يشير مراقبون بألم إلى الفتور الذي صار يطبع علاقات الجيران في الجزائر أيا كان في الحي أو المدينة وحتى في مواقع العمل، فخلافا لتلك العلاقات الجميلة التي كانت تزدهي بها البلاد إلى وقت قريب، اختفت بشكل شبه كامل.
وعدم معرفة الجار بجاره بات أمرا مألوفا، وحتى إذا تعرّفا فليس بينهما أكثر من عبارات السلام المعتادة التي تتردّد بميكانيكية قاتلة، وأكثر من ذلك، يذهب زهير عبد العالي إلى أنّ الجار في الوقت الحالي صار العدو الذي نحذره ونخاف من غدره، ويتحجج البعض بكثرة السرقات والاعتداءات التي كان أبطالها الجيران أنفسهم.
وتبرز من خلال مشاهدات يومية أنّ العلاقات بين الجيران جرى اختزالها في سلسلة خلافات ومشاحنات تنشب لأبسط الأسباب وغالبا ما تكون تافهة، وهو ما يعزوه أيمن بوستة والدكتورة زينب فحاصي إلى تغيّر نمط الحياة وصعوبة المعيشة التي أصبحت أكثر قسوة عن ذي قبل، ويقحمان أيضا طغيان النفعية على مواطنيهم الذين صار لسان حال الكثير منهم الزمن أصبح للمصالح أكثر من أي شيء آخر.
ويرى الموظف محمد سبعاوي أنّ ضعف العلاقة بين الجيران في بلاده، راجع لانشغال الناس بالعمل المكثف طيلة أسبوع كامل خصوصا مع ازدهار المهن الحرة، ونظام العمل من ساعات الصباح الأولى حتى آخر المساء، ألغى أي احتكاك بين الجيران وحتى في نهاية الاسبوع يجد الفرد نفسه منهمكا في العمل طيلة أسبوع كامل فيحبّذ ان يجلس في البيت ولا يزعجه أحد. وترفض ربّة البيت سعيدة بن جاوي تأييد القائلين بتلاشي علاقات الجوار، فأمورنا مع جيراننا جيدة ونحرص على أن نتواصل معهم باستمرار، ونتبادل الزيارات بل وحتى أطباق الطعام والحلويات في المناسبات.
هشاشة النزوح
ويسجّل محمود زهران وعلي باعبيدة وهما عاملان بورشة بناء، سهرهما معا وظلّت علاقتهما كجيران طيبة، ويرجعان هشاشة تلك الرابطة لدى قطاع واسع من الناس، إلى انعكاسات النزوح المستمر واستئجار المنازل كل سنة، ما يحول دون تقارب الجيران، ولا يسهم في توطيد العلاقات.
ويقول سمير باشان صاحب صالون حلاقة منذ أكثر من عشر سنوات أسكن بالعمارة نفسها وجيراننا أكثر من أهل، الا ان بعضهم شغله الشاغل اختلاق المشاكل مع الجيران بسبب مشاكسات الأبناء، ما يدفعنا لتفادي الاختلاط بهم والاكتفاء بالتحية فقط. وتلاحظ الطبيبة البيطرية هناء بستاني أنّ التوسع العمراني المتسارع عمّق التباعد بين الجيران، فهناك عدة معطيات مؤثرة، كفوضى العمران، بدوره، يؤكد ابراهيم أنّ التحولات الجديدة التي شهدها المجتمع وظروف الحياة وتعقيداتها أفرزت فتورا.
عوامل متداخلة
أبرز المتخصص في علم النفس الاجتماعي فريد قبيلي ما ترتب عن هيمنة الانفرادية واللامبالاة في البيئة الجزائرية الحالية، وتابع أنّ العديد من مواطنيه يتمسكون بمساكنهم العتيقة رغم ضيقها، لما ولَّدته لديهم من حب مع الجيران، وإذا ما تغيّرت الاقامة تكون هناك علاقة بأشخاص جدد ينبغي التعرف عليهم، وفي هذه الظروف الصعبة وانشغال الناس بأعمالهم ودراساتهم ومشكلات الحياة، أصبح بناء العلاقات صعبا وليس كما كان حاصلا لدى المخضرمين. وأكد محدثنا أنّ هناك عدة عوامل أثرت في طبيعة وحسن الجوار تتمحور حول ما يتعلق بالذات الإنسانية عندما ينشغل الإنسان بهمومه ومشاكله الخاصة ما يجعله منعزلا ومنفردا، بينها حالة علاقته بالمجتمع البشري بشكل عام حين تكثر الانشغالات والهموم.