قديماً، كانت معاناة المصريين مع اللحوم منتهية الصلاحية، الآن تشعبت معاناتهم إلى لحوم فاسدة، وأخرى لحيوانات نافقة، والطامة أنها وصلت أيضاً إلى اللحوم غير المخصصة للاستهلاك الآدمي كلحوم القطط والكلاب والحمير، وذلك بعد الإعلان أخيراً عن ضبط مزارع لتربية الحمير وتوريد لحومها إلى أكبر المطاعم وسلاسل المراكز التجارية والمجمعات الاستهلاكية الشهيرة في القاهرة.
«فقدتُّ الثقة تماماً في أي لحوم لا أراها تذبح أمام عيني»، هكذا تحدث الصحافي عبد الله عبد القادر، موضحاً أنه كان ضيفاً دائماً في أحد المطاعم الشهيرة، وفوجئ بوجود اسم المطعم بين سلسلة من المطاعم والفنادق الشهيرة التي ذكرت التقارير أنها تقدم لحوم حمير لروادها. وابتسمت لبنى. إ وهي ربة منزل لتقول: لا أشغل بالي بهذا الأمر، فنحن لا نملك رفاهية شراء اللحوم من الأساس، ونكتفي بما يقدمه لنا أهل الخير في عيد الأضحى.
ويؤكد الشاب الجامعي خالد منصور الذي يعمل بائعاً جوالاً: "لا أبالي إن كان ما آكله لحم حمير أم بقري، أم شيئاً آخر، فطالما نعيش تحت خط الفقر، فلا نملك رفاهية الاختيار، بل علينا أن نتعامى عن الحقيقة كي يمكننا الاستمرار في الحياة!
وتشير المدرسة سامية نبيل إلى أنها أصيبت بحالة من الذعر والرعب بعد الأنباء التي ترددت عن بيع لحوم الحمير على أساس أنها لحوم بلدية، وامتنعت أنا وأبنائي عن تناول أي لحوم مجهولة المصدر، وتحولنا إلى تناول الطيور والأسماك من أجل سلامتنا الصحية، إلى حين زوال شبح اللحوم الفاسدة والمغشوشة.
ضمائر فاسدة
يأتي كل ذلك في الوقت الذي كشفت فيه وزارة الصحة عن ضبط عشرات الأطنان من اللحوم والمواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، بعد أيام قليلة من تفجر أزمة لحوم الحمير، وضبط كميات كبيرة منها في الأسواق المحلية. واتخذ قرار بإيقاف تشغيل 10 مصانع لمنتجات اللحوم في سبع محافظات، وست منشآت خاصة بتصنيع الألبان على مستوى الجمهورية بعد أن تبين أنها فاسدة. وعلى صعيد متصل، أرسل جهاز حماية المستهلك العديد من الإعلانات عن منتجات غير مطابقة للمواصفات القياسية إلى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، والتي تضمنت الكثير من منتجات اللحوم والألبان. ومن جانبها أكدت وزارة الداخلية أن الحملات مستمرة لتوفير سوق غذاء آمن وأغذية صالحة للاستخدام الآدمي والقضاء على ظاهرة بيع اللحوم الفاسدة سواء أكانت للحمير أم لحوماً غير مطابقة للمواصفات القياسية.
كارثة صحية
إلى ذلك، يؤكد خبير التغذية دكتور سند محمود أن نسبة كبيرة من الطعام المتداول في الأسواق في أراضي الدولة مغشوشة وفاسدة ولا تصلح للاستخدام الآدمي، وهو ما يعد كارثة صحية بكل المقاييس، خاصة وأن المشكلة تبدأ من مكان إنتاج اللحوم أو ذبح الماشية وليس في المتاجر فقط، فالمذابح غير نظيفة وغير آمنة، ما يجعلها بيئة خصبة لانتشار الفيروسات ونقل الأمراض للماشية المذبوحة، وكذلك الحال في مصانع إنتاج اللحوم، فلا رقابة عليها ولا حملات تفتيشية إلا في فترات متباعدة، ما يجعلها أكثر عرضة للفساد.
وأضاف إن هناك أبعاداً أخرى للأزمة، فلا وجود فعلياً لأجهزة سلامة الأغذية، رغم أن أزمة اللحوم الفاسدة قديمة ومتداولة منذ سنوات بعيدة، ورغم ذلك ليست هناك أي تحركات جديدة في مجال تقوية الرقابة على الأغذية.
مراقبة الأغذية
أقر مجلس الوزراء المصري عام 2011 إنشاء أول جهاز لمراقبة سلامة الأغذية، ولم يتم إنشاؤه حتى الآن، رغم الحاجة الملحة له، لضمان عدم تكرار أزمة نفاذ كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة أو غير صالحة للاستخدام الإنساني إلى الأسواق المحلية.