شكّلت ازدواجية الفكر والقيادة أكبر المشكلات المعقّدة في وضعية «الحشد الشعبي» في العراق، إذ أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أنّ «الحشد الشعبي جزء من المنظومة الأمنية العسكرية الحكومية»، في وقت لا تلتزم قيادات الحشد بأي من القرارات الحكومية وتعمل كل مجموعة منه على حدة.

كما تمّ تشكيلها من دون غطاء قانوني أو دستوري، فيما يحرّم الدستور العراقي مثل هذه التشكيلات التي تبرر وجودها بفتوى السيستاني، حول «الجهاد الكفائي»، وفي الوقت نفسه تناقض توجهات وتوجيهات السيستاني وتعلن صراحة ولاءها لـ«ولاية الفقيه».

وتشير بعض المصادر إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وضع استقالة حكومته بتصرف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، بعد رفض قادة الحشد الشعبي سحب قواتهم من ناحية النخيب، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أوضاعاً في غاية التعقيد، وسط معلومات تشير إلى أنّ البيت الشيعي في العراق مقبل على التشظّي والانقسام، ما لم تبادر المرجعية الشيعية التي كانت وراء إنشاء وحدات الحشد إلى التدخل وتسوية المشاكل التي نتجت عن وجود هذه القوات التي باتت تشكّل صداعاً لرئيس الحكومة وتهدّد بنسف حكومته، فضلاً عن تأثيرها النفسي في الشعب العراقي ومعنويات الجيش.

وضع حرج

ووفق مصادر نيابية مطلعة في بغداد، فإنّ العبادي بات في وضع سياسي حرج، نتيجة رفض قوات الحشد الشعبي الانسحاب من ناحية النخيب السنيّة التابعة لمحافظة الأنبار، لاسيّما بعد أن أكّدت تقارير استخبارية عراقية وأميركية، أنّ طريق الحج البري بين العراق والسعودية بات تحت سيطرة المليشيات، وثمة مخاوف من قيامها بشن هجمات على شمال السعودية لشغل المملكة وجرّها لنزاع عسكري جديد لتخفيف ضغطها على الانقلابيين الحوثيين في اليمن.

وتنقل شبكة «العبّاسية» عن المصادر النيابية، أنّ «العبادي الذي فشل في إقناع قادة الحشد الشيعي بسحب وحداتهم من النخيب التي تشكل مفتاح طريق الحج البري العراقي باتجاه عرعر والمملكة العربية السعودية، لم يجد أمامه غير الاستنجاد بالسيستاني الذي استقبل موفداً من رئيس الحكومة الخميس الماضي، يعتقد أنّه النائب على العلاق الذي حمل استقالة العبادي ووضعها تحت تصرف المرجع الشيعي للبت فيها».

مخاوف فراغ

ولا يستبعد كثير من المراقبين السياسيين في بغداد والنجف رفض السيستاني استقالة العبادي، خوفاً من تداعيات فراغ سياسي وأمني لا يمكن ضبطه، الأمر الذي دعا ممثل المرجعية أحمد الصافي لإعطاء إشارات في «خطبة الجمعة» بضرورة دعم حكومة العبّادي، ودعوتها إلى الثبات والاستعانة بالخبراء والاختصاصيين لتنفيذ برامجها، وهي إشارات توحي بأنّ المرجعية الشيعية تؤيّد سياسات العبادي وتقف إلى جواره في وجه التحدّيات التي تزايدت عليه أخيراً.

واستناداً إلى معلومات نواب سنّة وأكراد قابل بعضهم السفير الأميركي في بغداد ستيوارت جونز أخيراً، فإنّ الأخير كان قلقاً من انتشار كثيف للمليشيات الشيعية على طول طريق الحج البري الرابط بين النخيب وعرعر على الحدود مع السعودية، ومما نقل عنه قوله إنّ «هذا الانتشار إيراني تحت لافتة عراقية»، مؤكّداً أنّ بلاده تراقب المشهد باهتمام ولن تسمح بفتح جبهة عسكرية جديدة تضغط على السعودية من شمالها وهي مشتبكة مع الحوثيين في جنوبها.

أجندة إيرانية

وفي رأي السفير الأميركي كما تقول تلك المعلومات، أنّ «قوات الحشد الشعبي في العراق تحوّلت إلى حرس ثوري إيراني، وبدأت تتصرف وفق الأجندة التي ترسمها طهران»، مؤكّداً أنّ «الجنرال قاسم سليماني موجود في ناحية النخيب حالياً، وأنشأ غرفة عمليات جديدة يديرها مع مجموعة من العسكريين الإيرانيين هدفها الرئيسي التحضير لشن هجمات على شمال السعودية بالتزامن مع تعرّضها لهجمات الحوثيين في جنوبها، مشدّداً على أنّ بلاده لن تتخلى عن التزامها بالدفاع عن أمن دول المنطقة.

رضوخ

وكانت معلومات راجت في وزارة الدفاع العراقية، مفادها أنّ إقالة قائد عمليات محافظة صلاح الدين الفريق عبدالوهاب الساعدي من منصبه، جاءت نتيجة رضوخ العبادي لضغوط الجنرال الإيراني قاسم سليماني وقادة مليشيات الحشد.

لأنّه كان أول قائد عسكري دعا لتدخّل الطيران الجوي الأميركي في ضرب مواقع مسلّحي «داعش» في تكريت الشهر الماضي، وهناك أنباء تفيد بأنّ رئيس الحكومة مطالب أيضاً بتنحية وزير الدفاع في حكومته خالد العبيدي، والذي وصفه زعيم مليشيا العصائب قيس الخزعلي بأنّه طائفي سنّي ولا يصلح لشغل منصبه.

هيمنة

توقّع النائب السابق حسن العلوي في تصريحات، أبريل الماضي، هيمنة قادة الحشد الشعبي على القرار السياسي والعسكري في العراق، ولم يستبعد محاولة إطاحة العبادي عن رئاسة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة تحت وصاية الحشد، ما يعطي تنظيم «داعش» زخماً قوياً، بحجة خوض «حرب عراقية – إيرانية» جديدة.

لاسيّما أنّ الكثير من قادة الحشد الشعبي كانوا مع الجيش الإيراني ضد بلادهم في الحرب السابقة.