استطاع الحدث الانتخابي المقبل في الجزائر المتمثل في الانتخابات النيابية، أن ينتج نوعاً من التفاعل والتدافع السياسي بين الأحزاب، مع مشاركة أغلبية أحزاب المعارضة في هذا الاستحقاق، بل هناك حتى من أبدى نيته في دخول الحكومة المرتقبة، حيث دخلت الأحزاب أجواء الحملة الانتخابية، حتى قبل انطلاقها الفعلي الذي سيكون في الأسبوع الأول من شهر أبريل المقبل.
وتبدو هذه الأحزاب في ورطة من أمرها في ما يخص الخطاب الذي سيصاحب تجمعاتها، فهي لا تستطيع تمنية المواطنين برفاهية العيش في زمن التقشف، كما لم يعد خطاب المخاوف الأمنية، الذي فرضته ظروف 2012، يتمتع بالمصداقية. فيما يبقى العزوف الانتخابي في الجزائر بين هاجس السلطة ورهان المقاطعين.
ويبقى التساؤل هل يمكن أن يُشكّل برلمان جديد، لا يختلف كثيراً عن سابقه، فرصة لإيقاظ الجزائر من سباتها السياسي؟ لا يبدو ذلك أمراً متوقعاً في الحقيقة. فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيواصل، على الأرجح، دوره المحدود الذي فرضه عليه وضعه الصحي، وذلك حتى انتهاء ولايته عام 2019.
وعلى رغم أن البرلمان لن يشكل تهديداً لولاية بوتفليقة الحالية، فإن تركيبته يمكن أن تُعطي الفائزين كلمة أكبر في الدفع بمرشح جديد للرئاسة... في حال قرر بوتفليقة الاكتفاء بولايته الحالية.
ويوجد إجماع واسع على أن موعد الرابع من مايو سيفرز تشكيلة نيابية شبيهة بالولاية المنتهية، بمعنى سيطرة أحزاب الموالاة «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي» على مقاعد البرلمان. ويرتقب دخول أحزاب جديدة موالية للرئيس، أهمها «تجمع أمل الجزائر» بقيادة وزير الأشغال العمومية سابقاً عمر غول، و«الحركة الشعبية الجزائرية» برئاسة وزير التجارة سابقاً عمارة بن يونس.
فيما تبدو حظوظ الإسلاميين ضئيلة، ما دفعهم إلى إحداث تحالفات في المدة الأخيرة، أبرزها ما سمي «الوحدة الاندماجية» بين «حركة مجتمع السلم» و«جبهة التغير»، زيادة على الحلف الإسلامي الذي تم تأسيسه بداية السنة بين «جبهة العدالة والتنمية» و«حركة النهضة» و«حركة البناء الوطني».
3 تيارات
ويوجد 3 تيارات في الجزائر، التيار الأول هو الوطني، ويضم أساساً «جبهة التحرير» التي قادت البلاد منفردة منذ استقلالها عام 1962 وحتى الانتقال إلى التعددية في نهاية الثمانينات. ويضم أيضاً «التجمع الوطني الديموقراطي» الذي تشكّل عام 1997 ويُعرف بـ «حزب الإدارة» كونه يضم إطارات بارزة في هيكل الدولة.
وفي انتخابات 2012، شغلت «جبهة التحرير» 208 مقاعد و «التجمع» 68 مقعداً. ولا يُتوقع حصول تغيير مهم في حصة هذين الحزبين في الاقتراع المقبل، بل سيبقيان، كما هي حالهما اليوم، عماد الحكومة.
التيار الثاني هو الإسلامي الذي خاض انتخابات 2012 في إطار تحالف «الجزائر الخضراء»، وكان يمنّي النفس بتحقيق نتائج باهرة في أعقاب ثورات «الربيع العربي» التي حملت الإسلاميين إلى صدارة المشهد في دول مجاورة. لكن تحالف «الخضراء» خرج مهزوماً وتراجعت حصته 11 مقعداً لتقف عند 49 نائباً.
التيار الثالث هو العلماني الذي يتشكل أساساً من «جبهة القوى الاشتراكية» و «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية». والجبهة التي فازت في انتخابات 2012 بـ 27 مقعداً (بعدما قاطعت البرلمان السابق). أما «تجمع الثقافة»، المنافس الأساسي لـ «جبهة القوى» في مناطق القبائل، فيخوض الاقتراع بعد مقاطعته برلمان 2012، ولا يُتوقع حصول تغيير جوهري في حصة العلمانيين في الانتخابات المقبلة.
