تحتفل سلطنة عُمان اليوم بالذكرى الخامسة والأربعين لذكرى قيام النهضة العمانية الحديثة، التي يقودها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، منذ توليه مقاليد الحكم في العام 1970، مدشناً بذلك مرحلة جديدة للتاريخ العماني على بساط مسيرة حديثة، تستمد همم العطاء والرؤية للمستقبل من تاريخ عُمان الضارب في عمق الزمن.

انطلقت النهضة العمانية التي انطلقت بعمان قبل 45 عاماً إلى آفاق التقدم والازدهار بمرتكزات سياسية، تستمد ثوابتها من هويتها العمانية الهادئة، وثقافتها المنبثقة من إرثها الإسلامي، وقيمها العربية الأصيلة الضاربة جذورها في أعماق الحضارة الإنسانية مهتدية بالرؤية والدعائم التي أرساها السلطان قابوس بن سعيد، فكان وهو يرسم خطط البناء والتعمير، حريصاً أن يسابق الزمن ليعوض شعبه ما فاته، ويعيد له كرامته ومكانته، فانطلقت مسيرة النهضة العُمانية غير منغلقة أو محكومة بإطار ومنهج معين، بل كانت مزيجاً من الأصالة والمعاصرة، تأخذ من الآخر ما يصلح لها ،وتترك ما يتناقض مع مبادئها وأسسها، وكان الإنسان العُماني هو المحرك الأول لهذه النهضة بما يمثله من قيم وسلوكات.

وتحتفل السلطنة اليوم بيوم النهضة، ذكرى ذلك اليوم، الذي شكل نقلة نوعية في حياة الدولة والمجتمع والمواطن العماني إيذاناً بعهد جديد ينطلق بعمان إلى آفاق التقدم والازدهار.

ومنذ الثالث والعشرين من يوليو 1970 وعلى امتداد 45عاماً من العمل والجهد والعطاء والإصرار على بناء التنمية والرخاء، فإن أبرز ما ميز مسيرة النهضة أنها جمعت بين حكمة القيادة ورؤيتها الاستراتيجية البعيدة النظر وبين جهود وطاقات الشعب العماني،

حيث حرص السلطان قابوس منذ بدايات المسيرة على أن يكون المواطن العماني هو وسيلة التنمية وأداتها بقدر ما هو هدفها وغايتها.

وشهدت السلطنة خلال العقود الخمسة الماضي العديد من الإنجازات، التي شملت مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومجالات التنمية الشاملة، التي عمت عمان من أقصاها إلى أقصاها، حيث تم تطوير البنى الأساسية والعمل على تنويع مصادر الدخل لعدم الاعتماد على النفط مصدراً رئيساً للدخل القومي، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار والعيش الكريم للمواطن العماني أينما وجد وفي كل مكان من ربوع عُمان.

ففي العام 70 انتقلت عمان إلى مرحلة جديدة في مسار التطور والبناء للدولة والإنسان وهو ما كان ينتظره جميع العمانيين في الداخل والخارج بقلوب مليئة بالأمل وانتظار المستقبل الأفضل مع اعتلاء سلطانهم القادم بعزيمة البناء لعمان الوطن والدولة والمجتمع والحضارة عرش السلطنة، وتجسدت تلك العزيمة في خطابه السامي الذي نادي خلاله جميع العمانيين إلى شحذ الهمم والتعاون مع الحكومة للتمكن من بناء عمان، إذ قال إنه «من دون التعاون بين الحكومة والشعب لن نستطيع أن نبني بلادنا بالسرعة الضرورية للخروج من التخلف الذي عانت منه هذه المدة الطويلة.. إن الحكومة والشعب كالجسد الواحد إذا لم يقم عضو منه بواجبه اختلت بقية الأجزاء في ذلك الجسد».

واستطاع السلطان قابوس بحنكته أن يجعل من عُمان دولة عصرية متكاملة ومبنية على أسس قوية ومتينة ترتبط بعلاقات دولية وإقليمية واسعة النطاق، وتساير مختلف مجالات التطور العصري والتكنولوجي والتقني والفني.

ومنذ بزوغ عهد النهضة، عملت سلطنة عُمان على ترسيخ مبدأ الديمقراطية وإعطاء الحقوق الكاملة للمواطن العماني، رجالاً ونساء، فأصبح له الحق بالإدلاء برأيه والتعبير عن مطالبه ومشاركته البرلمانية الفاعلة في دفع مسيرة التنمية العمانية المواكبة لاستراتيجيات النهضة الحديث من خلال مجلس عمان، الذي يضم مجلسي الدولة المعين، والشورى المنتخب.

