أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال افتتاح مؤتمر الفكر العربي بالقاهرة الذي يتزامن انعقاده مع ذكرى مرور 70 عاماً على إنشاء جامعة الدول العربية أن التحديات التي يمر بها الوطن العربي ولا سيما بعض دوله لم تعد تقتصر على كونها مجرد مشكلات تواجهها الدول العربية.. وإنما باتت تشكل تهديداً وجودياً مباشراً لتلك الدول ومقدرات شعوبها وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني للدول العربية القائمة والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمي العربي كإطار منظم لكافة أوجه العلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية على كافة الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية.

وقال السيسي في كلمته إن تحقيق ما تقدم لا يعتمد فقط على مدى توافر الموارد.. سواء كانت طبيعية أم مالية أم بشرية، فجميعها تتوافر لدى الدول العربية، وإنما يرتكز بشكل أساسي على زيادة تعزيز العمل الجماعي وبلورة الرؤى المشتركة باعتبارهما جوهراً ضرورياً وقوة دافعة لا غنى عنها من أجل تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في العيش الكريم.. والحرية الواعية المسؤولة التي تبني ولا تهدم.. وتعمر ولا تدمر.. والعدالة الاجتماعية التي تكفل تحقيق التوافق المجتمعي والسلم الاجتماعي.

وتابع: إننا بحاجة ماسة إلى إعطاء أولوية قصوى لتطوير قطاع الصناعة في إطار تكاملي عربي.. لبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي وتوفير السلع والمنتجات التي يمكن تبادلها بين الدول العربية لتعزيز التجارة البينية.

استراتيجيات جديدة

وقال السيسي: أود أن أؤكد في هذا الصدد على أهمية ربط استراتيجية التنمية الصناعية بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لتؤتى ثمارها المرجوة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فتساهم في تحسين مستوى معيشة المواطن العربي وتخفض من الاعتماد على الاستيراد من خارج الوطن العربي إلى حدود مناسبة تعمل على إصلاح الخلل في الموازين التجارية وتوفر العملات الصعبة.

وأوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير التمويل الضروري لهذا التطوير من خلال تعزيز دور مؤسسات التمويل العربية.. فضلاً عن التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين الدول العربية في هذا الشأن بالتواكب مع تطوير البنية الأساسية والمعلوماتية لتسهيل تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية على الأصعدة كافة وتطبيق منظومات فاعلة لمكافحة الفساد.. آخذاً في الاعتبار دور البرلمانات الرقابي في مكافحة ومنع الفساد والترسيخ لقيم النزاهة والشفافية.

وأكد على أهمية تعزيز الاستثمار العربي المشترك للاستفادة من الموارد العربية الطبيعية والمالية والبشرية المتمثلة في العمالة المدربة من أجل تعزيز قطاع الصناعة العربية وتوظيف إنتاجها للنهوض بقطاعات اقتصادية أخرى مثل الزراعة لتحقيق نهوض اقتصادي شامل يأخذ بعين الاعتبار تطوير منظومات التعليم والتدريب والبحث العلمي.

تحقيق الاستقرار

وأشار السيسي إلى أن الوصول إلى هدف التكامل الاقتصادي العربي يتطلب التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وهو الأمر الذي نستطيع أن نصل إليه معاً آخذاً في الاعتبار أن دعم مسيرة التكامل العربي على الصعيد الدفاعي لا تعني تنازلاً عن السيادة الوطنية.. وإنما إعلاء للمصلحة القومية الجماعية في وقت تتداعى فيه الأخطار والتهديدات على دول وشعوب وطننا العربي ومن ثم فإننا بحاجة إلى تحديد مصادر التهديد للأمن العربي على المستويين الوطني والقومي.. وكذا تحديد الأولــويـات على صعيد مواجهة هـذه التحديات.

وشدد على ضرورة إنشاء القوة العربية المشتركة كأداة مهمة من أدوات التكامل العربي اللازمة للدفاع عن قضايا الأمة العربية حيث تتخذ مصر والسعودية الشقيقة خطوات جادة في هذا الصدد.. ومن بينها إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين البلدين.. والذي تتضمن أعماله موضوع القوة العربية المشتركة إلى جانب العديد من جوانب تعزيز العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين.

وتابع الرئيس المصري: لقد أدى صعود الجماعات الراديكالية المتطرفة التي تمارس الإرهاب وانتشارها في بعض الدول العربية إلى إزكاء ثقافة العنف الديني والمذهبي ونشر الفكر المتشدد بما يهدد الوحدة الوطنية ويفرض قيوداً على حرية الرأي والتعبير والإبداع بكافة أشكالها الأمر الذي ينعكس سلباً على أوضاع الثقافة والمثقفين العرب.. ويمثل بيئة مواتية لظهور مشاريع سياسية ودينية.. ومذهبية وقومية تسعى إلى تغيير واقع جغرافياً الدولة الوطنية.. وذلك من خلال صراعات مفتعلة بين الفكرة العربية الجامعة.. وبين مدعي الفكر الإسلامي.

وفى ضوء ما تقدم، وأخذاً في الاعتبار العوامل الثقافية والإبداعية التي تمتلكها دول العربية.. وفى طليعتها اللغة العربية الجامعة.. والتراث الحضاري المشترك.. فضلاً عن الإسهام الفكري والحضاري لمختلف الجماعات الثقافية الذي يثري الواقع الثقافي العربي.. فإنه يتعين تفعيل دور جامعة الدول العربية.. والمنظمة العربية للعلوم والثقافة «الألكسو».. وتطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة المتقاربة ثقافياً.. من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية.. بحيث تزداد الروابط والموحدات الشعبية والرسمية.. ويكون نتاج ذلك دعماً لمشروع التكامل المأمول.. وبما يحقق الازدهار الثقافي والاقتصادي في المنطقة.. فضلًا عن أهمية إيلاء الثقافة والتعليم والفنون.. ما تستحقه من عناية واهتمام.. من أجل إحداث نقلة نوعية في العقل والفكر العربيين.. بحيث تؤسس المناهج التربوية والجهود الثقافية بشتى أنواعها.. لعقد اجتماعي جديد.. يعلى من قيم المواطنة والتنوع.. واحترام وقبول الآخر.

تعزيز التعاون

وقال السيسي لن يفوتني أن أؤكد في هذا المقام.. على ضرورة تنسيق الجهود بين الدول العربية على المستويين الرسمي والشعبي.. للعمل على حماية التراث الأثري العريق.. الذي يتعرض للتدمير والنهب في عدد من الدول العربية جراء العمليات الإرهابية..

كما أدعو إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.. وفى مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو».