بالابتسامة تستقبلك موريشيوس. تظن الأمر نوعاً من الواجب تفرضه المهنة. لكن بعد جولة في الجزيرة ستتأكد أنها ترافقك أينما ذهبت. وما أن تشهر الكاميرا -كعادة السياح- حتى تتسع، وتكاد تبتلع الوجه الأسمر الدافئ، فالسياحة أبرز مصادر الدخل القومي، إضافةً إلى قصب السكر والنسيج المعدين للتصدير.
5083 كيلومتر تفصل دبي عن موريشيوس بحسب طيران الإمارات. زمن الرحلة ست ساعات ونصف، تحار كيف سيمر الوقت، تبحث في المقعد عن زر استدعاء المضيفة. لا تجده. تستغرب. إلا أن الطاقم يغمرك بالاهتمام ولا يترك لك فرصة البحث مجدداً عن الزر. وعندما تنتقل الكراسي لأسرّة تتكفل بالقضاء على ما تبقى في جفنيك من تعب، فإنك ستصل مع مطلع نهار جديد إلى الجزيرة الاستوائية.
اليوم الأول: مطر استوائي
لا تعقيدات إدارية تواجهك في مطار موريشيوس. عندما تتبين أن شروطاً جديدة أضافتها حكومة موريشيوس على جنسيات محددة تتطلب منها الحصول على فيزا. المجموعة الصحفية التي تزور الجزيرة تضم زملاء من الجنسية المصرية وهم حالياً بحاجة لفيزا. لم يتطلب الأمر أكثر من 10 دقائق للحصول على فيزا دخول الجزيرة، في حين لا حاجة للفيزا لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، وكذا للجنسيات الأوروبية.
بالرغم من أننا في فصل الصيف بموريشيوس إلا أن بعض الأمطار الاستوائية تهطل بين حين وآخر، بشكل مفاجئ. فما أن ركبنا "الميني باص" إلى الفندق حتى انهال مطر غزير، دليلنا المحلي مختار –يتحدث العربية بطلاقة إضافة للفرنسية والإنجليزية- رحب بنا على الطريقة العربية: رجلكم خير على البلد.
للوهلة الأولى كنت أظن مختار هو من يقود السيارة حيث كان ينظر إلى الأمام، ويلتفت خلفاً عند الحديث إلينا، إلا أنه جذعه كان بالكامل متجهاً إلى الخلف عند أحد الدوارات مما أصابني بالرعب، إلا أن المركبة واصلت طريقها بكل مهارة، وتبين أن المقود على الجهة اليمين من السيارة على الطريقة الإنكليزية.
محطتنا الأولى هي فندق فورسيزونز الواقع قرب قرية (فلاك) إحدى أشهر المناطق في الجهة الشرقية من الجزيرة. عند المدخل تستقبلك منشفة بيضاء منعشة لتزيل عنك تعب الطريق، ومشروب استوائي بارد بمثابة: أهلاً وسهلاً.
لم يكن هذا فحسب بل كان قصب السكر بانتظارنا، فالجزيرة التي اشتهرت بتصديرها السكر – تراجع التصدير بسبب بيع دول أخرى لسكر القصب بسعر أقل - يتم استخدامه في (المساج) أحد المنتجات المهمة التي يقبل عليها السياح في منتجعات الجزيرة. والتي نلنا نصيبنا منها حراكاً شديداً في الدورة الدموية هيئ الجميع لوجبة غذاء بحرية شهية.
اليوم الثاني: بورت لويس
الجولة تبدأ في وقت مبكر اليوم. في التاسعة إلا ربع ننطلق، لكن أهل الجزيرة يستيقظون متأخراً ولا تفتح المحلات حتى العاشرة، هذا ما يخبرنا به دليلنا إبراهيم.
وجهتنا الجنوب الشرقي إلى العاصمة بورت لويس. قصب السكر في كل مكان. هو السلعة التي كان يعتمد عليها أهل الجزيرة في حياتهم، لا تسأل أحداً من السكان عن مهنته أو مهنة أحد والديه إلا وتجدها مقترنة بقصب السكر، الذي يتم جنيه 7 مرات في العام.
