تظاهر آلاف اللبنانيين في العاصمة بيروت في تجمع حاشد بدعوة من حملة «طلعت ريحتكم» ضد الطبقة السياسية بمجملها التي يتهمونها بالفساد وبالعجز عن تأمين أدنى متطلبات الناس الحياتية، مطالبين بتحسين الأوضاع وإقالة البرلمان وإسقاط النظام الطائفي.

وفي ساحة الشهداء، وقف ناشطون يوزعون على الوافدين أعلاماً لبنانية كتب عليها «طفح الكيل».

وأفادت مصادر بأن القادمين إلى وسط العاصمة أتوا من مناطق مختلفة وهم ينتمون إلى طوائف متعددة، وهي ظاهرة نادرة في بلد يعاني انقسامات سياسية وطائفية حادة. وسار بعضهم في مسيرات راجلة من نقاط عدة في العاصمة.

وقالت ديانا الحكيم (32 عاماً) في منطقة الحمرا قرب مقر وزارة الداخلية، حيث تجمع المئات قبل الانطلاق نحو ساحة الشهداء للمشاركة في التجمع: «جئت لأطالب بحقوقي. حقوقي الدنيا كمواطنة أن أحظى بالاستشفاء والكهرباء وببلد نظيف».

وأضافت «لم انتخب مرة في حياتي، ولن انتخب إلا متى رأيت طقماً سياسياً جديداً ونظيفاً». وقال أحد منظمي التحرك، لوسيان أبو رجيلي: «نحن ضد الطبقة السياسية كلها. ليست تظاهرة حزبية. هي مطلبية لكل شعب لبنان، لكل الأحزاب».

حظر الأعلام

وحظر المنظمون رفع أعلام غير العلم اللبناني في التظاهرة. وحمل المتظاهرون لافتات هاجمت المسؤولين واصفة إياهم بـ«الزبالة»، في حين تنوعت المطالب من حل لأزمة النفايات إلى المطالبة بتأمين الكهرباء والماء إلى إسقاط النظام الطائفي وانتخاب رئيس للجمهورية واستقالة المجلس النيابي، وصولاً إلى حل لقانون الإيجارات.

وارتفعت من مكبرات للصوت أغان وأناشيد وطنية، وبين وقت وآخر، يهتف المتظاهرون «ثورة، ثورة، ثورة». وغطت كل قنوات التلفزة على مختلف مرجعياتها السياسية، التحرك، وإن كان بكثافة متفاوتة.

مشاركة فنانين

في حين وضعت تظاهرة أمس خصوصاً تحت شعار «كلن_يعني_كلن»، في إشارة إلى أن الاحتجاج هو على كل السياسيين دون استثناء.

وذكر أسعد ذبيان، أحد المنظمين، أن «هناك 500 متطوع بين المتظاهرين ينسقون مع قوى الأمن للحفاظ على الأمن». وشارك عدد كبير من الفنانين اللبنانيين في التحرك. كما شاركت عائلات بكاملها مع الأطفال.

شيء نادر

وقال الفنان غسان صليبا في مقابلة مع تلفزيون «ال بي سي»، إن ما يحدث لا يشبه أي شيء من قبل. في الماضي، كان زعيم يدعو إلى التظاهر، اليوم كل الطوائف ستشارك، لأن جميع الناس يشعرون بالوجع».

بدوره، قال أستاذ علوم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت جاد شعبان، إن تظاهرة تعد «أكبر تظاهرة من نوعها».

وأضاف أن الحراك يجمع كل الناس الذين قرفوا من السياسيين.

وتابع أن «هذه الحكومة ساقطة، مجلس النواب غير شرعي. الحكومة التي شكلت على أساس أنها حكومة وحدة وطنية لم تقم بشيء».

من جهته، قال ناشط يدعى خلدون جابر إنه قضى ليلته في خيمة قرب مقر الحكومة إنه يدعو الشعب اللبناني «المقهور والفقير والمعتر» والذي يحتاج إلى فرص عمل ووظائف وخدمات صحية للنزول اليوم والمشاركة في هذه المظاهرة من أجل «صنع لبنان جديد».

تدابير أمنية

واتخذت أمس تدابير أمنية مشددة تجنباً لتكرار أعمال الشغب، وانتشرت قوى الأمن والجيش في شوارع العاصمة، خصوصاً في ساحة الشهداء ومحيطها.

