مع دخول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى ريعان شبابه بعمر 35 عاماً، تتواصل مسيرة النماء والعطاء التي أرسى قواعدها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، منذ انعقاد الدورة الأولى في أبوظبي في 25 مايو 1981، حيث تجلى ترسيخ مبدأ العمل الجماعي المشترك، ودعم المسيرة، وتطوير قدرات المجلس لتحقيق المزيد من الإنجـازات، وبما يلبي تطلعات مواطني دول المجلس لرفع مستوى المواطنة الخليجية.
وتمثل دول مجلس التعاون، تركيبة سياسية متجانسة. وانطلاقاً من أهميتها وارتباطها، برزت أهمية وجود كيان جماعي يعبِّر عن المصالح المشتركة، ويتفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية المحيطة، تأثيراً وتأثراً، مع ضرورة الأمن الجماعي الإقليمي.
وتمكنت مسيرة مجلس التعاون من إنجاز العديد من المشاريع المشتركة، إضافة إلى تطوير مستوى التنسيق والتعاون والتكامل، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها. وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
وطرحت مبادرة الاتحاد الخليجي بقوة على الدورة السادسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (2015)، باعتباره مسألة مصيرية، فكل الظروف الإقليمية والدولية، تدفع إلى تحقيق الاتحاد المنشود، فالتحديات المنظورة تتطلب تعاوناً يتعدى مرحلة التعاون التي نجح في تحقيقها المجلس.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه حدة التحديات، وأبرزها خطر الإرهاب والمخاطر على الأمن الخليجي، استوجب الأمر جهداً خليجياً مضاعفاً لحماية حدود الدول الأعضاء، وحل الأزمات في المنطقة، ومنع امتدادها إلى دول المجلس، وانطلقت في هذا الصدد خلال عام 2015، بمبادرة سعودية، ورعاية من خادم الحرمين الشريفين، عمليات من أجل إعادة الشرعية إلى اليمن..
فكانت عاصفة الحزم، ثم تلتها عملية إعادة الأمل، من أجل إعادة الإعمار، مع مواصلة مطاردة الانقلابيين هناك، حتى يذعنوا لقرارات الشرعية الدولية، وأصبحت قوات التحالف تسيطر الآن على أكثر من 90 في المئة من أراضي اليمن.. ثم كان التحالف الإسلامي العسكري، وشاركت بجهد واضح في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق.
وتتميز دول الخليج العربية الست، بتماثل الوضع الاقتصادي إلى حد كبير، وكذلك تماثل التركيبة السياسية والاجتماعية، مع تطلع كل منها إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل.
وسعى قادة دول المجلس، من خلال لقاءاتهم ومشاوراتهم المستمرة، على تثبيت قواعد كيان مجلس التعاون، وتقوية دعائمه لتحقيق طموحات وتطلعات مواطنيه.
ولم يمنع هاجس الأمن، الذي سرّع تأسيس المجلس في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، من التركيز على الجوانب المختلفة للتعاون في ما بينها، اقتصاديّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، سعياً إلى تحقيق هدف أساسي، وهو قيام الوحدة في ما بينها، عبر وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات..
والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية. ودفعت الأمانة العامة بأعمال التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء، قدماً لتحقيق الأهداف الأساسية لمجلس التعاون.
الشؤون الأمنية
منذ قيام المجلس، والعمل الأمني المشترك يحظى باهتمام قادة دول مجلس التعاون، حيث يسير العمل الأمني المشترك بوتيرة متناغمة. وتم إنجاز العديد في هذا المجال، مثل اعتماد استراتيجية مكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب في عام 2003، وتوقيع اتفاقية مكافحة الإرهاب 2004، تسهيل تنقل المواطنين بين جميع الدول الأعضاء بالهوية الشخصية الوطنية.
ومن الإنجازات، اعتماد خطة التدريب المشتركة للعاملين في مجال مكافحة الإرهاب، وتوقيع الاتفاقية الأمنية المعدلة في نوفمبر 2012، واتفاقية إنشاء مقر جهاز الشرطة الخليجية (مقره دولة الإمارات العربية المتحدة).
ونجحت الدول الخليجية في عام 2015، في حماية أمنها واستقرارها، من خلال كفاءة أجهزتها الأمنية في متابعة ورصد والتصدي للخلايا الإرهابية، وبتفعيل التنسيق في ما بينها، للكشف عن هذه الشبكات الإرهابية، التي كانت تنوي تنفيذ عمليات إرهابية قبل إحباط مخططاتها.
الشؤون العسكرية
وخلال أكثر من ثلاثة عقود، تم إقرار العديد من الدراسات والأنظمة والاستراتيجيات التي عززت العمل العسكري المشترك. وشهدت مسيرة العمل الدفاعي المشترك، مثل: استكمال الدراسات الخاصة بالقيادة العسكرية الموحدة، ومجلس الدفاع المشترك لتحقيق التكامل الدفاعي، التي تمثّل عملياً في التمارين العسكرية المشتركة، وكرَّاس الإجراءات الموحدة للقوات المسلحة بدول المجلس لمجابهة الحوادث الإشعاعية، وتبادل الإنذار المبكر عن أسلحة الدمار الشامل.