أولى محطاتنا كان البارك الشهير (SSR) الذي يحمل اسم أول رئيس للوزراء في موريشيوس بعد الاستقلال، ويضم عدداً من النباتات والأشجار النادرة في العالم.
في الطريق إلى العاصمة يلفت نظرك إعلان لسيدة جميلة تمسك بمضرب غولف، تستغرب لوهلة، لكن دليلنا يخبرنا أن الجزيرة من أبرز وجهات ممارسة الغولف، وتستضيف بطولات مهمة. التمازج بين الشعوب من أوروبيين وسكان أصليين وقادمين من الهند والصين والجزر المجاورة، يمثله شعار (جزيرة واحدة. عدة شعوب. كلهم موريشيوس).
في برنامج اليوم لقاء مع مدير هيئة السياحة في موريشيوس، د.كارل موتوسامي الذي يخبرنا أن أبرز الأسواق هي فرنسا، بريطانيا، ويصل عدد السياح إلى ما يقارب مليون سائح سنوياً، وتأمل الهيئة زيادة الرقم 10% بالمئة في السنة الجديدة، مشيراً إلى توجه هيئة السياحة للاستثمار في الأسواق الناشئة كروسيا والصين، وتحرص على تلبية الطلبات المتزايدة من شبه القارة الهندية.
أحد المطاعم المحلية وجهتنا للغذاء (LAMBIC). تذكروا هذا الاسم جيداً. خياراته ستروقكم بالتأكيد. ننتقل بعدها إلى التسوق في المنطقة التجارية بالعاصمة. "الدودو" الطائر المنقرض وشعار الجزيرة أبرز التذكارات.
اليوم الثالث: أدرينالين محمية إيتوال
اليوم ننتقل إلى الجنوب الغربي حيث فندق (باراديس) لكن قبلها نعرج على إحدى المحميات الطبيعية البارزة في الجزيرة محمية (إيتوال)، حيث ترى بأم عينك غزلاناً تمر بالقرب منك، وإن كنت محظوظاً سيمر قربك خنزير بري، أو بعض القردة. هنا ستمر بتجربة جديدة ربما تكون قد مارستها قبلاً على رمال صحراوية إلا أن لها نكهة الأخضر والجبل والبحر معاً، هنا سنقود الـ (QUAD) الدراجة النارية بأربعة عجلات. البعض يفضل ركوب الخيل. إنه خيارك الشخصي.
بالنسبة لي كانت المرة الأولى، وكذا لزملائي حيث تشاركنا مركبة واحدة. الدليل حريص على الالتزام بالرتل ويرفض أن يبتعد أي منا خارج الصف حرصاً على سلامتنا، وخوفاً من تحول الرحلة إلى فجيعة لأن القيادة على حافة الجبل خطرة للغاية، الأمر الذي يزيد من جرعة الأدرينالين في جسدك.
هذا التحذير لم يكن مناسباً لزميلنا التشيكي بيتر الذي سبق له القيادة على رمال الصحراء، وفي ظل ظروف أخطر بكثير، هكذا هي هذه الرياضة "كلما زاد معدل الخطر فيها، كلما زادت متعتها"، يقول بيتر. إلا أن الدليل يرفض المخاطرة وجعله يقود في آخر الرتل قريباً من سيارة المرافق الثاني. يتخلل المشوار بعض التوقف لالتقاط الصور التذكارية والتأمل في جمال الطبيعة. نصل بعدها مغبرين بالتراب بالكامل، ونكمل طريقنا إلى (باراديس).
