أينما تيمم وجهك في سلطنة عمان فثمة شاهد على تاريخية البلاد ومقوماتها الحضارية منذ فجر التاريخ، مكونة شاهد إثبات لما تزخر به كتابات المؤرخين على مر العصور.

ومن بين تلك الشواهد التي ما زالت شامخة ويقصدها المئات يوميا القلاع والحصون المنتشرة في كل مكان في عُمان فلا يكاد الزائر يخطو عشرة كيلومترات إلا ويجد قلعة أو حصنا أو برجا تاريخيا يعود بعضها إلى ما قبل التاريخ.

وتحمل هذه القلاع والحصون الكثير من التاريخ من خلال ما تعاقب عليها من أحداث جسام وكيف كانت ساحة للعلم في أحيان وساحة للحرب في أغلب الأحيان.

وعلاوة على الدور الذي قامت به تلك القلاع إبان الحرب والسلم ، فإن المتأمل فيها يجد روعة المعمار العماني تتجسد في تلك القلاع# لما تحويه من زخارف إسلامية عامة وعمانية خاصة ، ولما أبدع فيها العماني من فكر متميز في البناء للدفاع عن النفس .

ومن بين تلك القلاع التي لها تاريخ لا يخطئه العمانيون قلعة نخل التي يعود تاريخ بنائها إلى عهد ما قبل الإسلام.

تبعد قلعة نخل عن العاصمة مسقط بحوالي (100) كيلومتر. وتحيط بالقلعة المنازل وأشجار النخيل من مختلف الجهات، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن بناء القلعة يعود إلى (1500) سنة قبل الإسلام وهي تحتل رقعة من الأرض تبلغ مساحتها (3400) متر مربع، وقد بنيت من الجص والحصى والأخشاب.

وعلى مدى تلك الحقبة تعاقب على القلعة الكثيرين من الملوك والسلاطين الأمر الذي جعل معظمهم يجدد في القلعة سواء من حيث تثبيت الموجود وتجويده أو من حيث إضافة إبراز وغرف دفاعية تتناسب وتلك المرحلة ما جعلها تظهر في الصورة التي هي عليه في الوقت الحالي .

وتم تجديد القلعة بشكل كبير في القرنين الثالث والعاشر الهجري السادس والتاسع الميلادي خلال فترة حكم أئمة بني خروص وحكم اليعاربة، وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي تم بناء سور القلعة وأبراجها والباب الخارجي القائم حاليا، وذلك في عام 1830م، وفي عهد السلطان قابوس تم ترميم القلعة ترميما شاملا، وأثثت بالصناعات الحرفية والتحف الأثرية العمانية النادرة بما يتناسب والتأثيث السابق لهذا المبنى التاريخي العريق لتجسيد حياة الإنسان العماني قديما حيث توجد السيوف والخناجر والتروس، والملابس العمانية التقليدية،والصناعات الحرفية المختلفة كالسعفيات، والفخاريات، وغرف الضيوف، وغرف النوم، وكذلك أدوات الطبخ القديمة، وقد أعاد هذا الترميم للقلعة رونقها، وأبرز روعة بنائها وأصبحت مركز جذب سياحي للزوار من مختلف بقاع العالم.

#وتتكون القلعة من طابقين الطابق الأرضي ويحتوي على مسجد ومخزن لحفظ التمور وبئر مياه وبعض الغرف، أما الطابق العلوي فهو مخصص لإقامة الوالي وعائلته سابقا ويحتوي على غرفة الوالي وغرفة الأولاد وغرفة البنات وغرفة المعيشة وغرفة الضيوف ومجلس النساء واستراحة الوالي والبرزة الشتوية والبرزة الصيفية.

وتتكون القلعة من ستة أبراج أهمها البرج الشرقي والبرج الغربي والبرج الشمالي والبرج الجنوبي وهذه الأبراج اسطوانية الشكل متصلة بالمبنى الرئيس وكانت تستخدم للحراسة والمراقبة وتوجد أبراج خارجية يصل عددها إلى حوالي (20) برجا موزعة بأنحاء مختلفة من الولاية وتعتبر خط دفاع أول عن القلعة.

