرامية الأكبر والأقوى في اليابان، تواجه انقسامات حادة في الذكرى المئوية لها، بعد سنوات طوال من التعرض لقمع الشرطة والخضوع لقيود اقتصادية بما يزيد من منسوب القلق حيال اندلاع حروب عصابات دموية واسعة في البلاد.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، في تقرير صدر أخيراً، عن انتشار أخبار حول خلافات عميقة تسود أوساط منظمة «ياماغوتشي-غومي» مع سيد الجيل السادس للعصابة. وقد أدى ذلك إلى نشوء منظمة منافسة يقع مقرها أيضاً في قلب اليابان.

ويشير الخبراء إلى أن حالة الشقاق تلك تعكس مدى قسوة الأوضاع التي تواجه أعضاء «الياكوزا» عقب تبني قوانين مناهضة للعصابة، أدت إلى خفض مستوى العائدات. ويجد أفراد المنظمة الإجرامية صعوبةً أكبر في جني الأموال من المصادر التقليدية، مثل حماية المضاربين.

وقال يوشيايكي شينوزاكي، المحامي صاحب العقود من الخبرة في محاربة الجريمة المنظمة: «فرضت أعمال الدهم على المنظمات الإجرامية على جميع المستويات، بما خنق مصادر تحصيلها للأرباح».

تصاعدت، مع امتداد السنوات، وتيرة موقف الرأي العام الرافض للياكوزا، وبات المضاربون مرهوبي الجانب من قبل المؤسسات اليابانية، وبدأوا ابتزاز الأموال بفعل التهديد بإفشاء المعلومات السرية أثناء اجتماعات المساهمين.

ووصف يوشيهيدي سوغا، المتحدث باسم الحكومة اليابانية، المؤشرات الأخيرة على الاضطراب الحاصل في أوساط منظمة «ياماغوتشي-غومي» بأنه فرصة مواتية لإضعاف المجموعات المتناحرة.

وأكد مسؤول الشرطة في مدينة كوبي، إيشيرو كومي، أن السلطات ستعمل على تقويض المنظمات :«من خلال عمليات قمع استراتيجية ومركزة تستهدف العناصر البشرية وموارد التمويل».

أما أتسوشي ميزوغوشي، الكاتب والخبير المخضرم في حقل الجريمة المنظمة، فقال إن هناك عنصرين أساسيين يقعان في صلب الخلاف المستحكم بمنظمة «ياماغوتشي-غومي» الإجرامية، أولهما مشاعر السخط المنتشرة بين المجموعات حيال الأموال التي تذهب لقيادة المنظمة، وثانيهما المزاعم التي تشير إلى عمل قائد المنظمة الحالي كينيشي شينودا البالغ من العمر 73 عاماً على تدعيم نفوذ قبيلته ودفع مساعديه الأقربين لتولي الرئاسة من بعده.

وقال أحد أعضاء «ياماغوتشي-غومي» في حديث صحافي إن المنظمة أعلنت داخلياً في الفترة الأخيرة عن طرد أو تعليق عضوية 13 رئيساً من أصل 72 قائد مجموعة. ومن بين هؤلاء منظمة «ياماكن-غومي» الواقعة في كوبي، والتي تعتبر إحدى المنظمات القوية التي أنتجت سلف شينودا المتوفى.

ووصف المتحدث المنظمات التي تم فصلها بأنها من المنظمات «المتمرسة والعنيدة التي تحصل على مبالغ هائلة من أعمالها الإجرامية». وأضاف أن المنظمة المفصولة أطلقت على نفسها اسم «كوبي ياماغوتشي-غومي » وحددت هيكلية قيادتها الجديدة، وتعمل على مغازلة الأعضاء للانضمام إليها.

كما أن الحديث عن نقل مقر «ياماغوتشي-غومي» من قاعدته التقليدية في كوبي إلى ناغويا لم يتوافق تماماً مع منظمة «ياماكن-غومي» والمنظمات الأخرى المنتشرة في محيط كوبي وفق المتحدث.

إنها ليست المرة الأولى التي تعصف الخلافات بمنظمة «ياماغوتشي-غومي»، التي لا تزال تفاخر بعدد أعضائها الذي يناهز الثلاثة وعشرين ألفاً، يتمركز 44 في المئة منهم في اليابان وفق تقارير الشرطة. إلا أن حجم العضوية يتضاءل بالتزامن مع تراجع عدد المنظمات الإجرامية وتزعزع سيطرة شينودا.

ويقول الكاتب مبزوكوشي: «لقد ساهم الركود الاقتصادي المتمادي في قضم نفوذ الياكوزا المالي».

من الواضح أن «الياكوزا» تنقلب على نفسها اليوم، بعد أن اكتشفت أن الجريمة لم تعد تدرّ عليها أرباحاً تذكر، في ظل اقتصاد اليابان المتراخي.

ويقول الصحافي الاستقصائي جايك ألدشتاين إن العديد من اليابانيين لا يزالون يقبلون «الياكوزا» على أنها شر لا بد منه باعتبار أن «الجريمة المنظمة أفضل من الجريمة العشوائية».

نشأة

تأسست منظمة «ياماغوتشي- غومي» في مدينة كوبي اليابانية عام 1915 على يد هاروكيشي ياماغوتشي كجمعية من عمال الموانئ، لتصبح أكبر «ياكوزا» في عهد كازو تاوكا القائد الثالث للمنظمة، الملقب بالدب نظراً لاقتلاع عيني خصمه خلال المشاحنات.