أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية أن مؤتمر «جنيف 3» الذي يعقد حالياً بين الأطراف السورية بادرة أمل جديدة لإخراج الشعب السوري من المحنة التي يعيشها، مشيراً خلال لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأبوظبي إلى أن فرصا عديدة ضاعت لإيجاد تسوية ومعالجة للأزمة السورية منذ بدايتها، وأصبحت أكثر صعوبة وتعقيدا مع ارتفاع أعداد الضحايا والمدنيين.

وفيما لفت سموه إلى أن الإمارات وروسيا تشعران بقلق بالغ حيال التهديد الذي يشكله الإرهاب والتطرف على البلدين، وأن العلاقات الثنائية بين الإمارات وروسيا تسير بخطى سريعة وتشهد المزيد من التطور والنمو، أكد لافروف أهمية الدور الذي تلعبه الإمارات في دعم جهود الحل في سوريا وغيرها من الدول التي تشهد أعمال عنف مثل العراق واليمن وليبيا وأفغانستان.

وأن التعاون بين روسيا والإمارات ودول الخليج العربي يسهم في استقرار الأوضاع في المنطقة. ودعا سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية إلى تنحية الخلافات جانبا والعمل على إخراج الشعب السوري من مأساته.

جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده سموه في ديوان عام الوزارة أمس مع وزير الخارجية بجمهورية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف.

وقال سموه: «كانت هناك فرصة لمعالجة الوضع السوري في بداية الأحداث إلا أن الأمر أصبح الآن أكثر تعقيداً وصعوبة وازداد عدد الضحايا السوريين».

وأعرب سموه عن أمله في أن تكون مباحثات «جنيف 3» بادرة أمل جديدة لإخراج الشعب السوري من هذه المحنة.. داعيا الأطراف الدولية والشركاء إلى أن يكونوا صادقين أمام أنفسهم وأن يعملوا بشكل جماعي لإيجاد حل للأزمة وأن يضعوا جميعا الهدف الأسمى أمام أعينهم وهو حماية الشعب السوري.

وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان رحب في بداية المؤتمر الصحافي بوزير الخارجية الروسي.

وأشار سموه إلى أنه أجرى مع وزير الخارجية الروسي مباحثات بناءة وهامة حول عدد من القضايا التي تهم البلدين والشعبين من ضمنها الصراع الدائر في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، موضحا أن اللقاء كان فرصة ثمينة لبحث آفاق التعاون الثنائي بين الإمارات وروسيا في مشاريع ومجالات متعددة.

الإرهاب قلق مشترك

وقال سموه إن الشراكة مع روسيا تتعدى التعاون الثنائي بين البلدين حيث إن روسيا شريك بارز لدولة لإمارات على الساحة الدولية وعلى مستوى منطقتنا ونحن نرحب على الدوام بالمشاركة والتعاون الروسي الإيجابي في هذه المنطقة.

وأضاف سموه إن دولة الإمارات وروسيا تشعران بقلق بالغ حيال التهديد الذي يشكله الإرهاب والتطرف على بلدينا ومنطقتنا حيث نقوم معا باتخاذ الإجراءات الفاعلة لمعالجة الأسباب الجذرية للتهديد الذي يشكله التطرف.

الحل في سوريا

ولفت سموه إلى أنه بحث مع وزير الخارجية الروسي كذلك الجهود المستمرة لإيجاد حل سلمي في سوريا وقال: «يؤمن كلانا وبشدة بأن الحل السلمي هو الوحيد لإنهاء الصراع الدائر هناك وفي هذا الصدد نرحب بالمشاركة الإيجابية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا».

وأشاد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بالموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية. وأضاف سموه: «نشعر هنا في الإمارات ببالغ السرور لمستوى العلاقات الثنائية الممتاز بين البلدين فروسيا بالنسبة لنا شريك اقتصادي بالغ الأهمية حيث إن حجم التبادل التجاري بين بلدينا بلغ ما يقرب ضعف ما كان عليه قبل سنتين مضت».

فرص استثمارية

وقال سموه إن دولة الإمارات ثاني أكبر سوق اقتصادي في الشرق الأوسط وتعد مركزا لوجستيا هاما لنقل المسافرين والبضائع وتقام على أرضها الكثير من المعارض والمؤتمرات الدولية كما إن هناك بيئة جاذبة وفرصا استثمارية كبيرة توفرها الدولة للعديد من الشركات العالمية ومن ضمنها الشركات الروسية.

وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات تتعاون مع روسيا في مشاريع استثمارية عديدة، مشيرا إلى أنه وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أطلقت كل من شركة موانئ دبي العالمية وصندوق الاستثمار الروسي المباشر مشروعا مشتركا وهو – شركة موانئ دبي العالمية - روسيا والهدف من وراء إطلاقه هو استثمار مبلغ ملياري دولار أميركي في البحرية والموانئ الروسية إضافة إلى استثمارات أخرى من شركة مبادلة الإماراتية.