وشهدت تجربة الشورى العماني نجاحات حافلة بالعطاء وهو ما أكده جلالة السلطان قابوس لدى افتتاحه أحد أدوار الانعقاد السنوي، إذ قال إن «تجربة الشورى في عمان مرت بأعوام حافلة بكثير من التطورات التي رسخت مفاهيم العمل المشترك والتعاون المتبادل بين المواطنين والأجهزة الإدارية»، داعياً في ذلك مجلسي الدولة والشورى إلى القيام بمهام ومسؤوليات أكثر شمولاً في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تكون الخبرات المكتسبة دافعاً لتقديم المزيد من العطاء المفيد البناء خدمة للوطن الذي يبني بكل عزم وثبات حاضره، ويتطلع إلى مستقبله في ضوء متطلبات عصره المتنامية وثوابته الراسخ.

ولم يكن هذا الإنجاز الكبير صدفة، كما أنه لم يتحقق بسهولة، ولكنه كان ثمرة ورؤية شاملة وتخطيط دقيق وقيادة كرست نفسها من أجل الوطن وأبنائه وحكمة قيادته التي حرصت دوماً على جعل المواطنة القائمة على المساواة بين أبناء الوطن وعلى حكم القانون ركيزة أساسية وإطاراً يتسع ليشمل كل أبناء الوطن وهو ما عبر عنه النظام الأساسي للدولة الصادر في السادس من نوفمبر 1996 وتعديلاته، الذي بلور كل جوانب وأسس بناء الدولة العصرية والعلاقات بين مؤسساتها والمسؤوليات والحقوق والواجبات والمهام المنوطة بمختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها الإدارية والتنفيذية والبرلمانية والقضائية وكفالة قيام كل منها بدورها الوطني في تناغم وتكامل بين مجلس الوزراء ومجلس عمان بجناحيه مجلس الدولة ومجلس الشورى وضمان استقلالية القضاء في قيامه بدوره لتحقيق العدالة مع متابعة الأداء وضمان سيره في الطريق الصحيح من خلال جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة والهيئة العامة لحماية المستهلك والأجهزة الرقابية الأخرى التي تمارس أدوارها في إطار القانون والالتزام به مع كفالة وضمان الحريات الأساسية للمواطنين في إطار القانون.

تنمية عمادها الإنسان

وبينما تنطلق مسيرة التنمية والبناء نحو غايتها المرسومة وفي مقدمتها الارتفاع بمستوى معيشة المواطن العماني وتحقيق حياة كريمة له ولأبنائه في الحاضر والمستقبل فإن خطط التنمية الخمسية استطاعت منذ الخطة الخمسية الأولى (1976 - 1980) وحتى الخطة الخمسية الثامنة (2011 - 2015) إنجاز البنية الأساسية في مختلف المجالات وعلى امتداد هذه الأرض الطيبة بامتدادها الشاسع من طرق مرصوفة وخدمات المياه والكهرباء والاتصالات والخدمات الصحية المجانية ممثلة في مستشفيات ومراكز صحية ومستوصفات تصل إلى كل تجمعات المواطنين العمانيين وخدمات تعليمية تغطي كل مراحل التعليم الأساسي والجامعي والدراسات العليا على أرفع الأسس.

ويقوم مجلس التعليم ومجلس البحث العلمي وجامعة السلطان قابوس بالتعاون مع مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات والوزارات المعنية بدور حيوي في هذا المجال، كما أنه يجري العمل لاستكمال تأسيس جامعة عمان على أحدث الأسس العلمية والأكاديمية لتكون إضافة كبيرة لحاضر ومستقبل إعداد المواطن العماني.

سواعد شابة

حينما تولي لسلطان قابوس بن سعيد الحكم في سلطنة عمان كان يدرك أن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، ولذلك جعل للشباب العماني مساحة واسعة في نهجه وفكره للارتقاء بهذه الفئة التي تشكل لبنة البناء في الحضارة العمانية، وكانت خطاباته السامية التي يوجهها لحكومته لا تخلو من الحض على الاهتمام بالشباب العماني، ففي العام 2001 أمر بإنشاء «مشروع سند»، الذي يعمل على تبني ودعم المشاريع الخاصة بالشباب والإشراف عليها لتتمكن الأفكار الشابة من إرساء قاعدة متينة في مجال النشاط التجاري.

كما دعا السلطان القطاع الخاص إلى فتح أبواب العمل للشباب العماني وتوفير الفرص الممكنة للباحثين عن العمل، ليسهم الشباب بدوره في بناء عمان ونهضتها.

وأكد السلطان قابوس في أحد خطاباته على أن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها وأداتها ووسيلتها «وبقدر ما تكون هذه الأداة فاعله ماهرة تكون قادرة على تحقيق التنمية وعليه يجب النهوض بهذه الموارد البشرية وتطوير قدراتها الفنية وخبراتها التقنية»، مشدداً على ضرورة إعطاء الشباب العماني فرصتهم للتأهل والتدريب والانخراط في مختلف الإعمال والوظائف وتوفير كل أسباب الرعاية لهم وتذليل كل الصعوبات والمعوقات التي قد تعترض طريقهم.

