لاتزال كل من حركتي «فتح» و«حماس» تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطيني الذي وقع في القاهرة في الرابع من مايو الماضي بمشاركة الفصائل الوطنية والإسلامية، ما أحدث حالة من التشاؤم حيال الوصول إلى المصالحة 100 في المئة، ولكن العديد من الفلسطينيين على المستوى الشعبي لايزالون يتمسكون ببعض التفاؤل.
ومن أبرز محطات الخلاف، مسألة تسمية رئيس وزراء حكومة التوافق الوطني المنتظرة إضافة إلى عوامل ذاتية وأخرى خارجية تعرقل تطبيق الاتفاق.
وتعثرت كافة الجهود والوساطات المبذولة حتى الآن عربيا وإقليميا لجسر الهوة وحل الخلافات. «البيان» التقت قادة فصائل وأكاديميين ومستقلين لكشف الأسباب الحقيقية وراء تعطيل المصالحة ومن المسؤول عن ذلك. وهل من افاق لحل الأزمة؟، حيث دعا البعض إلى أن ينتخب الشعب في الداخل والخارج رئيس الوزراء المختلف عليه.
ودعا المستشار السياسي للرئيس الراحل ياسر عرفات بسام أبوشريف الى «حل المشكلة بأن ينتخب الشعب رئيس الحكومة»، مقترحا «تشكيل لجان تشرف على انتخابات لاختيار رئيس الوزراء كحق للفلسطينيين في الأراضي المحتلة وخارجها».
ويقول أبوشريف لـ«البيان»: «نرى صراعا يفرض على الساحة حول من هي الشخصية التي سترأس الحكومة ولا شك لدينا أن هذا الصراع يستهدف فيما يستهدفه تقزيم د. سلام فياض الذي اكتسب شعبية بسبب مثابرته على البناء، رغم كمائن الذين يعملون لحساب مجموعات فلسطينية لا تريد لفياض ان يكسب ثقة الشعب خوفا من المستقبل السياسي للبعض».
واعتبر ابوشريف ان «هذه اللعبة الخطيرة ادت الى ابعاد الانظار عما تقوم به اسرائيل من ابتلاع لاراضي غور الاردن». وتابع قائلاً انه «برز في هذه الاوقات كلام غريب عن الساحة الفلسطينية التي اكتسبت ديمقراطيتها عبر صراع دموي طويل. نسمع كلاما مثل.. هذه حكومتي انا اقرر السياسية والإستراتيجية وعلى الجميع ان يتبعها.. رئيس الوزراء ينفذ ما
أقوله وليس شيئا اخر». وأردف: «لقد وضعوا فياض بين المطرقة والسندان لحرمانه من اي فرص قادمة لقيادة البلاد». ودعا ابوشريف الفلسطينيين إلى «الانتفاض على هذه الاوضاع المزرية والمهينة للنضال الفلسطيني، اذ من غير المعقول ان يستمر الشعب صامتا وهو يرى سكينا تذبح عنقه ولا تعبأ بقوته وحقوقه واهدافه»، على حد تعبيره.
موقف «حماس»
في المقابل، اتهمت حركة «حماس» رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) بـ«عدم الجدية في تطبيق بنود المصالحة».
ويشير القيادي في الحركة صلاح البردويل لـ«البيان» إلى «ما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية من مواصلة لنفس النهج السابق لتوقيع اتفاق المصالحة من اعتقال وحرمان وظيفي وفصل من الوظيفة ومحاكم عسكرية جائرة»، على حد وصفه.
وطالب البردويل حركة «فتح» بأن «تنفذ ما ورد في اتفاق المصالحة من استحقاقات تتعلق بالاعتقالات السياسية والمحاكمات العسكرية والفصل من الوظائف والحرمان الوظيفي وغيرها من الممارسات بحق أبناء حماس».
كما ينوه القيادي في «حماس» د. محمود الزهار إلى أن «تعطيل التطبيق جاء بناء على مطالب أميركية وتتمثل في خمسة هي: يشكل أبومازن الحكومة عكس الاتفاق الذي نص على انها حكومة وفاق وطني». أردف: «وثانياً أن تسير الحكومة تسير وتلتزم ببرنامج أبو مازن، وهي وفقا للاتفاق ليست مبنية على برنامجه، فهي مؤقتة لها مهام محددة في الاتفاقية». واضاف أن «النقطة الثالثة تتعلق بالاتفاق على تفعيل المجلس التشريعي.
والآن طلبت واشنطن تجميد المجلس وأن لا تأتي شرعية هذه الحكومة من هذا المجلس. والنقطة الرابعة هي طلب الادارة الاميركية وإسرائيل من أبومازن وضع فياض رئيساً لحكومة التوافق. وشدد الزهار على ان «هذه هي الأسباب الحقيقية وراء تعطيل تنفيذ الاتفاق»، على حد تعبيره.