المواقف السياسية
وشهد العمل المشترك خليجياً، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، طفرة كبيرة، من خلال تعميق مسيرة مجلس التعاون والتنسيق في مختلف المجالات. حيث واصل قادة دول المجلس، اجتماعاتهم ولقاءاتهم لبحث التطورات في المنطقة والعالم، وتعزيز التعاون الثنائي.
ووقفت دول المجلس موقفاً قوياً تجاه القضايا التي تمس أمنها واستقلالها.
ومنذ انطلاقة مجلس التعاون، كان تأكيد مجلس التعاون الخليجي على المواقف الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتأكيد على دعم المجلس، حق السيادة للإمارات العربية المتحدة، على جزرها الثلاث، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري..
والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإمارات العربية المتحدة، واعتبار أن أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث، لاغية وباطلة، ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية.
واستنكر المجلس، على الدوام، التصريحات غير المسؤولة المتكررة، التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين، بشأن دول المجلس، باعتبار ذلك تدخلاً سافراً في شؤون الدول الأعضاء الداخلية، ولا يخدم تحسين العلاقات وتطويرها.
والتأكيد على المواقف الثابتة، بأن العلاقات مع إيران يجب أن تبنى على أسس ومبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة دول المنطقة، والامتناع عن استخدام القوة، أو التهديد بها.
نتائج اقتصادية
في المجال الاقتصادي، حققت دول مجلس التعاون، معدلات نمو جيدة هذا العام، وصلت إلى 3.2 في المئة، وفق تقرير البنك الدولي أكتوبر 2015، واستمرت في تنفيذ ومتابعة خطط التنمية بها، فالتحديات الكبيرة التي واجهتها دول المجلس، لم تثنها عن متابعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وواجهت دول المجلس، مسألة تدني أسعار النفط، وما استتبعه ذلك من إعادة توجيه لمواردها، وإعادة النظر في سياسات الدعم التي استنزفت موازناتها، بإعادة توجيه الدعم لمستحقيه.
وعلى مستوى العمل الخليجي المشترك، واصلت دول مجلس التعاون، عن طريق اللجان الوزارية، الدفع بأعمال التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء قدماً، لتحقيق الأهداف الأساسية لمجلس التعاون. كما استمرت دول المجلس في تحقيق طفرات في مجالات التنمية البشرية.
وقرر المجلس الأعلى في دورته (الثامنة والعشرين الدوحة 2007)، الإعلان عن قيام السوق المشتركة، التي تقوم على مبدأ أن يُعامل مواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين في أي دولة من الدول الأعضاء، نفس معاملة مواطنيها، دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية.
وتسعى دول مجلس التعاون، لتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، ومن هذا المنطلق، فإن لجنة التعاون المالي والاقتصادي، ارتأت ضرورة عمل دراسة لتعميق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.
كما صدرت الموافقة من مقام المجلس الأعلى في دورته الـ 35، على المتطلبات المرحلة النهائية للاتحاد الجمركي.. كتفاً بكتف، مع تفعيل آليات المتابعة لاستكمال المتطلبات الرئيسة للسوق المشتركة.
الاهتمام بالملفات العربية
الشأن اليمني، أثنت في دوراتها الأربع الماضية، على التوافق الوطني الذي توج به مؤتمر الحوار الوطني، وبما ينسجم مع أهداف المبادرة الخليجية الرامية إلى الحرص على وحدة الجمهورية اليمنية، واحترامها لإرادة وخيارات الشعب اليمني الشقيق، حماية للسلم الأهلي والأمن والاستقرار في اليمن ومكتسباته الوطنية.
مع دعم دول المجلس التعاون، لكل الخطوات والإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي، لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، وصياغة دستور جديد، وكذلك الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني.
وفي شأن النزاع العربي ــ الإسرائيلي، أكّدت كل القمم الخليجية، المواقف الدائمة والثابتة تجاه القضية الفلسطينية، والمتمثلة في ضرورة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق المرجعيات العربية والدولية ذات الصلة.
وعلى الدوام، كان الموقف الخليجي حازماً تجاه التحذير من كل ما من شأنه تغيير الهوية التاريخية والدينية والوضع القانوني والديموغرافي لمدينة القدس.
وفي الشأن السوري، كان الموقف الخليجي، ولا يزال، مؤيداً للحل السياسي للأزمة السورية، وفقاً لاتفاق جنيف 1.. متزامناً مع مطالبة جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، الضغط على النظام السوري لتطبيق القرارات رقم 2139 و2165، الداعيين إلى رفع الحصار عن المدن السورية، ووقف الهجمات والغارات على المدنيين، وتسهيل دخول القوافل الإنسانية بشكل سريع وآمن.
