طالب الاجتماع الوزاري العربي، برئاسة الإمارات، تركيا بالانسحاب الفوري من العراق دون شرط، وعدم انتهاك السيادة العراقية مستقبلاً، مجدّداً إدانته تدخّل إيران في شؤون الدول العربية، وفيما شدّد معالي د. أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، على أنّ مبعث القلق أنّ تدخلات تركيا وإيران تركت آثاراً سيئة على الاستقرار العربي، لفت إلى أنّ سيادتنا وأمننا وسلامتنا الإقليمية تمثّل «خطاً أحمر».
وأدان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، في اجتماع أمس برئاسة الإمارات، الحكومة التركية لتوغّل قواتها العسكرية في الأراضي العراقية، باعتباره اعتداء على السيادة العراقية وتهديداً للأمن القومي العربي. وطالب المجلس، في ختام اجتماعه غير العادي، الحكومة التركية بالسحب الفوري لقواتها من الأراضي العراقية دون قيد أو شرط.
وأكّد المجلس مساندة الحكومة العراقية في الإجراءات التي تتخذها وفق قواعد القانوwن الدولي ذات الصلة، مطالباً الحكومة التركية بالالتزام بعدم تكرار انتهاك السيادة العراقية مستقبلاً مهما كانت الذرائع.
وطالب المجلس الأمين العام لجامعة الدول العربية تبليغ قرار المجلس بهذا الشأن رسمياً لرئيس مجلس الأمن، كما طلب المجلس من العضو العربي في مجلس الأمن متابعة الطلب المتضمن انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة إلى حين تحقيق الانسحاب الناجز لهذه القوات.
التدخل الإيراني
في سياق متصل، جدّد مجلس الجامعة العربية إدانته للحكومة الإيرانية لتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، باعتباره انتهاكاً لقواعد القانون الدولي ولمبدأ حسن الجوار، كما أنه يحمل تهديداً خطراً للأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وطالب المجلس، في بيان صادر في ختام أعمال دورته الطارئة على مستوى وزراء الخارجية، برئاسة معالي د. أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بشأن التدخلات الإيرانية في الوطن العربي، إيران بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، والكف عن الانتهاكات والأعمال الاستفزازية ومحاولات بث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطني الدول العربية، أو عبر دعم التخريب والإرهاب والتحريض على العنف، أو من خلال التصريحات التي تصدر عن كبار مسؤوليها، والتي تعد تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول العربية المستقلة ذات السيادة، والتي لا تساعد على بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وتشكّل خرقاً للقوانين والأعراف الدولية ومبادئ الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية. ودعا المجلس إيران إلى ضرورة ترجمة ما تعلنه عن رغبتها في تحسين العلاقات مع الدول العربية وفي الحوار وإزالة التوتر إلى خطوات عملية وملموسة قولاً وعملاً.
ظروف دقيقة
وترأس معالي د. أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أعمال الاجتماع غير العادي لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب الذي انطلق أمس بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وقال معالي د. أنور قرقاش، في كلمته خلال افتتاح أعمال الدورة الطارئة، إنّ «هذا الاجتماع يأتي بناء على طلب العراق مناقشة دخول قوة عسكرية تركية إلى عمق الأراضي العراقية، وبتأييد من كل من الكويت والأردن وتونس وموريتانيا ومصر ولبنان، كما يناقش طلب دولة الإمارات إدراج التدخّلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والطلب القطري بإدراج مسألة القطريين المختطفين في الأراضي العراقية».
وأضاف معاليه أنّه «لا يخفى علينا الظروف الدقيقة التي تمر بها منطقتنا العربية في هذه اللحظة التاريخية، ومدى ما يدور بدولنا من أخطار تهدد عوامل الاستقرار فيها، المتمثلة على وجه الخصوص في محاولات المساس بالسيادة الإقليمية التي كانت ولا تزال أهم ضمانات الأمن القومي العربي بوجه عام».