تجاوزات وتفاهمات
من جهتها، تقول النائبة عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ«حماس» سميرة الحلايقة لـ«البيان» إنه «منذ اليوم الأول للتوقيع بالحروف الأولى على ورقة المصالحة، لاحظنا أن هناك أطرافاً لا تريد لهذا الانجاز أن يتحقق أو ينجح».
وأضافت الحلايقة انه «منذ توقيع اتفاق المصالحة وثقت العشرات من التجاوزات.. ولدينا إحصائية تتحدث عن اعتقال 70 ناشطا فلسطينيا على خلفية فصائلية بينهم 40 اسيرا محررا اضافة الى اعتقالات متواترة ومحاكمة العشرات واصدار احكام جائرة بحقهم، علما ان بعضهم موجود في سجون الاحتلال».
واستطردت القول: «فيما استمرت الاجهزة الامنية بإقصاء عدد من الموظفين من وظائفهم على خلفية الانتماء السياسي واصدار احكام بحق المقاومين اضافة الى سيل طويل من الاستدعاءات التي توجهها الاجهزة الامنية لعناصر حماس وكذلك عدم الافراج عن العشرات من المعتقلين السياسيين الموزعين على سجون السلطة والمحتجزين لاستخدامهم كورقة ضغط ضمن سياسة عض الأصابع»، كما قالت. وشددت الحلايقة على انه «لا مسوغ لتأخير تطبيق التفاهمات المتفق عليها أصلاً».
انتقاد للتلكؤ
بدوره، انتقد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نجيب المجدلاوي ما اعتبره «تلكؤ حركتي فتح وحماس في تطبيق الاتفاق لأسباب واهية».
ويذكر المجدلاوي لـ«البيان»: «على طرفي الانقسام التوقف عن البحث عن مصالحهم الفئوية الضارة والتحلي بروح المسؤولية الوطنية وتطبيق اتفاق المصالحة فوراً عبر توسيع دائرة المشاركة السياسية لكافة القوى الوطنية لمعالجة الملفات الكبيرة التي تنتظرنا من إعمار وانتخابات ومعالجة هموم وقضايا الناس». وأكد على «ضرورة مغادرة الثنائية الضارة وتوفر إرادة سياسية جادة من قبل فريقي الانقسام لا تُرهن التنفيذ بالمصالح الخاصة».
كما رفض مجدلاوي «رهن مصالح شعبنا ومستقبله بالضغوطات الخارجية وصوغ نظامنا السياسي ارتباطاً برضا الأطراف الخارجية كما هو جار حالياً بالنسبة لتسمية رئيس الوزراء».
ويطالب القيادي في «الجبهة الشعبية» بــ«إشراك ممثلي القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية في تنفيذ الاتفاق وحمايته وتطويره، تأكيداً لمبدأ الشراكة الوطنية واعتماد آلية لتنفيذ الاتفاق تقوم على دعوة لجنة المتابعة والإشراف واللجان الخمس التي تشكلت في الحوار الوطني الشامل بالقاهرة في مارس 2009، لتتولى اكساء الاتفاق مضامينه التفصيلية ومتابعة تنفيذه».
معوقات وتحديات
وفي تقدير المحلل السياسي د. خالد صافي فإن «المعوقات والتحديات التي تواجه تنفيذ المصالحة على أرض الواقع هي ذاتية وموضوعية حيث هناك قوى داخل حركتي فتح وحماس تعرقل تطبيق المصالحة لأجندة شخصية وحزبية».
ويبين صافي خلال حوار إلى «البيان» ان «المعوقات الموضوعية تتمثل في الجانب الإسرائيلي. فمن المؤكد أن الانقسام الفلسطيني وبقاءه هما إستراتيجية إسرائيلية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»، مضيفا ان إسرائيل «استفادت كثيراً من الانقسام في الاعوام الماضية على المستوى السياسي والأمني والاستيطاني».
واردف صافي القول إن اسرائيل «خطت خطوات كبيرة على صعيد تهويد القدس والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتهربت من استحقاقات سياسية تحت ذريعة عدم وجود شريك فلسطيني في ظل الانقسام».
وبين صافي: «كانت الاستفادة العظمى لإسرائيل هو انكفاء الخطاب الفلسطيني السياسي والإعلامي على نفسه. وتراجع إرادة الإنسان الفلسطيني الذي عانى تيه الهدف والمشروع والهوية والتيه الأسري والعائلي والمجتمعي». واكد: «عملت السياسة الإسرائيلية على عرقلة المصالحة»، مشيرا الى تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن «على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أن تختار بين السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس».
ويتابع: «تجلى التحدي الإسرائيلي واقعاً من خلال إعلان إسرائيل عن تجميد تحويلات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية.. وهذا يعني أن إسرائيل تريد شراء انقسامنا بالمال الذي هو مال فلسطيني تجبيه إسرائيل من حركة التجارة الفلسطينية عبر موانئها».