ومن بين أهم السمات المعمارية التي تتميز بها قلعة نخل إنها بنيت على جبل ذا انحناءين #مما أعطى مبنى القلعة ميزة جمالية فريدة من نوعها تُميزها عن باقي القلاع في السلطنة حيث يظهر المبنى وكأنه محمول على الصخور ليمتزج مع الطبيعة الخلابة من حوله، وتمتاز القلعة بعلو ارتفاعها، وبشكلها الجميل الذي يبدو للقادم إليها وكأنها سفينة راسية، كما تمتاز القلعة بالسمة المعمارية الدفاعية ويبدو ذلك واضحا من السور والأبراج ومداخل وفتحات البنادق الموجودة على أسطح مبنى القلعة.

كما يظهر الفن المعماري العماني في المسجد وبرزة الوالي والقاضي من خلال وجود الزخرفة على الأبواب والنوافذ الخشبية المحفورة والمزخرفة بنقوش بديعة.

وفي عام 2001 تم إضافة متحف للأسلحة التقليدية العمانية القديمة، وذلك بأحد أبراج القلعة وهو برج الوسط، ويتضمن هذا المتحف مختلف أنواع البنادق التي استخدمها الإنسان العماني قديما في الدفاع عن نفسه ووطنه، وتم افتتاحه في عام 2002م.

والزائر للقلعة تقع عيناه في البداية على المنطقة العسكرية والمسجد وهما اللذان يقعان بالفناء الأول، ثم يمر بمجموعة من السلالم التي تقوده لعدد من الشقق وغرف الجلوس. تستخدم الغرف الكائنة بالطابق الأول خلال فصل الشتاء فيما تستخدم غرف الجزء العلوي خلال الصيف. كما كانت هناك غرف مخصصة للأطفال. وقد تم تحديث جميع الغرف دون تغيير للبيئة التي كانت عليها وقتذاك. وتوجد على الجدران بعض الأسلحة القديمة. وعموماً تبدو قلعة نخل مهيأة لأخذ الزائر في رحلة ممتعة عبر التاريخ.في أزهى عصور نخل تم بناء سوق تحت ظلالها بهدف توفير احتياجات السكان القانطين خلف جدران القلعة وبقية أنحاء المدينة. وقد تغير شكل هذه السوق الصغيرة عبر الأزمنة لكنها ما زالت تقدم خدماتها لجميع سكان المدينة وتزودهم بالخضراوات والفواكه الطازجة.

وعلى مسافة ليست بالبعيدة من القلعة يقع ينبوع الثوارة الحار ويمر الطريق المؤدي للينبوع عبر الكثير من أشجار النخيل والمزارع وهناك يشاهد الزائر منازل تعكس أسلوب البناء في عصر مضى إلى غير رجعة فيما توجد أخرى تقف شاهداً على التحولات الكبيرة التي شهدتها عمان خلال نهضتها الحديثة. وخلال شهري يوليو وأغسطس تمتلئ أشجار النخيل في مدينة نخل بمختلف ألوان التمور الجاهزة للحصاد منها الأصفر والأحمر والبرتقالي، وتقوم بحصد التمور مجموعة من الرجال المهرة وذلك باستخدام وسيلة مرت عليها قرون عديدة، حيث يتسلق هؤلاء الرجال أشجار النخيل بواسطة حبل دائري يلفونه حول كاحل أقدامهم لكي يمكنهم من الصعود للأعلى بسهولة ثم يقومون بقطع السبائط الناضجة من النخلة ويتولى مساعدوهم على الأرض مهمة جمع التمور المتساقطة.

وينحدر الينبوع من جبل نخل وينهمر في بحيرة بالموقع ومن هناك يسيل عبر سد باتجاه الوادي ليوفر للقرية وقاطنيها أهم سبل العيش. وتنتشر العديد من المنازل والحدائق المليئة بأشجار النخيل والليمون على جانبي الوادي ويستمتع الأطفال بالمرح واللهو داخل البحيرة. وتعني كلمة «ثورة» أن المياه في حالة غليان، ولكن الحقيقة ان المياه ليست حارة ولكنها دافئة طول العام.وبينما كان ترميم القلاع والحصون يتم في السابق إلى درجة يصعب معها التعرف على الأجزاء الأصلية، فإن فلسفة الترميم الحالية تعني بتثبيت حالة التحصين وإحياء هذه القلاع القادمة من عمق الزمن دون محو آثار الماضي الهامة. ومن حسن الطالع ان استخدام المواد والطرق التقليدية ومزجها بالتقنيات المعمارية الحديثة أحيا حرفاً قديمة.