لقطات

*واكبت مواقع التواصل الاجتماعي الحراك المدني وانتشرت بعد الهاشتاغ الأساسي «طلعت_ريحتكم»، حملات وشعارات أخرى مثل: «#بدنا_نحاسب، #عالشارع، #مستمرون، و#طفح_الكيل، و#حلوا_عنا»، وغيرها.

*بدأ المحتجون في الاحتشاد في وقت مبكر وهم يعزفون الموسيقى ويرددون الأغاني قرب مقر الحكومة.

*ارتدى العديد من المتظاهرين والمنظمين قمصاناً قطنية بيضاء كتب عليها «طلعت ريحتكم».

مشاورات ناشطة لاحتواء الأزمة وترقب لمبادرة بري

تزامناً مع دخول الشغور الرئاسي في لبنان يومه الـ462، أوحى المناخ العام أن ساعة الصفر قد اقتربت وأن ما بعد التظاهرة التي شهدتها بيروت أمس، والتي كانت الأعظم حشداً منذ زمن طويل، بقيادة شبابية غير سياسية (بمعنى الانتماء الحزبي المحدد)، لن يكون كما قبلها، وإن كانت أهدافها تجاوزت السلطة وعجزها وركزت على رفض النظام الطائفي، بمؤسساته القائمة والمعطلة، كما قال منظمو هذا الحدث.

وخلال الساعات الأخيرة توزع المشهد السياسي بين الاتصالات السياسية الجارية للم شمل الحكومة مجدداً، بعد الخضة التي تعرضت لها بفعل مقاطعة وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، وبين الحراك الذي شهدته بيروت أمس، مع التظاهرة التي دعت إليها حملة «طلعت ريحتكم»، في ظل استنفار وجاهزية أمنية تامة لحماية المتظاهرين والاستقرار والسلم الاهلي، وقطع الطريق أمام إمكان دخول المندسين مجدداً على خط التخريب.

حركة الشارع

وكانت الأنظار اتجهت إلى الشارع، بعد أن وصلت التعبئة إلى حدها الأقصى، من أجل تظهير حجم الاعتراض، تأسيساً للمرحلة المقبلة.

ولكن اللافت أن حركة الشارع التصاعدية لم تترافق مع مناخات سياسية تصعيدية، بل على العكس، فالوقائع السياسية في الأسبوع الماضي ، من الحوار بين «المستقبل» وحزب الله إلى الجلسة المنتجة للحكومة وصولاً إلى المساعي والوساطات القائمة على قدم وساق والرامية إلى إعادة تفعيل مجلسَي الوزراء والنواب، دلت على أن معظم القوى السياسية تتجنب انزلاق الوضع نحو الأسوأ وتبحث عن تفاهم سياسي.

وفي السياق، برزت الخطوة التي قام بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي أعطت نتائجها السياسية النائب ميشال عون مهلة أسبوع للوصول إلى حلول، قبل أن تنطلق تظاهرات حزبية يوم الجمعة المقبل.

مبادرة بري

كما تأتي، في السياق أيضاً، المبادرة التي سيطلقها بري، غداً في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر، والتي قيل إنه قد يدعو فيها إلى جلسة حوار من أجل لبننة الأزمة السياسية.

وكان بري كشف عن التفكير في الدعوة إلى طاولة حوار تشاورية، على نسق طاولة الحوار التي أطلقها في العام 2006.

وهو بادر خلال الساعات الأخيرة إلى فك العقد المتعلقة بعمل مجلس الوزراء تمهيداً لفك المراوحة السلبية في الحياة السياسية، وأولى الثمار عدم دعوة رئيس الحكومة تمام سلام إلى جلسة للحكومة الأسبوع المقبل، ليعطي الوقت الكافي لإنضاج التسوية، بحسب ما كشفت مصادر وزارية لـ«البيان».

وفيما خص الحركة السياسية الناشطة لحل الأزمة الحكومية، علمت «البيان» أن الأمور مفتوحة على الحل، وأن مطلع الأسبوع المقبل سيشهد زخماً إضافياً في حركة المشاورات، يمكن أن ينتج عنها صيغة تفاهم تسمح بإعادة لم شمل الحكومة، ولو أخذت هذه المشاورات وقتها.

استعداد للتظاهر

يستعد «التيار الوطني الحر» للتظاهر عصر الجمعة المقبل في ساحة الشهداء (وسط بيروت)، تلبية لدعوة النائب ميشال عون لـ«المطالبة بالإصلاح والحق في الشراكة الوطنية»، في وقت دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المتظاهرين للبقاء في الساحة لحين انتخاب النواب رئيساً جديداً للجمهورية.