وقال سموه: «تمثل السياحة بين البلدين مجالا حيويا آخر للتعاون حيث زار الإمارات العام الماضي ما يزيد على 500 ألف مواطن روسي».

علاقات وثيقة

وأوضح سموه أنه بحث مع وزير الخارجية الروسي موعد عقد الاجتماع السادس للجنة الإماراتية الروسية المشتركة لهذا العام والذي سيعمق التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية والثقافية والسياحية والرياضية والمصرفية.

وأعرب سموه عن تطلعه الدائم للعمل جنبا إلى جنب لمعالجة هذه القضايا وغيرها من القضايا الهامة لكلا البلدين، وعبر عن تقدير دولة الإمارات للعلاقات الوثيقة البناءة مع روسيا وأكد استمرار نموها وازدهارها مستقبلا.

لافروف: تنسيق مشترك

بدوره، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين بلاده ودولة الإمارات من خلال اللقاءات المنتظمة بين الجانبين على هامش المحافل الدولية، مؤكدا أن محادثاته في أبوظبي كانت مفيدة للغاية.

وأكد لافروف حرص الجانب الروسي على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتي توليها القيادة الروسية والقيادة الإماراتية عناية كبيرة من خلال عقد اللقاءات على مستوى القمة حيث شهد العام الماضي لقاءين بين كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأشار لافروف إلى أن مباحثاته مع المسؤولين الإماراتيين تناولت مختلف جوانب التعاون السياسي والاقتصادي والأمني وتعزيز العلاقات التجارية وتنفيذ المشروعات المشتركة التي تعود بالفائدة على البلدين، مضيفا إن المباحثات تناولت التعاون في مجال الطاقة خاصة حول بناء المحطة النووية في «براكة».

تعاون خليجي- روسي

ولفت إلى الأهمية التي توليها روسيا لرفع مستوى التعاون والتنسيق مع كافة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بشكل عام، موضحا أن بلاده ستستقبل نهاية الشهر الجاري اللقاء الوزاري العربي الروسي، كما إنها ستستضيف فعاليات الحوار الروسي ومجلس التعاون الخليجي في دورته الرابعة في نهاية الربيع المقبل.

دور الإمارات

ونوه وزير الخارجية الروسي بأهمية الدور الذي تلعبه الإمارات في دعم جهود التوصل إلى حل لتسوية الأوضاع في سوريا وغيرها من الدول التي تشهد أعمال عنف مثل العراق واليمن وليبيا وأفغانستان، مشيرا إلى أن كلا من روسيا والإمارات يؤيدان بقوة على إطلاق عملية الحوار الوطني في جميع الدول التي تشهد أوضاعا صعبة بفعل الصراعات الداخلية أو الاعتداءات من قبل المنظمات الإرهابية.

وأضاف إن توفير الأمن في المنطقة هو على رأس اهتمامات السياسة الروسية، وأن التعاون بين روسيا والإمارات ودول الخليج العربي عموما يسهم في استقرار الأوضاع وإيجاد حلول لمشاكل كثيرة في المنطقة، شاكرا في الوقت نفسه تفهم الإمارات للموقف الروسي وسياسته في المنطقة، وجدد رفض بلاده محاولات تهميش القضية الفلسطينية، مجدداً المطالبة بضرورة إيجاد حل شامل وعادل لها.

ملفات المنطقة

وأوضح وزير الخارجية الروسي أن مباحثاته في الإمارات ركزت بشكل أكبر على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أخذ الموضوع الأمني حيزا كبيرا من هذه المباحثات، وتم التأكيد على مواصلة تعزيز الجهود لمحاربة الإرهاب سواء عن طريق التحالفات الثنائية أو التحالفات الدولية التي تشكلت جراء الأوضاع والتحديات الراهنة، لافتا إلى أهمية التنسيق العملي بين هذه التحالفات.

وقال سيرغي لافروف إنه ناقش مع الجانب الإماراتي بشكل مفصل الشأن السوري وضرورة إيجاد حل لهذا الصراع انطلاقا من قرار الأمم المتحدة رقم 2254 وتطبيق جميع بنوده المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتسوية الأوضاع الإنسانية وإطلاق العملية السياسية بهدف تطبيق الإصلاحات مع التشديد على أن السوريين هم الوحيدون الذين يحق لهم تقرير مصيرهم بأنفسهم من دون أي تدخل خارجي.

وأبدى لافروف ترحيب بلاده بمحادثات «جنيف 3» ودعمها المطلق لجهود المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا في إطلاق هذه المحادثات، أملا أن تفضي إلى قرارات تسهم في حل الصراع السوري طبقا للقرارات الأممية.

مجريات جنيف

وعن الأطراف المعارضة المشاركة في الحوار أضاف لافروف إن وفد المعارضة في جنيف يجب أن يتضمن جميع أطياف القوى المعارضة، مشيرا إلى أن مشاركة جيش الإسلام وأحرار الشام في محادثات جنيف لا يعني اعتراف موسكو بهما وعليهما أن يوافقا على قرارات الأمم المتحدة برفض العنف.