مضيفتنا أمابيلا تحاول إقناعنا بجولة للتعرف على الفندق إلا أننا نصر على الاستراحة قبل العشاء. نؤجل الموعد إلى الثامنة حتى ننال قسطنا الكافي من الراحة، قبل التوجه إلى مطعم (لا رافانا) الذي احتضن عدداً من حفلات الزواج المدني في الجزيرة، تقول أمابيلا مديرة العلاقات العامة في الفندق. وتضيف كان من المفروض أن نصل هناك بالقارب إلا أن انحسار المد أعاق هذا المخطط.
اليوم الرابع: الوادي الملون
إلى مكان جديد ننتقل وعلينا حزم حقائبنا مبكراً، "الميني باص" ينتظر وبالحفاوة نفسها تودعنا أمابيلا وتسألنا العودة مع عائلاتنا في الصيف المقبل –الشتاء المقبل عندنا. ونتجه إلى شلالات شاماريل شمالاً، وبرغم أنها ليست شاهقة الارتفاع إلا أن ما تحمله من جمال يجعلها مكاناً يستحق الزيارة في رحلتك إلى موريشيوس.
البحيرة المقدسة (غراناباسان) كانت محطتنا التالية حيث طقوس العبادة الهندوسية، هناك لا تستطيع إلا أن تتمتع بجمال التماثيل وتعدد الآلهة التي تقدم لها التقدمات، الموز بمثابة قاعدة للبخور الذي يشعله الهندوس. تخلع نعليك وتدخل المعبد لتستمتع إلى طقوس العبادة الجماعية التي يقوم بها المصلون. تهز رأسك مبتسماً كلما تطلع واحد إليك. تفعل كما يفعل السائحون، تلتقط الصور، وتمضي إلى محطة جديدة.
أحد الأماكن المميزة في موريشيوس هي منطقة الوادي الملون، التي تضم 23 لوناً للتربة فيها، تمثل تحفة لا بد من المرور بها في الجزيرة. عند الوصول إلى هناك تلاحظ زحاماً من السكان. اليوم الأحد عطلة لذا يخرج الناس في رحلات ترفيهية، عند المدخل تستقبلنا سلحفاتان عملاقتان عمر الواحدة منها لا يقل عن 100 عام، بحسب دليلنا.
إلا أن المكان لا يكتفي بكونه يحمل بعداً جمالياً مميزاً فقط، ولا بد من الإثارة في كل مرفق تزوره في هذه الجزيرة. (Zip Line) بطول 500 متر، و 150 و 200 متر في المكان أيضاً. تمشي وأنت تنظر إلى العابرين فوقك. ستجربونها لا تقلقوا يخبرنا مختار. نضع أحزمة الأمان وننطلق. أنا شخصياً انسحبت في اللحظة الأخيرة.
ننطلق إلى فندق جديد يرحب بنا بقرع ناقوس. المكان أشبه بالرسوم مستوحى من أعمال الفنان الايرلندي تشارلز تيلفير الذي نزل ضيفاً على الجزيرة في القرن التاسع عشر، ويحمل السمات المعمارية لبيوت منطقة المحيط الهندي. وكان الفندق قد حاز على جائزة أفضل منتجع غولف في موريشيوس.
اليوم الخامس: محمية فريدريكا
مع ازدحام برنامجنا وتعدد النشاطات لم تسنح لي فرصة النزول إلى المحيط بعد، طيلة الوقت نجول حوله ونراه من بعيد، إلا أن اللقاء لا يكتمل إلا بالسباحة. اليوم البرنامج هادئ نسبياً وهناك متسع من الوقت للإفطار على الشاطئ. الا أن المطر يهطل سريعاً وغزيراً، يضطرنا لاحتساء القهوة على شرفة المحيط.
على الشاطئ عروسان يأخذان صوراً تذكارية. تخبرنا إحدى الصبايا العاملات في الفندق: "عندنا حالياً كثير من الأزواج في شهر العسل". يليق اسم جزيرة شهر العسل بهذه الجزيرة أكثر من أي اسم آخر. الثنائيات منتشرة في كل مكان. وكل واحد من وفدنا "بمفرده" على الجزيرة.
