كانت الواحة في قديم الزمان نبع الحياة، وملجأ الناس، الذين كانوا يجدون فيها متنفساً بعيداً عن قحالة الصحراء، وحر شمسها، وقساوة عيشها.. ففي الواحات ماء نقي، وخضرة وفيرة، ونخل وارف الظلال، وتمر طيب الطعم وحلو المذاق.. في واحة الأجداد نموذج حي على الألفة والحميمية ونقاء السيرة والسريرة، وعبرة للأجيال الصاعدة عن قدرة الإنسان على تطويع الأشياء لخدمته، وتسيير أموره الحياتية من خلال استخدام ما جادت عليه الطبيعة بمواردها وما أعطته من ثمارها.

وتبدو منطقة «الواحة» ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان قصر الحصن، التي تستمر حتى الـ 13 من شهر فبراير الجاري، مزدهرة متألقة بالخضرة والطبيعة والجمال، تجذب الزوار بفعالياتها المتنوعة وأنشطتها، وتتيح لهم فرصة المشاركة في هذه المنطقة بأنشطة الزراعة ورعاية الحدائق وبناء العريش باستخدام المواد الطبيعية الموجودة في الواحة.

ومن خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة، يتعرفون على أسلوب أفراد المجتمع المحلي في حصاد نخيلهم، وبناء منازلهم، وابتكار منتجات عملية متنوعة من شجرة النخيل.

صناعة الخوص

تتألق واحة المهرجان بمنتجات النخيل من تمر ونخل وصناعة الخوص والحبال، ويشاهد الزوار كيف اعتادت المرأة الإماراتية استخدام خوص النخيل، ويقف الكثيرون منهم أمام نسوة بارعات ينسجن منتجات النخلة بحرفة وإتقان، ويتعلمن سف الخوص والسلال بأنفسهن.

وصناعة الخوص واحدة من الصناعات التقليدية التي تنتشر في الإمارات خاصة في المناطق التي يوجد فيها النخيل، ونظراً لأهمية هذا الفن الشعبي فقد تم إنشاء مراكز لرعاية الحرف والصناعات بشكل عام والحفاظ عليها وإبعاد يد النسيان عنها في هذا الزمن الذي تكتسحه الآلات.

وقد كـان الخوص في الماضي من ضروريات الحياة عندما كانت المرأة في الإمارات تؤمن معظم احتياجاتها من منتجات الخوص على اختلاف أشكالهـا والخوص الذي يصنع في الإمارات من النوع الخفيف ويقصد به الخوص ذو التجديلة العريضة التي تشكل حسب نوعية الإنتاج ومن طبقة واحدة من الخوص لا أكثر.

منتجات سعف النخيل

وبحسب محمد سالم وهو أحد المشاركين المتخصصين في منتجات سعف النخيل، فإن صناعة الخوص تسمى «بالسعفيات» ويمكن تسميتها باسم «صناعة النخيل» لارتباطها بالنخلة كذلك يصطلح بعض الباحثين على تسميتها بـ«صناعة المنسوجات النباتية»، أما المصادر القديمة فتسمي صناعة الخوص باسم حرفة «الخواصـة».

ومازالت صناعة الخوص في الإمارات، وفي مناطق أخرى من الخليج، من الصناعات واسعة الانتشار حتى عهد قريب، ويتفاوت انتشارها وإتقان صنعها تبعاً للكثافة في زراعة النخيل وفي تداولها من جيل إلى آخر.

ويقول سالم تستخدم صناعة الخوص أوراق شجر النخيل «سعفها» مما سهل للإنسان ممارسة هذه الصناعة اليدوية، ولذلك نجد إلى يومنا هذا أعداداً كبيرة من الناس يعتمدون على هذه الصناعة ويتخذونها حرفة لهم، وأدوات العمل الرئيسية فيها بسيطة وميسورة، وهي الخوص والليف اللذان يستخرجان من النخل، والمخايط أو المخارز التي تقوم مقام الإبرة، إلى جانب بعض الأدوات الأخرى كالمقص ووعاء تغمر فيه أوراق النخيل..

ويشير إلى أن ورق النخيل متعدد الاستعمالات، حيث تصنع منه السلال والحصران والسفرة وسلالة الحمالات الكبيرة والمصافي والمكانس وغيرها، ومن الجريد تصنع الأسرة والأقفاص والكراسي.

التمور

ويتعرف الزوار في منطقة الواحة على الأنواع المختلفة للتمور في المنطقة، وطرق تجفيفها ومعالجتها. ويمكنهم كذلك تذوقها. ويبيع صالح العامري من شركة «الفوعة» التمور في المهرجان، ويعرض حوالي 30 نوعاً منها، ويقول إن هناك إقبالاً كبيراً على هذه الفاكهة التراثية الغنية بفوائدها وأنواعها المتعددة وخاصة من قبل الأجانب الذين يريدون التعرف على الفوارق بين الأنواع وأسمائها.

وعدد العامري أشهر أنواع التمور الإماراتي مثل الخلاص والفرض وبومعان، موضحاً بأنها تختلف من حيث المذاق والشكل واللون ومواسم الإنتاج.

الطوي

وفي مكان آخر يجلس المواطن راشد سعيد حمد أمام بئر المياه الذي يسمى «الطوي» باللهجة المحلية، والذي كان يعتبر أحد موارد الماء التي تعتمد على المياه الجوفية، وكانت منتشرة في مراكز استقرار السكان، يستعملونها لشرب الماء وسقاية النخيل، ويقول راشد إن النموذج الموجود في المهرجان هو مطابق لما كان عليه الطوي في الماضي، حيث كان الناس يستخرجون المياه بواسطة الحفر العميق ويسحبون منه بواسطة الدلو الذي يسمى «الغرافة»، ويسقون أشجار النخيل بالمياه عبر قناة منحدرة تصل بها إلى الأراضي المزروعة.

