ظلت القضية الفلسطينية تحتل مكان الصدارة في قائمة أولويات واهتمامات العرب سواء في جامعة الدول العربية أو عبر الجهود الفردية التي تقوم بها دول عربية من أجل دفع عملية السلام، غير أنه وعلى مدار أكثر من ست سنوات مضت صارت الأزمات تلو الأخرى تتوحش وتتزايد يوما بعد يوم.
تعززها ظاهرة الإرهاب الأسود الذي تعاني منه العديد من دول المنطقة، إضافة إلى الأزمات الداخلية التي تشهدها تلك الدول، ما جعل قضية العرب المركزية والأولى تقف وسط نُذر مؤشرات تراجع حاد في ضوء تزايد تلك الأزمات التي أفضت أيضا إلى انصراف أنظار المجتمع الدولي كذلك إلى أزمات أخرى كالأزمة السورية والوضع في ليبيا والعراق.
ورغم أن الموقف العربي لايزال يُقدم القضية الفلسطينية على اعتبار كونها قضية العرب الرئيسية، في خط معاكس لموقف غربي يعتقد بأولوية أزمات أخرى مشتعلة في سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها.
إلا أن البعض يعتقد بأن الاهتمام العربي بالقضية سواء داخل الجامعة العربية أو من خلال الجهود المنفردة للدول العربية يتعاطى مع القضية «نظريا» دون تحرك عملي وشامل يسفر عن تغيرات جوهرية، وأن الاهتمام الأكبر على الصعيد «العملي» مصبوب ومركز في القضايا الإقليمية الأخرى التي صارت تشكل تهديدا على الأمن القومي العربي.
حرائق المنطقة
يقول سفير دولة فلسطين في مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية جمال الشوبكي، إنه بالتأكيد قد تأثرت القضية الفلسطينية بالحرائق والأزمات والصراعات الموجودة بالمنطقة.
قائلا في تصريح لـ«البيان» إن ما تشهده المنطقة من حروب وأزمات كان لها أثر على الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، خاصة ملف الإرهاب الذي تعاني منه العديد من دول المنطقة .
ويظل أبرز الأزمات التي تحظى بالاهتمام العربي، غير أنه يوضح أنه عند التعاطي مع تلك الأزمات في الإطار العربي يتم التأكيد على ضرورة التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة ودحر الإرهاب ويضاف إلى ذلك تأكيد أيضا على ضرورة التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على اعتبار كونها قضية العرب الرئيسية.
ويوضح أن القضية الفلسطينية لم تكن يوما قضية الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية العرب جميعا، فهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ودائما ما نقول إنه ما دامت الأمة العربية بخير وأمن فإن ذلك ينعكس على القضية الفلسطينية والعكس.
اهتمام نظري
بدوره، يؤكد سفير فلسطين السابق في مصر بركات الفرا، تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، انطلاقا من انشغال الدول العربية بذاتها وأوضاعها الداخلية، فهناك دول انفرط عقدها ولم يصبح هنالك بها حكومة مركزية مُسيطرة، وأوضاع مضطربة في سوريا واليمن وليبيا والعراق، ودول أخرى منشغلة في حربها ضد الإرهاب.
ودول تخشى الإرهاب الذي يهددها، ما جعل القضية الفلسطينية في إطار ذلك محل تأكيدات نظرية فقط بشأن اعتبارها القضية المركزية وقضية العرب الأولى، لكن على أرض الواقع لا شيء يتحقق.
وشدد في تصريح لـ«البيان» على أن المطلوب هو وجود قوة دفع عربية للقضية الفلسطينية خاصة مع الإدارة الأميركية الجديدة التي لم يتضح موقفها بعد من القضية.
أزمات متشابكة
وجاء تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية متناسبا بصورة طردية مع تزايد الأزمات، فكلما تزايدت أزمات المنطقة قل الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية مقابل انصراف جهوده وتركيزه على قضايا الإرهاب وكذلك أزمات اللاجئين، وهي قضايا تمس المجتمع الدولي وأمنه بصورة مباشرة.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس القيادي بحركة فتح الدكتور أيمن الرقب إلى أن هنالك مشاهد وأوضاعا قد صارت أكثر صعوبة وتشابكا عن القضية الفلسطينية التي «عُرِفَ لونها وصار واضحا في كونها قضية احتلال» .
بينما الأزمات الأخرى مثل الأزمة السورية وكذا الوضع في ليبيا واليمن والعراق جميعها أزمات متشابكة ومتداخلة ومن ثم طغت تلك الأزمات والأوضاع على الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، ولم تصبح القضية الفلسطينية الآن هي قضية العرب الأولى بشكل عملي منذ ست سنوات.
وأكد في تصريح لـ «البيان» بأنه حتى على صعيد الجهود الفردية مثل الجهود المصرية فإن تلك الجهود قد تأثرت نتيجة الأوضاع التي تشهدها المنطقة وخاصة ملف «الإرهاب» والقضايا الكثيرة المتناثرة.