في مثل هذا اليوم منذ 25 عاماً، اجتاحت القوات العراقية بشكل مفاجئ الكويت في غضون ساعات، ولم تستطع الدبلوماسية العربية إيقاف هذا جموح الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ووجدت جامعة الدول العربية والنظام الإقليمي العربي نفسه عاجزاً عن إدارة تلك الأزمة، والحال أن المتأمل في أوضاع العالم العربي في أعقاب غزو الكويت لابد أن يقر بأن آثار تلك الفترة أثرت على الأوضاع العربية أمداً طويلاً، وشكلت منعطفاً كبيراً في تشكيل مستقبل العالم العربي.

وكان أسوأ ما واجه الكيان الجامع للدول العربية المتمثل بجامعة الدول العربية هو المواقف والانقسامات العربية المتباينة بشأن اجتياح الكويت، إذ لم يكن ذلك الاعتداء خارجياً، بل من عقر الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وهو الأمر الذي لم تلحظه معاهدة الدفاع المشترك العربية، لو قدر لها أن تفعل.

أوضاع متباينة
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، شكل الغزو تحدياً كبيراً وتهديداً أمنياً غير مسبوق، ويقول وزير الخارجية السابق راشد بن عبد الله النعيمي، إن التصعيد من جانب العراق وثم الغزو شكل صدمة كبيرة، مضيفاً: «الكويت احتُلت في ساعات، وأصبحنا في الصباح نرى أن دولة أزيلت، وأن رموز هذه الدولة خارجها، وبدأنا منذ ذلك الصباح نعمل على تحرير الكويت».

والكويت والولايات المتحدة طالبتا بعد ساعات من الاجتياح العراقي، بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن حيث صدر القرار الأممي رقم 660 بشجب الاجتياح والمطالبة بانسحاب العراق من الكويت. وبدأت عملية درع الصحراء في 7 أغسطس مع وصول أولى طلائع القوات الأميركية إلى السعودية.

وبسبب الانقسامات، تأخر انعقاد مؤتمر القمة العربي غير العادي التاسع في القاهرة إلى 9-10 أغسطس، وأعلن عن قراراته في اليوم الثاني، حيث دان العدوان العراقي على دولة الكويت ورفض نتائجه وأكد سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية وشجب التهديدات العراقية لدول الخليج العربي والتضامن معها والاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى بنقل قوات عربية لمساندتها.

ولم يحض القرار على موافقة أغلبية الدول العربية لوجود انقسام بين الدول العربية.

وعلى الرغم من صدور سلسلة قرارات لمجلس الأمن إلا أن مواقف الدول العربية ظلت متباينة، فساند الكويت دول مجلس التعاون وبجانبها مصر وسوريا والمغرب وهي الدول الثلاث التي اتخذت موقفاً ضد الغزو وأرسلت قواتها إلى المملكة العربية السعودية بناء على قرارات القمة العربية الطارئة، بينما تحفظت دول أخرى ترنحت مواقفها بين رافض للغزو  ومدينٍ للتدخل الأجنبي، وبرزت الجزائر وليبيا وتونس في مقدمة هذه المجموعة، ومع تصاعد الوجود العسكري الأجنبي زادت حدة المعارضة للحرب داخلها.

وكان موقف الأردن واليمن السودان ومنظمة التحرير الفلسطينية مؤيداً للعراق رغم من الاختلاف بينها، لكن عند التصويت على القرار، امتنعت الجزائر واليمن عن التصويت وتحفظت كل من الأردن والسودان وموريتانيا ومنظمة التحرير وغابت تونس ورفضت ليبيا، وهذا يعود للانقسام العربي حول التدخل العسكري الأجنبي.

مواقف الفرقاء
ويرى المراقبون أن هذه الأزمة قسمت العالم العربي إلى أربعة فرقاء: فريق أول يضم دول مجلس التعاون الخليجي التي انطلق موقفها على أساس تحقيق انسحاب العراق الكامل من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية الكويتية للحكم، ووضع الأسس والضوابط الكفيلة بعدم تكرار هذا الوضع في المستقبل.

وفريق ثان يشمل العراق والأردن وفلسطين رأى القضية أساساً كقضية عربية لا تستدعي هذا الحشد الدولي، وتتطلب إعادة توزيع للثروة. وفريق ثالث يضم السودان واليمن اللذين اعتبرا أن القضية ليست قضية إدانة بل حاجة إلى جهود إيجابية لدى العرب، وأن الوجود الأجنبي يشكل تهديداً للأمن العربي ككل.

 وفريق رابع جمع دول المغرب العربي، وبشكل خاص الجزائر وتونس وليبيا التي تباينت مواقفها بالنسبة إلى غزو الكويت وحاولت جاهدة المحافظة على الرغبة في التوسط.

