بعد خمس سنوات وتزيد قليلاً، على تفجّر الصراع الدامي في سوريا، اقتحمت تركيا معادلة اللاعبين في الميدان المزدحم، بعبور دباباتها الحدود ومقاتلاتها في تدخّل في وجهه المعلن محاربة تنظيم داعش، وفي باطنه شبح الأكراد يطارد أنقرة ويقض مضاجعها، فما داعش إلّا حجة ومسوغ تختبئ وراءه في سياق استقطاب الدعم الدولي لما تقوم به على الأرض.
لم يفاجئ التدخّل التركي الكثيرين إلّا في توقيته، أما تبرير حرب «داعش» فلم ينطل على الكثيرين، فالتنظيم موجود شمالي سوريا وفي جرابلس تحديداً منذ أكثر من عامين ولم يحدث التذمّر العسكري من وجوده، إلّا أنّ الهدف الحقيقي للتحرّك التركي يظل برأي الكثيرين قطع الطريق على الأكراد بين الحسكة وعفرين، وبالتالي منع جيوب كردية متصلة في الشمال السوري، الأمر الذي من شأنه عزل عفرين عن بقيّة المناطق.
ولا تقتصر دواعي التدخّل عند ذلك، إذ إنّ أنقرة تطمح كذلك إلى لعب دور جديد في المنطقة، فالآن تختلف المعطيات عمّا كانت عليه في السابق، فقد تبدّلت ذهنية تركيا بعد محاولة الانقلاب التي عاشتها في منتصف يوليو الماضي.
وكأنّها تقول للعالم: «شتّان بين تركيا قبل محاولة الانقلاب وبعدها»، فبعد حملة تطهير طالت كل مؤّسسات الدولة وعلى رأسها الجيش الذي كان يحد من المقدرة على التدخّل، قرّرت تركيا دخول الصراع السوري وفرض نفسها لاعباً فيه.
خط أحمر
لعل خيط حلول بدأ يلوح في أفق صراع سوريا، عبّرت عنه تركيا في مناسبات عدّة، ويبدو أنّها بدأت تتهيأ له بتدخلها، فهي تخشى من أي محاولات لفرض الأمر الواقع عليها فيما يتعلّق بالأكراد، فوحدة سوريا عندها خط أحمر، فلن تمسح على الإطلاق بتشكّل كيان كردي على حدودها مهما كلّف الأمر. ورغم التفهّم الأميركي للتدخّل التركي، إلّا أنّ لواشنطن خطوطها الحمر أيضاً، والتي لن تمكّن تركيا من التوسّع في تدخلها أبعد من جرابلس.
ولا يبدو في حكم المستبعد ألا يكون التدخّل التركي سوى عمل عسكري خاطف لا يدوم طويلاً يعقبه الانسحاب، إذ إنّ كلفة البقاء طويلاً تعني وبشكل لا ريب فيه الانزلاق في مستنقع الحرب السورية والتورّط فيها، وهو ما تبدو تركيا راغبة في تلافيه. ولا يبدو رد فعل نظام دمشق المندّد بالتدخّل التركي حقيقياً، فنظام الأسد أول من قطف الثمار.
وإن ادعى الغضب، لاسيّما بعد أن غيّرت أنقرة من نظرتها واعتبرت الأسد أحد الفاعلين، وتخلّت عن مطلب رحيله وإن إلى حين. يصعب عملياً على تركيا تغيير الوضع القائم على الأرض شمالي سوريا، فيما تظل مخاطر زيادة إشعال الأزمة قائمة.