لا يقل دور فن التصوير الفوتوغرافي، منذ نشأته وحتى اليوم، عن بقية الفنون التي ساهمت في تغيير الرأي العام العالمي، إما عبر الكشف عن العديد من الجوانب الإنسانية التي غفلت عنها المجتمعات، أو الارتقاء بجماليات الإبداع ليُخّلِد التاريخ نتاجها في كل مكان وأوان.

وإن كنا نعرف الكثير عن تجارب المبدعين في عالم الأدب والموسيقى والتشكيل، إلا أن معرفتنا في العالم العربي، حول ثقافة فن التصوير لا تزال قليلة. وارتأت «البيان» بالتعاون مع «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي»، تسليط الضوء في كل شهر على إحدى روائع هذا العالم، والتي تعتبر بمثابة أيقونة في عالم التصوير الفوتوغرافي، شارحة الحكاية التي تكمن خلفها وخلف تجربة المصور الإبداعية، وذلك عبر تقديم قراءة لأحد الكتب المتوافرة في مكتبة الجائزة.

كتاب

اختيارنا لهذا الشهر، كتاب «أُبهة الصحراء – خيالة السلطانية العمانية» للمصور البريطاني الجنسية هنري دلاّل، الذي يسلط فيه الضوء على جمال الخيول وارتباطها بالإنسان، راصداً معها مسيرة فرقة الخيالة السلطانية.

وعلاقة دلاّل بالخيل والطبيعة والتصوير ترجع إلى مرحلة الطفولة، حينما حصل من والده على أول كاميرا له وهو في التاسعة من عمره، وفي ذاك الوقت كانت والدته تعلمه ركوب الخيل في المناطق الجبلية التي ربطت سكانها علاقة وثيقة بخيولهم.

ودفعه شغفه بالسفر والمغامرة، إلى اكتشاف آفاق جديدة من جماليات الطبيعة وعلاقة الإنسان بالخيل، بدءاً من قبائل البدو الرّحل ووصولاً إلى الخيّالة الملكية، والتي يشركنا عبر عدسته، في التعرف على جمالياتها.

كما قدم دلال العديد من المعارض الفردية والجماعية، والتي تشمل معرضه في «معهد سميثسونيان» الذي يضم 19 متحفاً وغاليري في عدد مختلف من مدن الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى: متحف نيبال للفن، صالة غيلدهول في قلعة ويندسور ببريطانيا.. وغيرهما.

مكانة

عُرف عن المصور البريطاني الجنسية هنري دلاّل «1955» المولود في إيران، إصداره لكتب مستقلة تعنى بالجمال النادر في الحياة، من المناسبات والاحتفالات الملكية.. فإلى عوالم الطبيعة والحياة البرية، وغيرها. ولم يبخل بنشر العديد من صوره في كتب أخرى معنية بحقول متنوعة، ومن هذه الكتب: «الخيول» و«خيل المدفعية» و«القدرة» و«سحر موناكو وزهور الحدائق».

كما أنه كان من ضمن المدعوين لتصوير ملكة إنجلترا اليزابيث الثانية خلال احتفالية اليوبيل الماسي الخاص بمرور 60 عاماً على تتويجها، وذلك في قلعة ويندسور التاريخية عام 2016. وهو زميل في الجمعية الجغرافية الملكية التي أنشئت في لندن عام 1830 والمعنية بالعلم والاستكشافات، وكذا في نادي آلبين المعني بتسلق الجبال، إلى جانب كونه عضواً في مجلس أمناء «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي».

تفاصيل

ويقدم دلاّل في مؤلفه نبذة عن فرقة خيالة السلطانية العمانية، محور صور كتابه، مبيناً أنها تُعد من الفرق المتميزة على مستوى العالم. وهو أمضى معها ما يقرب من الست سنوات، حرص خلالها على تصوير أدق التفاصيل، من إيقاع حياتها اليومي وتدريباتها.. فإلى دورها على المستوى العالمي.

كما نوه بأنشطة الخيالة وأدوارها العديدة التي تشمل المحافظة على سلالة الخيول العربية الأصيلة ودمائها، وزيادة نسلها وتقديم الخدمات المعنية بالخيول والحفاظ على مستوى أدائها الجيد. ويتجلى الشغف في تعايش دلاّل مع الخيالة والخيول، في خصوصية صوره المعنية بجماليات تلك الكائنات والعلاقة القريبة بين الفرسان وخيولهم، حتى يكاد المشاهد يلمح نوعاً من التشابه في جمال العين ونظرتها، والأمثلة عديدة في الكتاب.

زينة

كما يمكن التعرف من خلال الكتاب على فن التراث العماني المعني بزينة الخيول، بدءاً من عقود الفضة التي تزين رؤوسها وجيّدها فوصولاً إلى المشغولات اليدوية ذات الألوان الحيوية المحاكة من خيوط الصوف أو القطن والمطعمة بالصدف والودع والأحجار الملونة.