إثارة فتن
وتابع معاليه أنّه «فضلاً عن تفشّي ظاهرة الإرهاب متمسحاً بالدين الإسلامي الحنيف، نشهد محاولات حثيثة لإثارة الفتن في مكوّنات المجتمعات العربية، بما يمس أمننا القومي في الداخل والخارج، وبث الدعايات المغرضة»، مشدداً على أنّ كل ذلك يفرض علينا التمسّك بكل ما تفرضه قواعد القانون الدولي وما تضمنته المواثيق الدولية من ضرورة الالتزام من جانب الكافة باحترام السيادة الإقليمية لكل الدول وحظر التدخل في شؤونها الإقليمية».
وأضاف معاليه: «لعلنا، كدول عربية ضمن هذه الأسرة الكريمة، نحرص ألّا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفي المقابل فإننا نأبى تدخل الآخرين في شؤوننا تحت أي ذريعة كانت وفي أي صورة يأتي عليها هذا التدخل»، مردفاً: «ونحن إذ نؤكد ما سبق، فذلك لأنّه يساورنا قلق عميق من محاولات التدخل في شؤون الدول العربية كدول وطنية من جانب بعض القوى الإقليمية، الأمر الذي يجعل من اجتماعنا لمناقشة التدخل التركي في العراق فرصة سانحة لنطرح على بساط البحث مظاهر التدخّل الأخرى سواء من جانب تركيا أو إيران، وما يقتضيه ذلك من مناقشة سبل حماية أمننا القومي والسيادة الإقليمية لدولنا، كدول وطنية ضد مظاهر هذا التدخل وأخطاره».
تدخّل سافر
ولفت معاليه إلى أنّ «ما يزيد من قلقنا أنّ التدخل السافر من جانب تركيا وإيران قد ترك آثاره السيئة على الاستقرار في العديد من الدول العربية، باعتباره انتهاكاً لسيادتها وسلامتها الإقليمية على نحو لا يمكن التغاضي عنه ولا التهاون فيه ولا المساومة عليه». وقال معاليه إنّه «لا ينبغي على هذه الدول الساعية إلى المساس بأمننا القومي أن تغتر ببعض مظاهر الضعف المؤقت الذي يشهده النظام العربي حالياً، ذلك أنّ سيادتنا وأمننا وسلامتنا الإقليمية تمثّل خطاً أحمر يستوجب الدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة، ولنا في هذا الصدد ظهير قوي من نصوص ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة اللذين يجعلان من احترام السيادة الإقليمية حجر الزاوية في العلاقات السليمة فيما بين الدول، كما يجعلان المساس بها صورة من صور العدوان».
تعاون وثقة
وأضاف معاليه أنّه «وعياً منا بحقيقة كوننا نعيش في منطقة واحدة، فإنّه من مصلحة الجميع خلق أرضية مشتركة للتعاون، وإرساء الثقة فيما بيننا، قوامها الحفاظ على المصالح المشتركة لكل الدول على أساس الاحترام المتبادل لسيادة دول المنطقة واتباع سياسة حسن الجوار فيما بينها».
وقال: «لعلها فرصة طيبة أن يكون اجتماعنا اليوم على المستوى الوزاري، لكي ندعو فيه للحرص على هذه المبادئ، لا سيما أنّ ما يعانيه العراق تعانيه دول عربية أخرى، فمبدأ احترام السيادة الإقليمية هو مبدأ عام لا يقبل التجزئة، ومن ثم يجب احترامه من الكافة وعلى الكافة، نتطلع إلى أن نخرج من هذا الاجتماع عاقدين العزم ومتوافقين على أن تكون علاقاتنا مع جيراننا قائمة على أساس الاحترام المتبادل لسيادتنا الوطنية، مع التعبير على حرصنا الجازم على حمايتها بكل ما أوتينا من عزم وتصميم».
تعازٍ وتهنئة
وقدم معالي د. أنور قرقاش تعازي دولة الإمارات قيادةً وشعباً للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في وفاة نجله الذي وافته المنية إثر حادث سير أليم وقع شرقي موريتانيا، داعياً الله عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم عائلته وذويه وكل محبيه الصبر والسلوان.