بعد الغداء نتعرف إلى محمية فريدريكا برفقة الدليل المحلي "دومينيك" في موعد انصراف العمال من العمل في مشروع فيلات القرية التراثية. يخبرنا دومينيك أن المكان كان مزروعاً بقصب السكر إلا أن تدهور أسعاره منذ 10 سنوات قادت المالك إلى تغيير الاستثمار، وتحول العديد من العمال للعمل في السياحة، وجني ما يقارب 300 يورو شهرياً عوضاً عن 100 يورو مع فرق الجهد العضلي بين العملين.
يشير دومينيك إلى أن قصب السكر بحاجة لـ 12 ساعة ري أسبوعياً، وحرصاً على الموارد المائية يتم تمديد شبكات ري لسقاية الجذور. موضحاً أن هذا ما قدمه الرجل الأبيض للجزيرة، إضافة إلى أنه من أحضر الجرذان والقرود الذين ساهموا معه في القضاء على طير الدودو الذي لا يبيض إلا مرة واحدة سنوياً.
في هذا المكان الحرص على النظام البيئي أساسي، ويشير إلى أنه تم إحضار حيوانات المونجو لقتل الفئران، مع الحرص ألا يتكاثر بكميات هائلة. كما يتم التحكم بأعداد الغزلان التي تم إحضارها من جزيرة جاوا، بالصيد المنظم حيث يتم تنظيم رحلات صيد مخصصة للراغبين بممارسة هواياتهم ضمن الحدود البيئية الملزمة للجميع في المحمية.
اليوم السادس: السير على قاع المحيط
نمضي نهارنا الأخير بالجزيرة في فندق (Le Touessork) المصنف ضمن أفضل 20 فندقاً حول العالم، ويدعونا لتجربة فريدة وهي السير على قاع المحيط. شيء شبيه بالخيال. حاولوا أن تعودا باكراً. الغذاء في الواحدة في جزيرة لومانجي الخاصة التابعة للفندق.
نستقل الباص إلى قرية (Bell Mart) بغرض المشي على المحيط. لم تستهو الفكرة صديقنا بيتر الذي فضل ممارسة الرياضات البحرية، برأيه هي أكثر خطراً وأشد إثارةً، أما المشي على قاع المحيط فتجربة مضجرة برأيه، ربما. في الطريق تكاد تندم أنك لم تلحق ببيتر، ربما يكون خياره عن الخطر موفقاً. لحظة. لم تمارس خيار الخطر عند الــ (Zip Line) ما بالك؟. لا إنه البحر وهو مختلف، لا أمان في الهواء. تبرر لنفسك.
تنطلق بالقارب إلى عمق الماء. هناك في البعيد يبدو المكان أشبه بسفينة راسية في عرض البحر. تقفز إلى المنصة المفتوحة من منتصفها على شكل مربع. في الأسفل في الماء هناك سلم معدني. يسبقنا فاراد ويرمي بعض الخبز للسمك الذي يظهر بكميات كبيرة فجأة.
الخوذة تشبه خوذة الكابتن نيمو في المسلسل الكرتوني الذي تابعته طفلاً. المعدات بسيطة. حزام يزن 5 كيلوغرامات لجذبك إلى أسفل. خف بلاستيكي حتى لا تنجرح رجلاك من آثار المحار. وقبعة تزن 40 كيلوغراماً مربوطة بأنبوب بلاستيكي يضخ الأوكسجين فيها، وتتكفل في الوقت نفسه بإبقائك تحت ثقل كاف على القاع. المسافة على الأقل 3 أمتار.
ما إن تضع الخوذة على رأسك وتبدأ رحلة الهبوط ستنقطع عن العالم. تطأ الأرض. إنه شعور مثير. لربما يفوق إثارة الرياضات الخطيرة. يضع دليلنا بعض الخبر في يدك، ويهجم السمك للأكل حتى يحيطك بالكامل. تجربة ممتعة. ربما يصير للجزيرة اسم آخر إنها: جزيرة التجارب الأولى.