تعيش تونس أجواء سياسية استثنائية، ففيما تتأهّب لإحياء مرور 5 سنوات على ثورة الياسمين في ظل مقاطعة المعارضة، يستمر التشظّي في أكبر كتلها «نداء تونس» بما أتاح لحركة النهضة اعتلاء سدة الأغلبية، بينما صادق البرلمان على التعديل الوزاري.

ومنح البرلمان في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الثقة لـ 13 وزيراً بناء على اقتراح رئيس الحكومة الحبيب الصيد في إطار تعديل جوهري طرأ على التشكيل.

وصوّت 186 نائباً على منح الثقة لكل وزير بشكل منفرد، إذ تمّت تزكية وزير العدل الجديد عمر منصور بموافقة 147 نائباً، ووزير الداخلية الهادي المجدوب بموافقة 139 نائباً، كما حصل وزير الخارجية الجديد خميس الجيناوي على موافقة 134 نائباً، فيما نال وزير الشؤون الدينية محمد خليل تزكية 142 نائباً، ثمّ تزكية يوسف الشاهد وزيراً للشؤون المحلية بـ 147صوتاً، بينما حظي محمود بن رمضان وزير الشؤون الاجتماعية على موافقة 123 نائباً، وكمال العيادي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد على 142، وسنية مبارك وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث على 142، وحصل منجي مرزوق وزير الطاقة على موافقة 138 نائباً، ونال محسن حسن وزير التجارة تزكية 144، وأنيس غديرة وزير النقل 143 صوتاً.

وحصل كمال الجندوبي وزير مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان على موافقة 132 نائباً، وتزكية خالد شوكات وزير مكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب وناطقاً رسمياً باسم الحكومة بـ 136 صوتاً.

دفاع حكومة

ودافع رئيس الحكومة الحبيب الصيد أمام البرلمان عن خياراته، مشيراً إلى دستورية التعديل الوزاري، وأنّه «اتخذ قراراً شخصياً بالإبقاء على الائتلاف الحكومي وعدم مراجعته»، لافتاً إلى أنّ «الغرض من التعديل إعادة هيكلة الحكومة بعد تقييم آداء بعض الوزراء وتحييد جميع وزارات السيادة في الوقت الراهن».

وأكّد الصيد عدم وجود تدخّلات في تغيير وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ في التعديل الوزاري، في معرض ردّه على اتهامه بالخضوع لضغوط من حركة النهضة التي خاضت حرباً إعلامية ضد بطيخ نتيجة عزله عدداً من أئمة المساجد.

تغّير موازين

في الأثناء، استمرت عاصفة الانشقاقات في كتلة «نداء تونس» البرلمانية، إذ ارتفع عدد النواب المستقيلين ليصل إلى 21 نائباً، مما يعطي حزب حركة النهضة المرتبة الأولى من عدد النواب بـ 69 نائباً، وينقل كتلة نداء تونس إلى المرتبة الثانية بـ 65 نائباً.

وكشف الناطق الرسمي باسم مجلس نواب الشعب حسان الفطحلي، عن تصدّر ‬كتلة حركة ‫النهضة‬ المشهد البرلماني بـ ‫‏69 نائباً‬ تليها حركة ‫نداء‬ تونس ‫65 مقعداً‬، ثم مجموعة الـ 21 ثم كتلة الوطني الحر بـ 16 مقعداً، والجبهة الشعبية 15 نائباً ثم كتلة آفاق تونس والحركة الوطنية ونداء التونسيين بالخارج، والكتلة الديمقراطية الاجتماعية 10 نواب و11 نائباً غير منتمين.

وأكّد الفطحلي أن النواب الـ 17 المستقيلين منذ الجمعة الماضي أعضاء في الكتلة إلى حين انقضاء الأجل بحلول اليوم الأربعاء.