جولات التواصل السنوية

تمثل الجولات السنوية للسلطان قابوس في مختلف المناطق والولايات، والتي سنها منذ سبعينيات القرن الماضي، وسيلة مثلى للتواصل والالتقاء بين الحاكم والشعب على بساط الوفاء والصفاء في وقت يكون فيه المواطن العماني بحاجة إلى أن يشكو همومه ويطرح قضاياه المختلفة، حيث يلتقي السلطان عبر تلك الجولات أبناء شعبه ويتحسس همومهم ويستمع إليهم عن قرب في برلمان عماني مفتوح على أرض براري السيوح حيث يجري الحوار المفتوح بلا حواجز ولا وسطاء ليتحسس نبض حياتهم اليومية، ويستمدون روح العزم وتجديد العطاء والعمل من توجيهاته السامية وهم يجددون العهد والولاء لباني نهضتهم الحديثة.

تنمية اقتصادية

وقامت السلطنة في إطار خططها لتنويع مصادر الدخل القومي بإقامة العديد من المشاريع الحيوية الهامة، التي استقطبت من خلالها استثمارات عالمية في مجالات الصناعة والسياحة وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول ذات الأسواق العالمية النشطة ذلك فضلاً عن تقديمها التسهيلات للمستثمر الأجنبي بما يضمن له بيئة استثمارية مستقرة وآمنة وبإجراءات انسيابية.

واستطاع الاقتصاد العماني خلال 45 عاماً الانتقال إلى مرحلة أكثر تطوراً وتنوعاً عبر توسيع قاعدة مشروعات الصناعات التحويلية المتوسطة والثقيلة وعبر الاعتماد بشكل أكبر على موارد الطاقة الوطنية خاصة منها الغاز الطبيعي المسال والموانئ التجارية والصناعة والسياحة والمناطق الحرة. ويعد قطاع الصناعة من أهم القطاعات الإنتاجية التي تسهم في تنويع مصادر الدخل القومي، لما يتمتع به هذا القطاع من خصائص وإمكانات للنمو.

ويأتي قطاع السياحة في السلطنة ضمن القطاعات المهمة التي يعول عليها الكثير من الدخل الاقتصادي.

وفي الوقت الذي تبلورت فيه ملامح خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 - 2020) وهي آخر خطة تنمية خمسية ضمن استراتيجية عُمان 2020 التي يتم تنفيذها منذ العام 1996 فإن حكومة السلطان قابوس بدأت بالفعل في الإعداد لاستراتيجية التنمية العمانية 2040.

معدل نمو

رغم من انخفاض أسعار النفط إلا أن البنك المركزي العماني أصدر تقرير الاستقرار المالي 2015، حيث رصد مؤشرات إيجابية لارتفاع معدل النمو الإجمالي للناتج المحلي هذا العام إلى 4.62 في المئة، بعد أن كانت العام الماضي بمستوى 2.95.

تراث أصيل

تزخر عمان بالعديد من الآثار التاريخية التي صنعها مواطنوها عبر مئات السنين، التي أصبحت اليوم تشكل إرثاً حضارياً وهوية تقليدية يستدل منها الإنسان العماني على حياة الأجداد والمواقف الصعبة التي واجهتهم في صراعهم مع الزمن، وبطولاتهم.

وأصبحت تلك الآثار تشكل مرافق سياحية هامة يقصدها السياح من مختلف الأقطار والبلدان العربية والأجنبية ليكتشفوا من خلالها تاريخ وحضارة الإنسان العماني وإرثه وعاداته وتقاليده المتوارثة.

رعاية

تحظى سلطنة عمان بمكانة متقدمة في رعاية مواطنيها، ففي مطلع العام أظهر التقرير الثالث لمستوى السعادة حول العالم 2015 حلول السلطنة في المرتبة الثانية على الصعيد العربي والمرتبة 22 على المستوى الدولي.

استعداد لانتخابات الدورة الثامنة لمجلس الشورى

 

 

تواصل وزارة الداخلية العمانية جهودها، بالتعاون مع مكاتب الولاة ومع الجهات المعنية الأخرى لاستكمال الأعداد لانتخابات الفترة الثامنة لمجلس الشورى (2016 إلى 2019) التي ستجرى في شهر أكتوبر المقبل.

وبينما مددت فترة التسجيل في السجل الانتخابي إلى 30 الجاري (بعد أن كانت تنتهى مطلع الشهر) لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المواطنين الذين لم يسجلوا أنفسهم في السجل الانتخابي بهذه الخطوة الضرورية، ليتمكنوا من ممارسة حقهم في التصويت في انتخاب من يمثل ولاياتهم في مجلس الشورى، فإنه تم الإعلان عن الأسماء النهائية للمرشحين في جميع ولايات السلطنة، بعد انتهاء فترة الطعون على أسماء المرشحين ويقع على عائق المواطنين اختيار أفضل المرشحين وأكثرهم قدرة على خدمة الوطن، من خلال عضويتهم لمجلس الشورى خاصة في ظل الصلاحيات التشريعية والرقابية، التي يتمتع بها المجلس بعد تعديل النظام الأساسي للدولة ومن المنتظر أن يكون للمرأة العمانية دور أكبر داخل المجلس في الفترة الثامنة له.