وقال إن الموافقة على مشاركتهما بصفة شخصية لا تعني الاعتراف بهاتين الجماعتين كشريكين في المفاوضات ووافق على ذلك الجميع بما فيهم الولايات المتحدة وهذا موقفنا ويشاطرنا هذا الموقف العديد من أعضاء مجموعة دعم سوريا.

وأضاف لافروف إن الحل في سوريا ينطلق من تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ونحن نرحب بالحوار السوري السوري انطلاقا من ثوابتنا المعروفة فيما يتعلق بتشكيل الوفود.

وفد موحد للمعارضة

وأكد لافروف أن المرحلة الراهنة في التسوية السورية مهمة للغاية وعبر عن أمل موسكو في تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية في جنيف. وأوضح أن عملية تشكيل وفدين للمعارضة أحدهما على أساس قائمة الرياض والثاني على أساس قائمة المشاركين في لقاءات القاهرة وموسكو وغيرها من العواصم لم تكتمل بعد بل من المتوقع أن يصل مزيد من المعارضين السوريين إلى جنيف في الأيام المقبلة.

وأضاف لافروف إن العملية السياسية في سوريا دقيقة والمفاوضات يجب أن تشمل جميع أطياف المجتمع السوري لكن بعض الشركاء يشددون على انتقال السلطة وهو أمر يعرقل الحل فالمطلوب هو توافق بين النظام والمعارضة.

وشدد وزير الخارجية الروسي على أن الدول التي تدعم التسوية السورية لن تتدخل في القرارات السورية بل سيدعم المجتمع الدولي ما سيتفق عليه السوريون المشاركون في مفاوضات جنيف.

العمليات الروسية

ورداً على تصريحات وزير الخارجية البريطاني فليب هاموند بأن سلاح الجو الروسي في سوريا لا يساعد على حل الأزمة بل يزيدها تعقيدا، قال لافروف نحن اعتدنا على مثل هذه التصريحات التي لا تستند إلى حقائق ودلائل منطقية، مشددا على أن سلاح الجو الروسي يعمل بتنسيق كامل مع الجيش السوري في مهمة ضرب التنظيمات الإرهابية.

وأضاف إن روسيا ومنذ اللحظة الأولى لعملياتها العسكرية في سوريا دعت الجميع دون استثناء لتنسيق الأعمال القتالية في محاربة الجماعات الإرهابية على الأراضي السورية حيث إن الوضع هناك بالغ التعقيد والتداخل ولتجنب مثل هذه الأسئلة حول من يضرب الأهداف الصحيحة والأهداف غير الصحيحة، لكننا جوبهنا بالرفض، وأقصى ما توصلنا إليه هو اتفاق على تفادي الحوادث في العمليات العسكرية.

وأردف: «نعتقد بأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تصرفات كل الأعضاء في تحالفها ضد الإرهاب بسوريا وطبعا تركيا من هذه الأعضاء».

محادثات شاملة

وأبدى لافروف رفض بلاده التركيز خلال محادثات جنيف على جانب دون الآخر، حيث يجب أن تكون المباحثات والقرارات شاملة وأن تضم ممثلين عن جميع أطياف الشعب السوري، منتقداً محاولة البعض التركيز على مسألة انتقال السلطة فقط.

وأكد لافروف أن بلاده تدعم جميع الجهود الرامية إلى إنجاح مباحثات جنيف وخاصة جهود المبعوث الدولي دي مستورا الذي عليه أن يبدي تعاونا متساوياً مع جميع الأطراف في هذه المباحثات، مؤكدا أنهم بانتظار الاستماع لتقييم شامل من المبعوث الدولي في أعقاب ختام الجولة الحالية للمفاوضات.

وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قد التقى سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي وجرى خلال اللقاء استعراض مختلف مجالات التعاون القائمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية والسبل الكفيلة بتعزيزها وتنميتها في ضوء ما يربط البلدين من روابط صداقة ومصالح مشتركة تتطلع قيادتا البلدين إلى تعزيزها وتطويرها.

وتم أيضا تبادل وجهات النظر والآراء حول مجمل التطورات والأحداث الراهنة على المستويين الإقليمي والدولي ومواقف البلدين تجاهها خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب بكل أنواعه وتنظيماته وأشكاله وتأكيد أهمية الحفاظ على الأمن والسلم العالميين وصون استقرار وسلام دول المنطقة.

أسعار النفط

بخصوص تراجع أسعار النفط عالميا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده تسعى إلى تفاهم عام بين جميع الدول المعنية بتصدير النفط والطاقة سواء من داخل أوبك أو من خارجها، لأن أي حوار بين هذه الدول يصب في مصلحة الجميع، مضيفا إن بلاده منفتحة على الدعوة التي وجهتها فنزويلا للقاء يجمع الدول المصدرة للنفط، حيث ستدعم بلاده أي اتفاق يخرج عن هذا الاجتماع.