متغيرات
ولا يختلف اثنان على أن الظروف التي ستجري فيها الإنتخابات البرلمانية هذه المرة محاطة بكم هائل من المتغيرات السياسية و الإقتصادية والإجتماعية، بل وبحوادث طالت الأحزاب السياسية كلها و بدون استثناء، حيث عصفت أحداث داخلية بالحزب الحاكم، ما أجبر الأمين العام للحزب العتيد عمار سعداني على الاستقالة وتعيين وزير التضامن الوطني السابق جمال ولد عباس الذي وجد نفسه أمام كومة من التبعات التي ينبغي عليه أن يسارع الزمن في التخلص منها فهل سيكون هذا الزمن المتبقي كافياً لإعادة الثقة لمناضلي الحزب أولا ثم بعد ذلك استقطاب مزيد من المكاسب؟؟
حزب التجمع الوطني الديمقراطي ثاني الأحزاب من حيث عدد المقاعد والذي يعتبر ضمنياً وريث حزب جبهة التحرير هو الآخر طالته الأزمات التي بدت جلية في مؤتمره الأخير بوجود عشرات المنشقين ومعظمهم كانوا وزراء ونواباً، غير أن الأمين العام احمد اويحيي نجح في كسر شوكة المتمردين.
هاجس المقاطعة
أحزاب المعارضة دعت كلها الشعب الجزائري للتوجه الجماعي إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة، وبهدف رفع حصتها في البرلمان المقبل، فإذا نجحت أحزاب المعارضة في جلب الناس إلى صناديق الاقتراع فهي تقدم خدمة للسلطة تستحق عليها المكافأة بمقاعد مقبولة تجعل المعارضة مرتاحة للنتائج وتجعل السلطة مرتاحة لنسبة المشاركة.
فيما اختارت بعض التشكيلات السياسية خيار مقاطعة الإنتخابات كحل يؤشر أمام الرأي العام على استمراريتها في معارضة السلطة ومثّل المقاطعة حزب جيل جديد لجيلالي سفيان وطلائع الحريات لعلي بن فليس بالرغم من أن هذا الأخير شارك في الرئاسيات الفارطة كمترشح حر.
وأرجعت هذه الأحزاب قرار مقاطعتها للانتخابات التشريعية لعدة أسباب وضحتها في أن البيئة السياسية الحالية غير المهيأة لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة في ظل تحكم السلطة عن طريق الإدارة في مفاتيح اللعبة،
وظل العزوف الانتخابي هاجسًا سياسيًا يقلق السلطة الجزائرية منذ أول انتخابات تشريعية في عهد التعددية، كان ذلك في العام 1992.
إثر ذلك، نظمت الجزائر أربعة انتخابات تشريعية، جرت أعوام 1997 و2002 و2007 و2012، فيما عرفت خمسة انتخابات رئاسية أعوام 1995 و1999 و2004 و 2009 و2014، وخلالها لم تتجاوز أعلى نسبة مشاركة فيها 63 في المئة وتدنت إلى 43 في المئة آخر انتخابات نيابية في 2012.
إشراف مستقل
وتنظم هذه الانتخابات لأول مرة بإشراف من «هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات» نص عليها تعديل دستوري جرى مطلع 2016، وتتكون من 410 أعضاء نصفهم قضاة والنصف الآخر من مستقلين عينتهم الرئاسة، ويرأسها الوزير الإسلامي السابق عبد الوهاب دربال. وعوضت هذه الهيئة لجنتين قضائية، وأخرى تتكون من ممثلي الأحزاب، كانتا تشرفان سابقاً على مراقبة العملية الانتخابية.
وتقول الموالاة إن استحداث الهيئة هو «خطوة عملاقة» لضمان نزاهة الانتخابات، فيما تؤكد أطياف من المعارضة أن الأمور لن تتغير ما دامت وزارة الداخلية هي الجهة المكلفة بالتنظيم ولم تنسحب من العملية نهائياً، وبالتالي فخطر التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح أحزاب السلطة قائم.
وميز التحضيرات لهذه الانتخابات في الجزائر الإعلان عن تحالفات سياسية وانتخابية مست فقط الأحزاب الإسلامية دون غيرها.
شرط الـ 4 %
التحركات الراهنة في أوساط الأحزاب الإسلامية نحو التحالف مرتبطة أساساً بالظروف الراهنة بحيث يحتم عليها التكتل، أو أن تجد نفسها خارج البرلمان المقبل«.
على اعتبار أن قانون الانتخابات الجديد حدد حصول أي حزب على نسبة 4 في المئة في الانتخابات السابقة، كشرط لدخوله الانتخابات القادمة مباشرة، أو الذهاب إلى جمع توقيعات (توكيلات) من الناخبين لتقديم قائمته، وهو أمر في غاية التعقيد، ويحتم على الأحزاب تشكيل تحالفات لتجاوز هذا الشرط.
وحدد قانون الانتخابات، الذي صادق عليه البرلمان نهاية يوليو الماضي، 3 شروط على الحزب أن يوفي أحدها لخوض الانتخابات النيابية والمحلية، وهي الحصول على 4 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، أو الحصول على 10 منتخبين في الدائرة الانتخابية، أو جمع توقيعات من 50 ناخباً عن كل مقعد في الانتخابات المحلية (المحافظات والبلديات)، و250 ناخباً في الانتخابات النيابية، و200 توقيع للقوائم الحرة (المستقلين).