تجربة متفردة
وأدت النشأة سالفة الذكر لمجلس التعاون، إلى تمتعه بصفة الاستمرارية، والبقاء في ما فشل كثير من تجارب الوحدة العربية الأخرى، على الرغم من التحديات الكثيرة، التي أحاطت به منذ إنشائه، وكانت كفيلة بوأده وتعطيل أعماله، كالخلافات الحدودية بين عدد من أعضائه، والحرب العراقية - الإيرانية على حدوده، إضافة إلى الثورة الإيرانية واتجاهاتها، والغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990، وأخيراً انقلاب المتمردين الحوثيين على الشرعية في اليمن، بتحريض وتوجيه من إيران.
ربط الكهرباء والماء
تم إنجاز أعمال مشروع الربط المائي في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تستمر جهود هيئة الربط الكهربائي الخليجي، في العمل على إنشاء سوق لتجارة الطاقة الكهربائية، كما تقوم بالمساهمة في دراسة الربط الكهربائي العربي الشامل.
التنقل
تستخدم الدول الأعضاء في مجلس التعاون، البطاقة الذكية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في التعاملات والاستخدامات المتعلقة بالمواطن لدى القطاعين العام والخاص في الدول الأعضاء.
دعم الشباب
أكد قادة دول المجلس على الأجهزة المسؤولة عن شؤون الشباب في دولهم، بتكثيف النشاطات والفعاليات الشبابية المشتركة، مع التركيز على اختيار البرامج والفعاليات، وفق أولويات واهتمامات الشباب، مع التأكيد على تكثيف الأنشطة والفعاليات الشبابية المشتركة، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من تطلعات واهتمامات الشباب الخليجي.
التعاون الاستراتيجي واسع المحاور متعدّد الاتجاهات
قام المجلس بتعزيز الشراكات الاستراتيجية الإقليمية، مع عدد من الدول العربية والإسلامية والصديقة، والتكتلات السياسية، منها الأردن، المغرب، وجيبوتي..
إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، واليابان، وأوكرانيا، بعقد اجتماعات مشتركة لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع هذه الدول، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، فضلاً عن الاجتماعات الوزارية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي.
وأولى المجلس اهتماماً كبيراً بالشراكات والحوارات الاستراتيجية، حيث عقدت اجتماعات عدة لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، آخرها الاجتماع الخامس، الذي عقد في نيويورك في سبتمبر 2015.
وفي مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية، بدأت الاتصالات أولاً مع الاتحاد الأوروبي، ومن ثم، مع دول ومجموعات أخرى.. إذ أصدر المجلس الوزاري في دورته الخامسة والثلاثين (في يونيو 1990)، القرار الخاص بالدخول في مفاوضات تجارية رسمية مع الجماعة الأوروبية.
وفي عام 1996، وافق المجلس الوزاري على إعطاء الأولوية في المفاوضات والحوار الاقتصادي لكل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان..
والاعتراف المتزايد بأهمية الصين الذي تم في عام 2010، توقيع مذكرة تفاهم معها للحوار الاستراتيجي، وتم في عام 2014، إقرار خطة العمل المشترك (2014-2017)، والتي تشمل المجالات السياسية.. والتواصل بين الشعوب، والثقافة والتعليم والصحة والبيئة.
وبالنسبة لفرنسا، أعدت الأمانة العامة، مشروع خطة عمل للشراكة الاستراتيجية، ويجري حالياً التواصل مع الدول الأعضاء والجانب الفرنسي، للتوصل إلى الصيغة النهائية للخطة، والتي تشمل التعاون مجالات التكنولوجيا، والتدريب، والاستثمار المتبادل، والأمن والدفاع.
ومع أستراليا، تم الاتفاق في عام 2013 على خطة العمل المشترك، والتي تشمل التعاون في مجال التجارة والاستثمار، والتعاون والحوار في المجالين السياسي والأمني، والتعاون والحوار في مجال الزراعة والتعليم.
وفي مجال العلاقات العربية الخليجية، وتنفيذاً لخطة العمل المشترك مع المملكة الأردنية الهاشمية، تم تحديد خطط أبعاد الشراكة الاستراتيجية وأهدافها وغاياتها التفصيلية، والآليات والبرامج اللازمة لتنفيذها خلال الفترة من 2013 إلى 2018. كما تم تحديد أبعاد الشراكة الاستراتيجية مع المملكة المغربية، ضمن ذات النطاق الزمني.
وفي 2014، وافق المجلس الوزاري، على البدء بحوار استراتيجي على مستوى الترويكا، مع كل من الهند وكندا والبرازيل، إلى جانب مذكرات تفاهم مع رومانيا وأوكرانيا وجورجيا وسويسرا ومالطا.