لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا
تعالت في الأيام الماضية أصوات أميركية ترجح أو تدعو علانية إلى تقسيم العراق بذريعة أنه الحل الأمثل لتجاوز أزمته الراهنة، واللافت أن تلك التصريحات تتزامن مع الذكرى الخامسة لانسحاب آخر جندي أميركي مقاتل من العراق، في حين يصارع البلد هجمات إرهابية متصاعدة.
الجنرال الأميركي المتقاعد فرانك هالميك، الذي شارك في مهمات بالعراق على مدى عدة أعوام، اعترف بخطأ توقيت الانسحاب، قائلاً: «غادرنا قبل أن نحقق العديد من الأهداف الأساسية للتدريبات.. القوات الجوية العراقية لم تكن جاهزة بعد للدفاع عن أجواء البلاد، وما زالت حتى الآن تفتقد لهذه القدرة».
دعوات التقسيم
وفي ظل اعترافات أميركية عديدة مشككة بقرار الغزو وتوقيت الانسحاب، أطلّ رئيس هيئة الأركان في الجيش الأميركي الجنرال رايموند أوديرنو، قبل أيام من تسليمه لمهام منصبه، ليدعو بشكل صريح إلى أن تقسيم العراق هو الحل الأمثل للأزمة التي تعانيها بلاد الرافدين، موضحاً أن الولايات المتحدة يجب أن تدرس نشر قوات في العراق، إذا لم تحقق المعركة ضد تنظيم «داعش» تقدماً.
وأكد أوديرنو، في مؤتمر صحافي، أن المصالحة بين السنة والشيعة «تزداد صعوبة يوماً بعد يوم»، وأن «تقسيم العراق ربما يكون الحل الوحيد، ولكنني لست مستعداً لقول ذلك بعد».
جهل أميركي
فيما سارع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرد على تصريحات أوديرنو «غير المسؤولة» والتي تنم عن «جهل بالواقع العراقي».
وقال العبادي إن «العراقيين يضحون من أجل تعزيز وحدة بلدهم والدفاع عنه، وهم بصدد إجراء إصلاحات كبرى، تعيد للعراق مجده وأصالته، ويحقق الانتصار الساحق على داعش وأعوانه».
ورغم أن وزارة الخارجية الأميركية أكدت أن ما ورد على لسان أوديرنو لا يمثل الموقف الأميركي، إلا أن تصريحات رئيس هيئة الأركان لم تكن أولى الدعوات الأميركية إلى تقسيم العراق، فقد سبقه عدة مسؤولين للترويج لذلك، ومنهم وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي دعا في مارس 2006 إلى تقسيم البلاد إلى ثلاثة مكونات، مرجحاً أن يكون مصير العراق كمصير يوغسلافيا السابقة.
نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قدم مقترحاً آخر في مايو 2006، عندما كان نائباً عن الحزب الديمقراطي في الكونغرس، دعا فيه إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، كردي وشيعي وسني، يتمتع كل منها بحكم ذاتي. فيما دعا الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» بايدن وليزلي غيلب إلى اتخاذ البوسنة نموذجاً عصرياً «بتقسيم العراق إلى أقاليم طائفية».
وتبنى مجلس الشيوخ الأميركي خطة بايدن- غيلب عام 2007، إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تجاهلتها لأسبابها الخاصة.
قيود عسكرية
وفي خضم مقترحات التقسيم الأميركية، مررت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي في مايو الماضي مشروع قانون قدمه العضو ماك ثورنبيري، يفرض شروطاً لتخصيص مساعدات عسكرية أميركية للعراق بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع لعام 2016.
وينص القرار على تخصيص المبلغ المذكور للقوات المشاركة في القتال ضد «داعش»، على أن يخصص 25 في المائة منه مباشرة إلى قوات البيشمركة الكردية والقوات السنية (العشائر السنية).
واشترط القرار صرف 75 في المائة المتبقية بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، يخصص 60 في المائة من المبلغ المتبقي للقوات الكردية والسنية، الأمر الذي جعل الحديث يعود مجدداً عن مشروع جو بايدن.
3 دويلات
أما المرشح للانتخابات الأميركية عن الحزب الجمهوري جون كاسيتش، فقد جدد الدعوة إلى تقسيم العراق بقوة، قائلاً إن مآل الأمور في العراق والحملة الدولية ضد تنظيم «داعش» سينتهي بتقسيم البلاد.
وأوضح كاسيتش، في مقابلة مع «سي.إن.إن»، موقفه من قرار بوش بشن حرب في العراق، قائلاً: «ما كنت لأدخل نفسي في الملف العراقي، وكما ترون الآن فإنه وبالنهاية سينتهي المطاف بالعراق على الأغلب إلى الانقسام لثلاثة أجزاء»، منتقداً قرار الرئيس باراك أوباما بسحب قواته من العراق بالقول: «كان لا بد لنا من الإبقاء على قاعدة واحدة في العراق على الأقل».
عقبات
تصطدم فكرة تقسيم العراق بعقبات داخلية وخارجية، فالمحافظات العراقية متداخلة، والمجتمع العراقي لا يتكون من مكونات ثلاثة كردية وسنية وشيعية فقط، فهناك المسيحيون والتركمان وغيرهم. كما أن الثروات الطبيعية والنفطية غير موزعة بشكل متساو بين المحافظات، فضلاً عن نفود تنظيم «داعش» الذي يفرض سيطرته على مساحات شاسعة من العراق. ولا يمكن أيضاً إغفال معارضة دول إقليمية للتقسيم، مثل تركيا وإيران، خشية أن يؤدي ذلك إلى إثارة نعرات انفصالية داخل حدودها.