في الأثناء، وجدت الأحزاب الصغيرة أو ما تسمى»الأحزاب المجهرية« صعوبة في بلوغ النصاب والذي يمكنها من دخول معترك التشريعيات وهو ما يجعل العديد من الأحزاب التي ظهرت مؤخراً أمام تجاوز هذا التحدي، رغم أن المؤشرات توحي بفشل العديد منها في تجاوز أول امتحان قبل المنافسة على مقاعد المجلس الشعبي الوطني.
دستور
تضمن دستور الجزائر في 2016 العديد من الأحكام الجديدة التي تضفي المزيد من الشفافية على العملية الانتخابية، من خلال استحداث هيئة وطنية عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، التي عين رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بعد استشارة كل الأحزاب السياسية عبد الوهاب دربال على رأس هذه الهيئة التي تتكون من قضاة وكفاءات مستقلة من المجتمع المدني.
رجال أعمال ينافسون السياسيين في صنع القرار
ألقى المال السياسي بظلاله على الانتخابات النيابية المقررة بالجزائر، في 4 مايو المقبل، حيث تسللت أسماء العشرات من رجال الأعمال إلى القوائم الانتخابية لعدد من الأحزاب السياسية. وعاد الحديث عن العلاقة بين المال والسياسة في الجزائر، مع تزايد عدد الأثرياء الطامحين في اقتحام قبة البرلمان عبر صناديق الاقتراع للمتوقع في مناصب قيادية في مختلف المجالس.
ويمنح الدستور الجزائري حصانة برلمانية لأعضاء السلطة التشريعية، ما يفسِّر تهافتَ رجال الأعمال على المقاعد النيابية لولاية جديدة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد. وصعدت قيادات أحزاب السلطة من نبرتها تجاه محاربة المال الفاسد في إشارة واضحة تؤكد حملة تطهير البرلمان المقبل من صبغته القديمة.
وتوعد كل من جمال ولد عباس الأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني» (الحاكم)، وأحمد أويحيى الأمين العام لـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، «أصحاب المال القذر» بمنعهم من الترشح، لكنهما يحاولان «استدراج» رجال أعمال معروفين للترشح ضمن لوائحهم الحزبية.
يبدو أن رئيس الحزب الحاكم في الجزائر لم يصمد أمام رغبة رجال المال بالترشح للانتخابات، إذ ترشح محمد جميعي، وهو رجل أعمال يمتلك شركات ومصانع للأجهزة المنزلية، بقائمة حزب جبهة التحرير الوطني، في محافظة تبسة، شرق البلاد، علماً أنه حالياً عضو في البرلمان منذ عام 2012، ويشغل منصب نائب رئيس البرلمان.
الرياضة
ومن بين الأساليب التي ينتهجها رجال الأعمال للحصول على ثقة الناخبين، الاستثمار في النوادي الرياضية، حيث صار الاهتمام بنوادي كرة القدم، ظاهرة ترافق طموح أصحابها في التنافس على الانتخابات البرلمانية، ما يقتضي اكتساب شعبية وحضور، خاصة في أوساط الشباب.
وذكرت تقارير إعلامية، عن شراء نجاة مهري، ابنة الملياردير جيلالي مهري، وهي سيدة أعمال، نادياً لكرة القدم في ولاية الوادي، وتزوره بصورة دورية، بعد توليها منصب الرئاسة الشرفية له حيث تحدثت أنباء عن نيتها الترشح للانتخابات.
وفي محافظة عنابة (650 كيلومتراً شرق العاصمة) أيقن البرلماني بهاء الدين طليبة، أهمية النوادي الرياضية وتحول رئيساً شرفياً لـ«اتحاد عنابة لكرة القدم». وطليبة أحد أكبر رجال الأعمال في المحافظة، وهو يستعد للترشح مجدداً لانتخابات البرلمان.
وعبرت عدة أحزاب عن تخوفها من تحالف المال الفاسد مع السلطة للاستيلاء على إرادة الجزائريين عبر شراء أصوات الناخبين بمختلف الإغراءات، ورأت في لجوء بعض الأحزاب إلى بيع قوائم الترشح لرجال المال والأعمال في الولايات مؤشراً واضحاً على فساد العملية الانتخابية منذ البداية.
مراقبة الأموال
وتحدثت مصادر أمنية عن قيام مصالح الأمن المختصة بتقديم تقارير مفصلة عن مصادر أموال الحملات الانتخابية للأحزاب والقوائم الانتخابية التي تتنافس على سباق البرلمان، موازاة مع ذلك لا تزال الأرصدة البنكية لبعض الأحزاب وقادتها تحت مجهر مصالح الأمن على خلفية ورود معلومات تشير إلى حصول هذه الأحزاب على دعم مالي مشبوه منها تمويلات خارجية.
وتقوم أيضاً مصالح الرقابة بوزارة المالية عاد الحديث، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، عن العلاقة بين المال والسياسة في الجزائر، مع تزايد رجال الأعمال الطامحين في اقتحام قبة البرلمان عبر صناديق الاقتراع للمتوقع في مناصب قيادية في مختلف المجالس بعمليات مراقبة واسعة لحركة الأموال من والى أرصدة الأحزاب السياسية سواء عن طريق البريد أو البنوك.