ذكرى ثورة

إلى ذلك، تحيي تونس غداً الذكرى الخامسة لثورة الياسمين في ظل تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية لافتة، بينما أعلنت قوى المعارضة مقاطعتها الاحتفالات التي ستنتظم بقصر الرئاسة بقرطاج تحت إشراف الرئيس الباجي قائد السبسي. ودعا نواب المعارضة داخل البرلمان ما وصفوها بـ «كل القوى الديمقراطية التقدمية والمدنية» إلى الاحتفال بالذكرى مع جماهير الشعب في كل الجهات ومقاطعة الاحتفالات الرسمية.

أسباب مقاطعة

وأرجع المقاطعون قرارهم إلى ما أسموه فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق استحقاقات الثورة وأهمها الشغل والحرية والكرامة الوطنية، وغياب الإرادة السياسية للقطع مع خيارات النظام السابق، والاستمرار في الالتفاف على أهداف الثورة، داعين كل القوى الديمقراطية التقدمية والمدنية إلى الاحتفال بهذه الذكرى مع الشعب في كل جهات البلاد.

مشروع

أكّد الأمين العام المستقيل من حركة نداء تونس محسن مرزوق، أنّه يتبنّى المشروع البورقيبي ويعارض نداء تونس في مسألة التحالف مع الإسلاميين، مشيراً إلى أنّ «راية المشروع البورقيبي ستبقى عالية، وأنّه سيواصل المشروع التونسي بطريقة مختلفة».وعن أسباب الانشقاق، قال إنّ «أول أساس للديمقراطية استشارة مناضلي الحزب، فكان هذا أول نقاط الاختلاف، اما الثاني فيتعلق بهوية الحزب ذات التوجه الوطني العصري البورقيبي».  

محلّلون: الشعب دعم «الحركة» لإحداث التوازن 

أشار محلّلون سياسيون إلى أنّ نسبة كبيرة من التونسيين دعمت مشروع حركة نداء تونس عند انطلاقه في العام 2012 باعتباره قادراً على إحداث التوازن والحيلولة دون تغوّل الإسلاميين الذين فازوا في انتخابات أكتوبر 2011، في ظل اتساع رقعة المشروع الإخواني بالمنطقة العربية على أنقاض الأنظمة السابقة لما سمي بدول الربيع العربي.

ولفت المحلّلون إلى أنّ حركة نداء تونس رفعت شعارات مناهضة للإخوان، ومن أجل ذلك فازت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية 2014، ثم جاءت المفاجأة بالتحالف بين حركتي نداء تونس والنهضة، وبالاتجاه نحو إقصاء قيادات ندائية متهمة بأنها معادية للتقارب مع الإسلاميين، وبظهور جناح داعم لهذا التوجه يقود حافظ قائد السبسي الذي اجتمع بقيادات إقليمية داعمة للإخوان، ما أثار جدلاً واسعاً في الساحة التونسية وخاصة بين من كانوا صوتوا للنداء في الانتخابات.

وأبان المحلّلون أنّ المسائل اتخذت منحى حاسماً بحضور راشد الغنوشي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأول لحركة نداء تونس والاستقبال الحافل الذي حظي به من قبل المحسوبين على الجناح التوافقي، وحديثه عن التحالف بين الحزبين وقوله بأن تونس طائر يطير بجناحي النهضة والنداء، ثم اختيار حافظ قائد السبسي لمهمة أمين عام مكلف بالشؤون التنفيذية والممثل القانوني للحزب الذي أعطاه الزعامة العملية للحزب.

  ويجمع المتابعون للشأن المحلي أن البورقيبيين والدستوريين والتجمعيين ممن كانوا ينتمون إلى الحزب الحاكم سابقاً يرفضون التحالف مع الإسلاميين لأسباب فكرية وعقائدية وسياسية، وهم لا ينسون موقف نظامي بورقيبة وبن علي ضد حركة النهضة التي بدأت تنشط سياسياً بمرجعية إخوانية منذ سبعينيات القرن الماضي، وتمّ اتهامها بالتورط في الإرهاب ومحاولات الانقلاب ضد نظام الحكم وخاصة في الأعوام 1982 و1987 و1991.