لعبت الدوحة دوراً سلبياً في زعزعة الاستقرار في اليمن من خلال نسج علاقات غريبة مع الأطراف السياسية المتناقضة عززت الصراعات الداخلية لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة واستهداف دولها، كما أمدت الجماعات الإرهابية بما تحتاج إليه من مقومات البقاء.
وبدأت المهمة القطرية في عام 2006 مع لعب الدوحة دور الوسيط في الحرب بين الحكومة والمتمردين الحوثيين في صعدة، وهي الوساطة الغامضة التي استمرت حتى العام 2009 دون أن تحقق أي نتائج اضطرت معها السلطات اليمنية إلى إعلان فشل هذه الوساطة التي تكشف بعد ذلك أنها كانت جزءاً من مخطط لتمكين المتمردين من تعزيز قدراتهم وتجنيبهم هزيمة مؤكدة.
ومن خلال عمل الدوحة كوسيط بين الحكومة والمتمردين، تمكن هؤلاء خلال السنوات الثلاث من إعادة ترتيب صفوفهم، والحصول على أموال ضخمة قدمها الوسيط القطري سيف أبو العينين، مدير مكتب أمير قطر السابق طوال فترة بقائه في صعدة ولقاءاته مع قيادة التمرد وزعماء القبائل المناهضين لهم، واشتراطه عدم مشاركة أي طرف يمني في اللقاءات التي كان يعقدها مع قادة التمرد، ولا معرفة محتوى الحقائب التي كان يتم نقلها من السفارة القطرية بصنعاء إلى صعدة، والتي كانت تحتوي على مبالغ مالية ضخمة كشفت عنها بعد ذلك مصادر قبلية.
التحرك القطري لوقف العمليات العسكرية للجيش اليمني مكن المتمردين من استغلال الهدنة لتهريب المزيد من الأسلحة الإيرانية عبر البحر، وإحكام الحصار على معسكرات الجيش والأمن ومخازن الأسلحة في صعدة للانقضاض عليها بعد ذلك، وهو مأتم فعلاً في العام 2010 حيث تمت السيطرة على ستة من ألوية الجيش المحاصرة في صعدة، والاستيلاء على مخازن أسلحتها بالكامل.
ومع إعلان الحكومة اليمنية فشل الوساطة القطرية، كانت أجزاء من محافظة صعدة قد أصبحت خارج سلطة الدولة، وعمق من هذا الوضع اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل نظام الحكم السابق في مطلع العام 2011، حيث استغل المتمردون الحوثيون الوضع لبسط كامل سيطرتهم على المحافظة والتمدد إلى محافظتي عمران وحجة.
الوساطة القطرية التي فتحت الباب أمام الحوثيين لإرسال المئات من المقاتلين إلى لبنان وسوريا وإيران لتلقي التدريبات على استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وصنع المتفجرات والألغام، وتخريج مدربين تولوا بعد ذلك مهمة تدريب المنتمين للجماعة في منطقتي نقعة ومطرة الجبليتين في أطراف محافظة صعدة القريبة من الحدود السعودية، كما سهلت وصول عدد من الخبراء العسكريين الإيرانيين ومن حزب الله اللبناني إلى صعدة للإشراف على هذه المعسكرات وتهريب كميات ضخمة من الأسلحة عبر البحر.
وفِي العام 2013 وبينما كان تنظيم القاعدة يعاني من أزمة مالية نتيجة توقف عمليات خطف الأجانب، بسبب مغادرة غالبية هؤلاء لليمن ورفض بلدانهم دفع فدى لعناصر التنظيم، وتضييق الخناق على الجمعيات والجهات المشتبه بأنها على صلة بالجماعات الإرهابية، تظهر قطر من جديد وتتولى إنقاذ التنظيم من خلال اتصالاتها مع زعماء قبائل عملوا وسطاء لدى عناصر القاعدة، لتأمين الإفراج عن المعلمة السويسرية سيلفيا ايبرهارت التي ظلت رهينة لمدة تسعة أشهر.
وفيما كان اليمنيون يحضرون لانطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل الهادف لإعادة صياغة شكل الدولة، وصل ضباط من المخابرات القطرية إلى صنعاء من دون إذن مسبق واتجهوا إلى سفارة الدوحة لاستلام الرهينة السويسرية ودفع مبلغ 20 مليون دولار للوسطاء والقاعدة ثم غادروا صنعاء وعند وصولهم إلى الدوحة أعلنوا نجاح وساطتهم في الإفراج عن المواطنة السويسرية ومن دون علم الحكومة اليمنية.
الدعم القطري الواضح لجماعة الإخوان في اليمن عبر ذراعهم السياسية تجمع الإصلاح لم يتوقف أثناء نسج علاقة الدوحة مع المتمردين الحوثيين حلفاء إيران، بل استمرت الجمعيات الخيرية القطرية في رفد خزائن جمعيات خيرية إخوانية بملايين الدولارات وظفت في أدلجة دور الأيتام ومراكز التعليم وفِي تقديم المساعدات للأسر الفقيرة والمحتاجة.
ولأن الدور القطري في اليمن هو امتداد لدورها في اللعب على التناقضات في المنطقة، فقد وقفت ضد المبادرة الخليجية التي تم بموجبها حل الأزمة التي عصفت باليمن مع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الحكم السابق، وعملت على إفشال المبادرة، ودعمت الحوثيين، الذين رفضوا المبادرة إعلامياً، ولكنهم عملياً طالبوا بأن يكونوا جزءاً فاعلاً في الحكومة التي تشكلت بموجب تلك المبادرة، التي مهدت لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل وولادة الدولة الاتحادية في اليمن، واقترح أحد بنودها معالجة الآثار المترتبة على الحروب التي شهدتها محافظة صعدة.