ويقول النعيمي بشأن الجهود الدبلوماسية التي بذلت في تلك الفترة إن الوضع العربي العام بالأساس، لم يكن مترابطاً بشكل عام. والشيء الثاني، أن بعض القيادات في الدول العربية، كانت تستمال بالمال، وفي إطار الوعود التي تمت بالحصول على غنائم.

وفي الحصيلة، فشل العرب في اتخاذ موقف موحد، وشكلت الأحداث تعبيراً عن الأزمة الكامنة داخل الجسم العربي الرسمي، كما شكل الغزو بداية تشكيل جديد للعلاقات العربية على أسس لم تكن معهودة من قبل.

نقلة نوعية
فقد أحدث الغزو نقلة نوعية في طبيعة التوصل إلى تسويات مقبولة داخل الجسم العربي، وبدل أن يكون نزاع بين دولتين على مسائل يمكن التوصل بشأنها إلى تسوية مقبولة، تحول النزاع في طبيعته وأبعاده إلى نزاع متعدد الأطراف، لا سيما في ظل منعطف مهم في تاريخ العالم، الذي كان يشهد انهيار النظام الدولي القديم القائم على التوازنات السياسية، وبداية ظهور نظام القطب الواحد.

وصدام الذي توجه إلى داخل الوطن العربي لحل مشكلاته الاقتصادية قرر ضرب كل المواثيق العربية والدولية، ولم يمتثل للقرارات الدولية بانسحابه من الكويت، وقام بضمها. وتسلح في ذلك بثلاث ذرائع وهي أن الكويت جزء من العراق، وأنها تضر بالاقتصاد العراقي نتيجة لضخ النفط، وأن موقفها متشدد من الديون العراقية، عازفاً على أوتار القومية العربية لاستمالة الرأي العام العربي إلى جانبه.

نتائج كارثية
وبدت الحماقة والمغامرة العراقية بمثابة كارثة أدت لتدمير العراق وإعطاء الولايات المتحدة الأميركية ذريعة التواجد بأساطيلها لعقود قادمة في المنطقة مع استنزاف ميزانيات الدفاع للدول الخليجية وتحجيم أي دور مستقبلي للعراق بتشديد الحصار عليه، إضافة إلى خسائر تكبدتها الدول العربية بعودة العاملين في دول الخليج وغيرها الكثير، وقدر التقرير الاقتصادي العربي العام 1992 الآثار السلبية المباشرة للأزمة والغزو والحرب بـ 676 بليون دولار.

وكانت التداعيات السلبية للغزو على الأمن القومي العربي أن النظام العربي بدا غير قادر على حل مشكلاته الإقليمية من دون تدخل أجنبي، وبدأت المنطقة العربية والإقليمية بالتحول تدريجياً إلى منطقة شرق أوسطية.

وقد اتسعت الفجوة بين دول مجلس التعاون والدول العربية التي عارضت التدخل الأجنبي، وظهر المسمى الكويتي لهذه الدول باسم دول الضد ليعبر عن التداعي الذي أصاب العلاقات الخليجية- العربية بسبب الأزمة.

وكانت العلاقات العربية-العربية تشهد انكماشاً وتفككاً قبل الأزمة، لكن الثقة انهارت كلية بآليات النظام العربي والأعراف المتفق عليها والتي تحول دون استخدام القوة الشاملة لتسوية المنازعات العربية- العربية، كما انكسرت محرمات عربية مثل عدم جواز منح قواعد عسكرية لقوى وإنشاء أحلاف عسكرية بين دول عربية وقوى أجنبية. وشهد العالم العربي حالة من الاعتكاف القطري وانكمشت «تكافلية» النظام العربي.

وكشف الغزو عن سمات للنظام العربي وهو إيثار المصالح القطرية الضيقة، والعجز عن توفير نظام أمن عربي جماعي يستطيع ردع محاولة أي طرف من أطرافه تهديد السلامة الإقليمية لطرف آخر، إضافة إلى مشكلة اختلاف مستويات التنمية بين العديد من الدول العربية.

وجامعة الدول العربية لم تستطع تدارك هذه الأزمة والتوسط في حال النزاعات بين الدول العربية، وبدت في هذا الصراع جسماً ميتاً.

تدخل قاصر
كان نجاح جامعة الدول العربية في حل النزاع العراقي الكويتي نسبياً أو مؤقتاً على مدى تاريخه، فقد أوجدت الجامعة تسوية وأرسلت قوات طوارئ عربية من الجمهورية العربية المتحدة والأردن والسودان عام 1961، غير أن التسوية لم تستمر، وتكرر النزاع عام 1973، وتدخلت الجامعة مجدداً عبر أمينها العام، وتم تشكيل هيئة مختلطة لترسيم الحدود، ولكن ذلك لم يستمر، وتجدد النزاع عام 1990 وانتهى باجتياح العراق للكويت، وكان هذه المرة الحل بتدخل دولي في ظل انقسامات عربية واسعة.