حرفة

صناعة الحبال وتسلّق الأشجار

تجذب صناعة الحبال والخلابة أو «تسلق الأشجار»، زوار منطقة الواحة في مهرجان قصر الحصن، حيث يمكنهم مراقبة صانع الحبال يقوم بطي ألياف أشجار النخيل باستخدام يديه وقدميه، وتعد صناعة الحبال حرفة إماراتية قديمة حيث تعتمد على الليف الذي يؤخذ من النخيل، ويقوم الصانع بفتله ثم تُصنع الحبال منه، وبعد ذلك يمرر على النخيل ليكون ملمسه ناعماً، وقد كان يستخدم في العديد من متطلبات العيش في ذاك الزمن.

وقريباً من صناعة الحبال، تمارس هواية تسلق أشجار النخيل حيث ابتكر الأقدمون طريقة لذلك باستخدام الحبال المتينة والمربوطة بإحكام التي يتم تطويق جذع النخلة فيها والاستعانة بها للوصول إلى أعلى الشجرة. ويمكن للزوار مشاهدة عملية تسلق شجرة النخيل بالاستعانة بالحبال ومحاولة ذلك بأنفسهم.

صناعة

نساء الماضي وأعمال سف الخوص

تتميز أعمال الخوص في دولة الإمارات بأن النساء يعملن في هذه الصناعة وهي «السفافة» ويقمن بها إلى جانب أعمال النسيج الأخرى، كما أن النساء لا يعملن الأقفاص بل يقوم بعملها الرجال، كما أنهن لا يتعيشن من هذه المهـن بل يعتبر عائدها دخلاً إضافياً.

وتتميز صناعة الخوص في الإمارات بالإتقان والدقة والجمال ومنتجاتها لا تختلف كثيراً عما ينتج من الخوصيات في بقية أنحاء الخليج. والخوص عبارة عن أوراق سعف النخيل تجمع وتصنع باليد بطريقة تجديلة عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها في التجديلة بعد أن تتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضها للشمس.

المهرجان يروي قصة الأجيال الأولى

قالت موزة الشامسي المدير التنفيذي لقطاع التسويق والاتصال بالإنابة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في تصريح خاص لوكالة أنباء الإمارات - وام: إن مهرجان قصر الحصن يحتفي بالماضي العريق للحصن وقرون من الثقافة الإماراتية الأصيلة ويروي قصة الأجيال الأولى من الإماراتيين ويدعو الزوار لاستكشاف وتجربة تقاليد حياة مجتمع أبوظبي.

مشيرة إلى أنه يهدف بصورة أساسية إلى الاحتفاء بقصر الحصن كمعلم تاريخي في إمارة أبوظبي بالإضافة إلى الحفاظ على التراث الإماراتي عن طريق إحيائه ونقله من الأجداد والآباء إلى الأجيال الجديدة.

وأضافت أنه تم تصميم جميع أنشطة وفعاليات المهرجان بهدف تعريف الزوار بالأسس العميقة والراسخة التي قامت عليها النهضة الحضارية التي تعيشها دولة الإمارات اليوم ومسيرة كفاح وعزيمة ومثابرة وإبداع الإنسان الإماراتي وأهمية استدامة هذا الإرث التاريخي.

وأوضحت أن مهرجان قصر الحصن يعتبر حدثا اجتماعيا وعائليا يجمع بين المعرفة والتعليم والترفيه، حيث يستقطب الزوار لخوض تجربة التعرف على هذه الحقبة التاريخية المهمة عبر وسائط السرد والقصص التفاعلية.

وأشارت إلى مناطق الصحراء والبحر والواحة وجزيرة أبوظبي إلى جانب منطقة جديدة وهي قصر الحصن، موضحة أن هذه المناطق قدمت ورش عمل تفاعلية وأنشطة تعيد تجسيد تلك البيئات، كما استضاف مسرح المهرجان سلسلة من العروض الفنية والفعاليات العائلية التي تركز على موضوعات تعكس الأهمية الثقافية للمكان ودوره في تطور إمارة أبوظبي ومجتمعها.

وأضافت أن المهرجان تضمن مجموعة متنوعة من المعارض وورش العمل والعروض والتي يمكن مشاهدتها والاشتراك فيها التي انطلقت في مبنى المجمع الثقافي وضمن منطقة المهرجان، إضافة إلى عروض جديدة على مسرح المهرجان كباب الخير وعرض سفاري ليلية وعرض للأطفال بجانب عرض الطيور والأغنية الشعبية الإماراتية.

احتفالات

يتابع الزوار المزارعين في منطقة «الواحة» وهم يحتفلون بموسم الحصاد عن طريق غناء القصائد التقليدية التي تمثل أحد أنماط فنون العيالة، وهي فن إماراتي أصيل، كما يستمع الزوار إلى القصص الشعبية بطريقة مسرحية وجذابة، بمشاركة أطفال يحملون العصي ويرتدون الأزياء التقليدية، ويمكن لمرتادي المهرجان رؤية «عريش» منزل تقليدي كامل قيد التطوير، ويتعرفون على الأسلوب المستخدم في بناء الجدران والأسقف والأبواب. وفي الواحة أيضاً يلعب الأطفال دور البستاني التقليدي.