كما هنأ معاليه الأمتين العربية والإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف. وهنأ الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والإنجيلية والأسقفية والمسيحيين جميعاً في داخل الدول العربية وخارجها بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
تضامن عربي
من جهته، أكّد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أهمية أعمال الدورة الطارئة لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، من أجل مناقشة الطلب العراقي، للنظر في توغّل القوات التركية في عمق الأراضي العراقية، مشدّداً على أنّ هذا يشكّل انتهاكاً واضحاً لقواعد القانون الدولي والسلامة والأمن الإقليميين، وداعياً القوات التركية إلى الانسحاب فوراً إلى الحدود الدولية المعترف بها. وقال العربي، في كلمته خلال افتتاح أعمال الدورة، إنّ «التأييد العربي السريع والقوي لعقد الاجتماع يعكس حجم التضامن العربي الواضح مع العراق»، معرباً عن دعم الجامعة للجهود الدبلوماسية التي تبذلها الحكومة العراقية من أجل إقناع تركيا بسحب قواتها، وآملاً أن تستجيب الحكومة التركية لهذه المساعي.
وأكّد العربي مساندة الجامعة العربية للحكومة العراقية وما تقوم به لمكافحة الإرهاب، وأنّ الطلب الإماراتي بإدراج التدخّلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية يشكّل مدخلاً مناسباً لبحث جميع المسائل المتعلقة بصيانة الأمن القومي العربي. واستعرض العربي في كلمته تطورات الأوضاع في فلسطين واليمن وليبيا وسوريا.
جهود دبلوماسية
بدوره، استعرض وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الجهود الدبلوماسية التي تبذلها بلاده لإقناع تركيا بسحب قواتها من العراق بأسلوب متحضّر ودبلوماسي، لكون العراق يعتمد الآن على قوة الدبلوماسية، وليس دبلوماسية القوة. وشدد الجعفري على أنّ الجانب التركي أصرّ على استخدام مصطلح إعادة نشر القوات، وهي ما زالت باقية، والعراق لن يسمح أبداً بذلك، لأنّه يعد انتهاكاً واضحاً لسيادته.
وطالب الجعفري مجلس الجامعة العربية باتخاذ موقف يرتقي إلى حجم الانتهاكات التي يتعرض لها العراق، مؤكّداً أنّ ما يبذله العراق من جهود دبلوماسية ليس من قبيل ضعفه، ولكن من قبيل القوة والحرص على الحفاظ على العلاقات مع الدول كافة.
تسوية
إلى ذلك، أكد الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي أنّ «التضامن العربي مع العراق كان واضحاً خلال أعمال الاجتماع». وأضاف، في تصريح مقتضب لـ«البيان»، أنّ «هذه المسألة تتم تسويتها بالتراضي بين البلدين»، مشيراً إلى التأكيد العربي لسيادة العراق على حدودها وترابطها، وأن هذا كان معبَّراً عنه خلال آراء جميع الدول العربية، وهذا ما حصل وصدر بشأنه قرار.
اتفاق الصخيرات
رحّب مجلس الجامعة العربية بقرار مجلس الأمن بشأن ليبيا. ودعا المجلس جميع الأطراف إلى احترام الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية الذي ينص على تشكيل حكومة وفاق وطني، وجهود الدول العربية ودول الجوار التي أسهمت في التوصل إلى هذه النتائج.
وأعرب المجلس عن أمله بأن ينهي هذا الاتفاق معاناة الأشقاء الليبيين، ويفتح المجال لبدء مرحلة جديدة تضمن تحقيق تطلعات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار، ويدعو المجلس الذين لم يوافقوا على الاتفاق إلى سرعة الانخراط في ركب الوفاق الوطني الليبي. وأكد المجلس التزامه التام بسيادة واستقلال ليبيا وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، كما يرحب بالجهود الإقليمية الدولية الهادفة إلى وضع الترتيبات الأمنية اللازمة.