عاش العرب في الصحراء منذ مئات السنين، فنصبوا خيامهم وسط رمالها، وسخّروا الدوابّ والماشية للتنقل وصنع الطعام وغزل الثياب، فاتخذوا من صوف الغنم رداءً، ومن لبن الماعز غذاءً، ومن ظهر الجمل حاملاً لهم في تنقلاتهم ورحلاتهم.. وشكلت حياة البداوة جزءاً مهماً من التاريخ الإماراتي، وانطبعت قيمها وعاداتها في أذهان الجيل الماضي، الذين ما زالوا يعتزون بهذا التراث ويحاولون نقله إلى الجيل الحالي، كي يتعرفوا على تاريخ أجدادهم، وكيف كانوا يواجهون مصاعب الحياة في ذلك الزمن.
وتقدم الدورة الرابعة من مهرجان قصر الحصن التراثي الذي يقام على أرض العاصمة أبوظبي حتى 13 فبراير الجاري، لزوارها ملامح من حياة البداوة، ومشاهد مصغرة عن نمط العيش في البادية، من خلال منطقة «الصحراء» التي يستكشف الزوار فيها قيم الماضي والأجداد، ويتعرفون على جذور الثقافة الإماراتية من خلال القصص التفاعلية والعروض التوضيحية، ويتعرفون على كيفية صنع طعام أهل الصحراء، وتحضير قهوتهم العربية عنوان الكرم والضيافة، ويشاهدون مباشرة نساء محترفات يتفنن بصناعة الحرف الشعبية كالسدو وغزل الصوف، ويرصدون مجموعة من الحيوانات التي ساعدت الإماراتي القديم على مواجهة هذه البيئة القاسية.
السدو
يلحظ الزائر لمنطقة الصحراء في المهرجان عدداً من الحرف اليدوية التي كانت تعمل بها نساء البادية في الماضي، وتلفت حرفة «السدو» إليها الأنظار، حيث تعمل بضعة نساء بجد وإتقان على صناعة المنسوجات بالاعتماد على صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز والقطن.. وحسب إسراء النوري، إحدى المتطوعات في منطقة الصحراء، فإنه يتم استخدام منتجات «السدو» في تكوين «بيوت الشعر» التي تعتبر مساكن متنقلة للبدو، ويصنع من السدو «العدول» وهي عبارة عن أكياس تستخدمها المرأة لوضع الذهب والثياب، و«الخرج» الذي كان يضعه الرجال فوق الناقة، قبل الركوب عليها وله جيوب يمكن أن تحتوي الحاجيات المختلفة كالماء والطعام وغيرها.. ومن منتجات السدو أيضاً البُسط والمفارش و«العقل».
وتعتمد صناعة «السدو» على جهد المرأة في المقام الأول، حيث كانت نساء البادية يتفنن في زخرفة ونقش «السدو» بنقوش تحمل معان ترتبط بأهل البداوة، ويتميز «السدو» بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي تحمل دلالات اجتماعية مختلفة مستوحاة من طبيعة أبناء البادية.
وقبل البدء بحياكة السدو تقوم المرأة بإزالة الشوائب وبقايا العشب التي تكون عالقة بصوف الأغنام، مستخدمة أمشاطاً خشبية ذات أسنان حديدية، وذلك كي تصبح أليافه صالحة للغزل، وتستعمل «نول السدو» للحياكة وهو عبارة عن نول أرضي مسطّح بسيط يسهل طيه ونقله، وكان يتوافق وطبيعة الترحال في البادية قديماً.
غزل الصوف
وإلى جانب حرفة «السدو» كانت تتميز نساء الصحراء بإتقان غزل الصوف، وتقول الشابة دانة إحدى المتطوعات في المهرجان، والتي تشرح لمرتادي منطقة الصحراء عن مهنة غزل الصوف، إن هذه الحرفة تعكس صورة صادقة عن جهود الآباء والأجداد في تطويع الطبيعة والاستفادة من مواردها وتسخيرها فيما يحتاجونه من أمور معيشتهم.
وتضيف: بعد أن تقوم النساء بقص صوف الماشية وتنظيفه ونشره في العراء حتى يجف، يتم البدء بعملية الغزل من خلال برم خيوط الصوف بواسطة المغزل إلى أن يمتلئ ضمن المساحة المحصورة بين قاعدة ورأس هرم المغزل ويكون على شكل كرة لولبية، وهكذا إلى أن يتم تحضير مجموعة من هذه الكرات الملونة وإدخالها بعد ذلك في صناعة البسط الشعبية والخيم والألبسة الشتوية والسجاد.
خضُّ السقا
وعن صناعة منتجات الألبان وخاصة «الزبدة» التي كانت تسمى «خض السقا» في الماضي، تشرح أم حمدان لـ «البيان»، عن مبدأ هذه الحرفة البدوية التي كانت تعمل بها النساء والتي تعتمد على خض اللبن الناتج من حليب الأبقار أو الأغنام، ووضعه في «السقا» المصنوع من جلد الماعز، وتقول عندما يتم الانتهاء من خض اللبن التي تستغرق في العادة نصف ساعة إلى ساعة من الزمن حسب طبيعة الطقس، يترك اللبن حتى يتخمر، ومن الممكن تجفيفه تحت الشمس بإضافة الملح والاحتفاظ به لفترة من الزمن تصل إلى سنتين. وتشير أم حمدان إلى أن البدو كانوا يأكلون منتجات الألبان بعد إضافة السمن والتمور إليها، ويتناولونها إلى جانب القهوة العربية.
اليوله
وتلفت نظر الزائر لمنطقة الصحراء مجموعة من الأطفال الصغار الذين يمارسون فن اليوله على أنغام الأغاني التراثية، ويقول صالح المري المشرف على خيمة اليوله، نقوم هنا بتعليم الأطفال مهارات اليوله وتعريف الزوار على هذا الفن التراثي الشعبي القديم، ويشير المري إلى أن فترة المساء تشهد العديد من الزوار من الأطفال المتحمسين لتجربة اليوله وإتقان مهاراتها وكيفية استخدام السلاح، حيث نقوم بتقديم الأدوات اللازمة للراغبين في المشاركة.
ويؤدي «اليولة» عادة الشباب والشواب في المناسبات والأعراس، عبر الإمساك بالسلاح وتدويره باليد فوق الرأس أو من الأمام، ويُطلق على الشخص الذي يؤدي فن اليوله «اليويل». كما يشارك في رقصة اليوله ضمن فعاليات المهرجان عدد من الشباب الإماراتيين الذين يحملون العصي التقليدية ويحركونها على أنغام الأغاني الشعبية.
الصقارة
ويعمل مهرجان قصر الحصن على نشر ثقافة الصقارة والتعريف بها عند مختلف الأجيال في المجتمع، باعتبارها واحدة من الرياضات التراثية المهمة التي كان يمارسها الأجداد في الزمن الماضي.. وتعرض منطقة الصحراء مجموعة من الصقور يمكن للزوار معاينتها والتعامل معها عن قرب مع الصقور، ويتعرفون على أهميتها في التقاليد الإماراتية.
ويمكنهم أيضا الاستمتاع بمعرض «مستشفى أبوظبي للصقور» واكتساب معلومات شاملة عن برنامج المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لإطلاق الصقور.
حديقة حيوانات أليفة
تضم منطقة الصحراء في مهرجان قصر الحصن ما يشبه حديقة للحيوانات الأليفة، حيث يشاهد الزوار الجمال، وطريقة حلب الإبل، وربما تجربتها بأنفسهم وتذوق الحليب، ويتعرفون على الأساليب التقليدية لتدريب كلب السلوقي واستخدامه في الصيد، كما يتعلم الزوار كيف تمت الاستفادة من الماعز في الماضي في مجالات مختلفة ابتداءً من الحليب، وحتى اللحم والصوف، ويكتشفون أسرار تربية الخيول، ومكانتها في مجتمع الصحراء، والرعاية التقليدية التي تحصل عليها من الفرسان. ويشاهد الزوار أيضاً قافلة جمال كتلك التي اعتادت حمل التجارة في الماضي، وتنقلت بين الأسواق لتوفير البضائع للتجار.
قصص شعبية و أطباق بدوية
يستمع الزوار في منطقة الصحراء إلى الحكايات الشعبية بطريقة مسرحية وجذابة بمشاركة أطفال يحملون العصي ويرتدون الأزياء التقليدية. ويمكن لمرتادي هذه المنطقة رؤية المرأة الإماراتية أثناء إعداد الأطباق البدوية المختلفة، وتذوقها، بما في ذلك القرص واللقيمات والشامي والرقاق والنخي والباجلا.
كما يمكنهم رؤية الحبارى والتعرف على هذه الطيور وبيئتها الطبيعية، فضلاً عن مبادرات صندوق الإمارات الدولي للحفاظ على الحبارى، الذي يساعد على حماية هذه الطيور النادرة من الانقراض.
فيصل بن سلطان القاسمي يزور المهرجان
زار الشيخ فيصل بن سلطان القاسمي مساء أول من أمس مهرجان قصر الحصن في أبوظبي، الذي يقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يرافقه الشيخ سلطان بن فيصل القاسمي والشاعر محمد بن عبدالرحمن الهوني.
وجال الشيخ فيصل بن سلطان القاسمي في أرجاء المهرجان واطلع على فعاليات وأقسام المهرجان التي عكست ملامح متنوعة وشاملة تحاكي مشاهد وأنماط الحياة القديمة التي عاشها الآباء والأجداد على مختلف مراحل بناء الدولة، والتي تجسد قوة الإرادة والعطاء الذي قدمه الأوائل لإيجاد أفضل سبل العيش والحياة الكريمة لجيل اليوم.
وقال الشيخ فيصل بن سلطان القاسمي: إن هذا المهرجان يمثل ثمرة ثقافية لتاريخ دولتنا بما يشمله من نقل الواقع الذي عاشه الأجداد بكل أشكاله وصعوباته ومراحل بناء وتطور كافة جوانب الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تقدم وتطور وضعها في مقدمة الدول المتطورة في كل المجالات على مستوى العالم. أبوظبي - البيان