ويشير الكتاب إلى الصلة الوثيقة التي تربط الهوية العمانية بالخيل، موضحاً أن لدى أبناء السلطنة قناعة بأن العمانيين هم أول من أدخلوا الأحصنة إلى منطقة آسيا الوسطى، مع الإشارة إلى أن البيئة الصحراوية ساهمت في تأصيل سلالة الخيول العربية النقية، سواء على صعيد تدريبها في الفلاة الواسعة أو تناسلها في المناطق المعتدلة كالساحل.

رياضات

تُظهر صور دلاّل الرياضات المتنوعة التي تضمها أنشطة الخيالة السلطانية، من رياضة البولو، إلى عروض قفز الحواجز والسباقات العادية أو المعنية بالقدرة والتحمل واستعراضات الأداء، منها: استلقاء أكثر من 20 حصاناً في اللحظة نفسها، استجابة لإشارة المدرب، والمهارات الأخرى، مثل: «ركض العرضه».

سلالات

تعكس صور دلاّل غنى وتنوع السلالات الفريدة ضمن هذه الخيول، والتي تشكل نسبتها 90% من مجموع الخيول السلطانية، التي تهتم أيضاً بسلالات أخرى، خاصة التي تحتاج رعاية وحماية بما فيها سلالة الخيول القصيرة القامة التي يعود منشؤها، تبعاً لبعض المصادر، إلى شمال إيران.

وتختص عمان بسلالة الحمار الأبيض منذ أكثر من 4 آلاف عام. كذلك الحصان الذي يعرف باسم «مارواري» من راجستان، الذي يتميز بصلابته وأذنيه المعقوفتين باتجاه بعضهما البعض.

خيول ذهبية

تشتمل مجموعة دلال على صورة لفرس أكحل: التيكي التركمستاني الذي يعتبر من أجمل الخيول في العالم، والذي يتميز بسرعته وقدرته على التحمل خاصة في الحرارة الشديدة، ولونه المعدني اللماع الذي كان عاملاً في تسميته: الخيل الذهبي، ويعتقد أنه من أقدم السلالات وإن تميز بحدة الطباع والعناد.

فجورد النرويجي

وينضم إلى هذه السلالات، كما ترصد الصور، الخيل النرويجي الأصل «فجورد» القوي البنية والصغير الحجم الذي يعتمد عليه في حمل الأمتعة وفلاحة الأرض وحرثها، ويعود منشأ سلالته إلى جبال النرويج الغربية. وتتميز كل خيول هذه السلالة بلونها الكميت، أي الحمرة المشوبة بالسواد.

«أبهة الصحراء – الخيالة السلطانية العمانية»

تأليف: هنري دلاّل

الناشر: نشر مستقل - 2012

القطع: الكبير

الصفحات: 352 صفحة

 

1994

هنري دلاّل، مصور عالمي عاشق لتصوير الجبال والطبيعة والخيول، حصل على العديد من الجوائز، منها: الميدالية البرونزية المقدمة من جائزة ناشر المستقبل في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية عن كتابه فرسان الخيول في الهند، وجائزة أفضل «كتاب مقهى».

انتقل دلاّل المولود في إيران عام 1994، إلى بريطانيا ليستقر في لندن.

وأصدر عدداً من الكتب، أهمها: «التألق والأداء» و«فرسان الخيول - أول 61 فارساً» ذلك إضافة إلى كتب ستصدر قريباً، مثل: «عادات الخيول حول العالم».وتعرض لوحاته في: قصر «بنهايم» وقصر «كينزنغتون» ومعرض «نابلس للفنون» في فلوريدا والمعرض الدولي للخيول في لوكسمبورغ. وأيضاً في: معرض الفرسان في العاصمة البريطانية. ويصف هنري نفسه بالحالم والمغامر، لعشقه للسفر بحثاً عن المغامرات الجديدة.

«البوني»

تعد الخيول القصيرة القامة «البوني»، أحد أنواع الخيول المميزة التي تعد نتاجاً مباشراً للعوامل المناخية والطبيعية السائدة في المناطق الواقعة في أقصى شمال أوروبا وآسيا. ويوصف بـ«الوديع والودود بطبعه».واستخدم «البوني» منذ القدم، كوسيلة للنقل وحمل البضائع وإنجاز الأعمال الزراعية في المناطق ذات التضاريس الوعرة.. وفي استخراج الفحم الحجري.

مهارات

تعكس عروض «ركض العرض» التي ينطلق فيها جوادان بحيث يكونان متوازيين من البداية إلى النهاية، العلاقة الوثيقة التي تنشأ بين الفارس وفرسه، ليستعرض الفارس خلال العرض وجري الحصان مهاراته البدنية وقدرته في السيطرة على جسده والتناغم مع حركة الخيل. وهذا النوع من الرياضة بمثابة فلسفة قائمة بحد ذاتها، حول التناغم والتوافق بين الكائنين.